يعتبر الأمن والعدل بمثابة اساسين لاستخلاف للاستقرار والتطور في أي مجتمع ، لان غياب الأمن يعني سيادة الخوف والريبة والتوجس وعدم الاطمئنان.وغياب العدل يعني الظلم والفساد والاستبداد والترامي على حقوق الغير، وبالتالي فكل خرق في هذبن المرتكزين يؤدي الى الخلل التام في حياة المجتمع ،وهذا ما يحدق اليوم بمجتمعنا المغربي حيث يعاني الامن والعدل من خلل كبير لا نحتاج الى سياقة دلائل على هذا الخلل المنذر بالكارثة لا قدر الله. كما ان مسؤولية الدولة ثابتة في كل الأحوال وبكل المقاييس،فيكفي ان نستحضر ما تقوم به الدولة تجاه اية حركة احتجاجية اذ تجيش عدة أصناف من الناس، بمن فيهم بعض الباعة المتجولين وذوو السوابق والاميين وبعض أعوان السلطة، ضد المحتجين ، وحصلت اعتداءات عنيفة غير ما مرة. كما تم توظيف هذه النماذج الآدمية في الحملات الانتخابية والمسيرات التعبوية لبعض الأحزاب ضد أخرى. كل هذا وغيره نما النزعة ( التشرميلية ) لدى فئات عريضة من المواطنين حتى اصبحنا اليوم على ما نحن فيه من الانفلات الامني وبالتالي نعيش في غياب الاستقرار وفي الاحتقان والاضطرابات ، فأصبحت حياة الناس وأرواحهم تعيش تحت التهديد الدائم، لم يبق معه معنًى للأمن العام أو السكينة العامة أو السلم الاجتماعي، و أصبح المواطن يسير في الشارع وهو يراقب ظله ، وكأنه خائف من أن يقترف جرما في غفلة منه . فالوضع أقرب إلى حالة من الإرهاب. ولم يستفد المسؤولون من تاريخ الأمم الذي يؤكد أن غياب الأمن وسيادة الظلم وهيمنة النهب وعدم توزيع ثروات الشعوب ومقدراتها بالعدل يؤدي إلى الانهيار الاقتصادي والاحتقان السياسي والتذمر الاجتماعي وفي النهاية حدوث انشطار في أطراف البلد ثم الانهيار التام للأمة.
نتساءل الآن عن الاسباب الحقيقية لظاهرة التشرميل في المغرب والعجز الأمني في التصدي لها ، ومحاولة الاجابة تقودنا الى الاسباب التالية:
1- – فشل المنظومة التعليمية في إنتاج وعي مجتمعي لدى الناشئة وهو الفشل الذي تؤكده كل الدراسات الدولية بل تشكو منه حتى التقارير والخطب الرسمية لاولي الامر في البلاد دون ان نرى – للاسف – ترجمة عملية لذلك
2- غياب دور المؤسسات الثقافية في تحصين الموروث الثقافي المغربي الأصيل وتلقينه للجيل الصاعد بعد حصر الثقافة في مهرجانات الغناء والرقص و(التبوريدة ).
3- انتشار المخدرات بكل اشكالها في الشوارع والمدارس وحتى امام المساجد في غفلة او تغافل تام للسلطة حتى قيل ( بان الجميع يعرف اين تباع المخدرات الا الشرطة ) وتكتفي في غالب الاحيان بالقاء القبض على المستهلكين الصغار وتغض الطرف( او تعجز )عن المسك بالتجار الكبار
4- تساهل القضاء مع هذا النوع من الجريمة التي عادة ما تكون عقوبتها الحبس الموقوف التنفيذ او اشهر لا يتمها الجاني عادة ،حيث يستفيد من العفو ، ناهيك عن الرشوة والمحسوبية والوساطة .
5- الفقر والهشاشة والجهل والأمية والبطالة والتوزيع غير العادل للثروة .
6- التفكك الأسري والهجرة القروية والبناء العشوائي،وعجز الاباء عن التوجيه السليم لابنائهم اما بسبب الجهل او الفقر او بسبب السياق العام التي تنحرف فيه الدولة.
7- وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والإعلام بشكل عام ، والذي لعب دورا أساسيا في انتشار الظاهرة وتعميمها والقيام بنوع من الدعاية لها.
8- السياسة العامة للدولة فالتشرميل هو نتيجة ، والكل فيه ضحية..ضحية مجتمع ينزل كل يوم الى القاع اكثر..مجتمع مشوه ، خائف ، ضائع بين ما يعيشه ، ما يسمعه وما يراه
لا بد من الاشارة الى ان "التشرميل" سلوك انطلق من ملاعِب كرة القدم، حيث حرية الهتاف والتشجيع الذي يصل إلى التلاسُن والإشتباك وما يصاحب ذلك من تخريب لتجهيزات الملاعب ، خاصة بعد التغاضي عن إدخال السيوف والأسلحة البيضاء الأخرى إلى الملاعب، مما نمّى ثقافة ويخرج الفِتيان من الملعب بجُرعة شجاعة زائدة، يمارسون من خلالها كل أنواع "التخريب"،سواء انتصر فريقهم المفضل او انهزم فالتخريب ابلغ تعبير عن المشاعر.
الظاهرة وصلت الى مستوى قد تحرق الجميع بمن فيهم من شجعوها او عملوا على ازهارها ، مما يحتم العمل على ايقافها بالصرامة اللازمة وبسن سياسة مجتمعية تستهدف اسباب انتشارها ، وقد قيل : (إذا أردت أن تقضي على الباعوض عليك بتجفيف المستنقعات ).
ملحوظة : "إن تعبير "تشرميل" مُستنبَط من المطبخ المغربي، وهي عملية إضافة الملح والبهارات والزيت بداخل وخارج السّمك أو الدجاج ، حيث أن الفتى يقوم بتوقيف ضحيته وتفتيشه بدِقّة والاستيلاء على كل ما يملِكه ، ويتركه ( يتقلى ) في غصته واحيانا في ذمه
-. "التشرميل"، مصطلح مغربي جديد يُقصد به اعتراض مسلّحين بالسيوف وأسلحة بيضاء متنوِّعة لمواطنين والاستيلاء على ما يملكونه
الرئيسية / كتاب البديل / أسباب آفة التشرميل بالمغرب .. عوامل اجتماعية واقتصادية .. أم لها خلفيات سياسية ؟؟..