(التشرمييل) .. دلالة اصطلاحية لظاهرة بدأت تنتشر كالنار في الهشيم في المجتمع المغربي في مدنه وقراه . محور هذه الظاهرة هم شبان وشابات وأحيانا كهولا وأطفالا يعترضون سبيل المارة راكبين كانوا أو راجلين ويسلبونهم بقوة الحديد ما يحملون من أموال وأمتعة وأحيانا يجردونهم حتى من ثيابهم إذا كانت غالية الثمن، ويصاحب كل ذلك الاعتداء اللفظي والجسدي وأحيانا حتى الجنسي.. واستعمال السيوف والأسلحة البيضاء والمخدرات والغازات وأصناف من الكلاب المروضة الشرسة، لإبعاد أي تهديد محتمل ولبلوغ المكتسبات المادية بشكل أيسر وأسرع. والتشرميل مصطلح اشتق من اللهجة المغربية، يرتبط أساسا بالطبخ والمطبخ ، (شرمل اللحم ) ويعني (تتبيل) وضع التوابل وصب الزيت على اللحم بعد قطعه إلى أطراف حسب الحاجة .و الارهاصات الأولى للتشرميل ترجع إلى اكثر من عشرين سنة مضت ، حيث أن إشهار السكاكين والسيوف في الأحياء الشعبية والهامشية في المدن الكبرى كان أمرا شبه عادي واليوم اصبح ظاهرة خطيرة سواء في حجمه أو أسلوبه لدرجة أصبح فيها المواطن لا يشعر بأمن ولا أمان، يمشي في شوارع بلاده خائفا من شباب أبنائه الجانح، يترقب سيفا ينخسه من جنبه، يتوجس خيفة من أي شيء لدرجة أنه يتوهم أعمدة الإنارة العمومية منحرفين يتبعوه.. يمكن اعتبار ظاهرة “التشرميل” تعبيرا عن حالة التذمر والتعاسة والإحباط والانحلال الذي يعيشه الشباب المغربي خاصة الشباب الأكثر هشاشة والأكثر تضررا من الوضع المجتمعي العام وتحديدا عند شباب الأوساط المحرومة والباحثين عن الخروج من التهميش. بسبب:
– انكسار المنظومة التربوية والتعليمية باعتبارها مرتكز التغيير المجتمعي وباعتبارها قاطرة باقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية مثل دور الثقافة ودور الشباب والمسارح والملاعب الرياضية… إلخ، وباقي مؤسسات الدولة والمجتمع المدني التي تعنى بإعداد وتكوين وتربية الطفولة والشباب
– ارتفاع حدة الفقر لدى ما يناهز 10 ملايين مواطن مغربي، وفي ظل الصعوبات الاقتصادية والهشاشة الاجتماعية والإقصاء الاجتماعي.
– غياب دور الأسرة في تحصين أبنائها ومدهم بالأسلحة الأخلاقية لمواجهة الانحرافات التي يعرفها الشارع العام
– غياب سياسة إجتماعية إدماجية وتضامنية تقلص الفوارق الاجتماعية بين فئات الشعب المغربي التي تصل إلى أرقام فلكية مما ولد حقدا طبقيا ترجم في جرائم ومظاهر مخلة بأخلاق المجتمع المغربي وتقاليده المبنية على التسامح والعدالة والتكافل الاجتماعيين
– الهذر المدرسي منذ السنوات المبكرة ( 300 ألف تلميذ سنويا).
– الطموحات والتطلعات والمشاكل النفسية للشباب عامة،
– قلة فرص الشغل وارتفاع نسب البطالة وانتشار ظاهرة التسول في صفوف الشباب وتفشي ظاهرة المخدرات أمام المؤسسات التعليمية والتربوية
– انتشار الفساد بكل اشكاله واعتماد المحسوبية والزبونية معيارا للاستفادة من خيرات الوطن.كل هذه المعطيات وغيرها أفرزت شباب “التشرميل” والتي يمثلها الشباب الأكثر هشاشة والأكثر تضررا من الوضع المجتمعي العام. لذلك يعتمد أسلوب إثبات الذات وتقديرها بكل الوسائل ومن خلال استعراض القوة والشراسة.
– تشجيع الدولة للظاهرة ، صحيح أن كل نظام يفكر في أدوات ووسائل لجعل خصومه السياسيين تحت السيطرة، إلا أن الفظيع في الدول غير الديمقراطية والتي يستشري فيها الفساد هو استباحة كل الوسائل غير النبيلة، ليس فقط لقهر الخصوم باسم الضبط، بل حتى بتوظيف أساليب التصفية الجسدية؛ وما سنوات الرصاص عنا ببعيدة. فمع اندلاع شرارة حركة 20 فبراير والحراك الجماهيري الذي يغطي كل ربوع الوطن ظهر على الساحة أشخاص يهددون بالأسلحة البيضاء والعصي و يتوعدون خصوم النظام ومعارضيه بالتصفية الجسدية الشيء الذي يؤكد أن التوجه السياسي العام يحتضن التشرميل وهذا يتأكد عندما نسترجع أجواء الانتخابات الأخيرة التي أطرها في الغالب شباب من ذوي السوابق لا يترددون في مهاجمة الخصوم بكل الوسائل المتاحة.
– العقوبات ضد هؤلاء لا ترقى إلى مستوى الردع في كثير من الحالات، لأن القضاة غالبا ما يمنحون المجرمين ظروف التخفيف لتنزل العقوبات إلى ثلاث سنوات في حالة تجمع التهديد بالسلاح واستعماله والضرب والجرح والسرقة، الأمر الذي يزيد من استفحال جريمة التشرميل.
لن نختلف في تحميل مسؤولية الظاهرة وانتشارها للسلطات، ليس فقط من مُنطلَق الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية لهؤلاء الفتيان اليافعين، وإنما من موقع تساهلها بما يحدُث .فالأمن هو أحد الأركان الأساسية لأي نظام عادل، وهو إلى جانب العدل الضمانة الأساسية لأي حياة مستقرة، وحين تريد الأمة حقا أن تقلل من عدد الجرائم فإنها تستطيع ذلك حتما، لذلك كان في كل أمة المجرمون الذين تستحقهم بسبب سوء نظامها.