لن نبالغ مرّة أخرى إن نحن قلنا إن مسلسل تدريس اللغة الأمازيغية في المغرب يطاله الإفشال الممنهج، ولن نبالغ ونحن نزعم أن هناك من يقاوم التغيير ويغيّب الارادة ويعادي التنوع الفعلي لينتصر لفكر أحادي موروث، فبعد أن عرضنا فيما سبق لما مورس على أساتذة اللغة الأمازيغية من حيف بدءا بالانتقاء، مرورا بالتكوين وانتهاء بالتعيين، ها هو الحيف اليوم يأتي من عامّة القوم بعدما اعتدناه من المؤسسات.
أشار إلينا أحد الزملاء عبر موقع اجتماعي إلى ما يعانيه أستاذ متخصص في تدريس اللغة الأمازيغية بمدرسة ابن خلدون بمدينة العرائش من مضايقات واستفزازات طال عمرها وازدادت وثيرتها مؤخرا بشكل جعل الأستاذ "يستغيث" بزملائه لشرح معاناته مع بعض التصرفات التي طال شخصه ووضعه الاعتباري منذ أن عيّن أستاذا للغة الأمازيغية في مدينة العرائش.
ولكون رسالتنا تقتضي المرافعة عن كل ضحايا مثل هذه التصرفات المشينة أياّ كان مصدرها وأيّا كانت الضحيّة، خصوصا بالنظر إلى كون أغلب هؤلاء الأساتذة حديثي العهد بالتدريس يتملّكهم الارتباك وهم أمام أبواب مصدودة، ربطنا الإتصال بالأستاذ الذي استحسن بداية هذا الدعم المعنوي ونوّه بجميع الزملاء ممّن ساندوه في محنته بشكل مباشر أو غير مباشر وبلغة ملؤها الجدّية والنيّة الحسنة ونكران الذات.
تعود بداية أطوار معاناة الأستاذ إلى بداية الموسم الدراسي عندما قدم عبر تعيين إلى إحدى مدارس مدينة العرائش لتدريس مادّة اللغة الأمازيغية، إلا أن تلك البداية كانت معتادة خاصة أن أغلب زملائه من متخصصي اللغة الأمازيغية مرّوا بنفس الظروف التي توحي إليهم أنهم غير مرغوب في تخصصهم وأنهم مجرّد "عبء" إضافي للتلاميذ وللمؤسسات التي حلّوا بها.
مرّت الأيام، وتكيّف الأستاذ مع محيطه الجديد، وتقرّب من زملائه من الأساتذة والإداريين بشكل جعله يندمج معهم بشكل جيّد، قبل أن يقضّ مضجعه شخص لا علاقة قانونية تفرض نفسها بينه وبين الأستاذ بتاتا، فهو ليس من الأساتذة الزملاء، ولا من الإدارة محليا ولااقليميا، بل مجرّد رئيس"جمعية الآباء والأولياء" الذي يفترض أن يخاطب الإدارة وفقط، والذي حوّل حياة الأستاذ إلى ما يشبه الجحيم.
الشخص المذكور، لم يتوان في البداية في تحريض آباء وأولياء التلاميذ على رفض تعلّم أبنائهم للغة الأمازيغية وحثهم على ضرورة "العمل" سويّا من أجل "ترحيل" الأستاذ وإجبار الإدارة على تحقيق نزوته المرضية، وهي الحملة التي يقوم بها نهارا وجهارا، لينتقل بعد فشل مساعيه إلى فتح باب المواجهة المباشرة للأستاذ المغلوب على أمره عبر التشهير به والعنف اللفظي واقتحام قاعة الدرس وغير ذلك من التجاوزات، والتي كما أشرنا أثرت بشكل كبير على نفسية الأستاذ ومعنوياته.
لن نخوض في سيرة الشخص المعني لكونه ليس موضوعنا في هذا المقام، ولكون محيطه يعرف من يكون وكيف يتصرّف، بل سنركز على مسألتين أساسيتين:
- منذ متى كان رئيس جمعية آباء وأولياء التلاميذ هو من يحدد المواد التي يريدها أن تدرّس ومتى كان من حقّه رفض هذه المادة أو تلك؟؟
- أين هي السلطات التربوية مما وقع ويقع لهذا الأستاذ من استفزازات وتجاوزات؟؟
عودة إلى التساؤل الأول، يجب أن يعرف الشخص المعني حدود صلاحياته ويتوقف عندها، ويجب عليه أن يدرك أن اللغة الأمازيغية لم يأت بها الأستاذ المذكور، فهي مادّة ضمن المنهاج الدراسي المغربي بقوة النص القانوني والتربوي، وعليه أن يتحمل مسؤوليته كاملة في مسّه بشخص الأستاذ الذي -ومن خلال حديثنا معه- قام بإطلاع بعض الآباء على خطب ملكية في الموضوع علّه يجد من يتفهّمون الوضع قبل أن يقدم الشخص المذكور بتمزيقها ووصفها ب"الوسخ" حسب تصريح الأستاذ الذي قال أن هناك شهود على هذا التصرف المشين.
في التساؤل الثاني، وهو امتداد لسابقه، على الإدارة في عين المكان أن توضّح للشخص المعني أن الأمر أكبر منه ومن نزواته، فالقرار –قرار تدريس الأمازيغية- يتجاوز الاختيارات الشخصية والمزاجية، وعليها كذلك أن تنبّه ذلك الشخص الذي يقتحم المؤسسة سابّا شاتما أنه يلعب بالنار، وإلا أن تتابعه بحكم القانون لأنه يعتدي على حرمة المؤسسة ويهين موظفا أثناء مزاولته لعمله.
الغريب في الأمر أن الأستاذ الضحية، كاتب وراسل مشتكيا متظلّما، إلا أن دار لقمان بقيت على حالها إلى حدود كتابة هذه السطور، كل ذلك رغم وقفة تضامنية لزملائه في المؤسسة ساهم فيها ممثلون عن بعض الجمعيات والنقابات إضافة إلى عدد من الآباء والأولياء الذين طالبوا الشخص المعني بالرحيل وكونه لا يمثل أبناءهم، ولابد أن نغتنم الفرصة لنذكر الوزارة المعنية من جهة أخرى أن هذه الفئة من الأساتذة مقبلون على المشاركة في الحركات الانتقالية فماذا أعدت لهم خصوصا وأن منهم من ينتظر الالتحاق بزوجه، وهم مقبلون أيضا على امتحانات مهنية فما مصيرهم في ظل هذه الارتجالية التي تطال أغلب ملفاتهم؟؟
نختم بأسفنا الشديد على صمت الجهات التي تدّعي نصرة رجل التعليم، وعجز إطارات مهنية مهتمة بتدريس الأمازيغية عن الدفاع عن أساتذة اللغة الأمازيغية، وكذا بضرورة تحمّل كل طرف لمسؤوليته فيما سيأتي إذا استمرّ هذا الكائن -ومن هم على شاكلته- في تصرفاته الصبيانية.