الآن.. وبعد أن تولى دونالد ترامب مهامه رسميا كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، بدأت التكهنات تتصاعد في أماكن عديدة من العالم، حول السياسات الخارجية التي سيتبعها، سواء كانت تجاه الصين، او كوريا الشمالية، او روسيا، وبالطبع قضايا الشرق الأوسط وحروبها المتعددة، مثل الحرب في أفغانستان، او تلك المشتعلة في سورية، والثالثة في اليمن، والصراع العربي الإسرائيلي.
الدكتور عبد المنعم سعيد، الباحث المصري المتخصص في الشؤون السياسية الأمريكية بحكم الدراسة والإقامة، كان من السباقين إلى تحذير حكومة بلاده مصر، من تعليق آمال عريضة على الرئيس الأمريكي الجديد وإدارته، وطالب دول الخليج أن تؤهل نفسها، وان تتأقلم مع التغيير الكبير في السياسة الامريكية في الشرق الأوسط، ومن ابرزها ما توعد به الرئيس ترامب اثناء حملاته الانتخابية بانه لن تكون هناك حماية أمريكية مجانية لهذه الدول بعد اليوم.
وللانصاف فإن “حقوق نشر” هذا المنحى يجب ان تُعطى للرئيس “السابق” باراك أوباما، الذي كان اول من وصف الدول الخليجية، والمملكة العربية السعودية على وجه التحديد بأنها تريد ركوبا مجانيا على ظهر الولايات المتحدة الامريكية، والاعتماد كليا على حمايتها، وخوض الحروب في المنطقة نيابة عنها، في حديثه المطول لمجلة “اتلانتيك”، الامر الذي دفع الأمير تركي الفيصل، رئيس المخابرات السعودي الأسبق، ووزير خارجية “الظل” حاليا، الى كتابة رد منفعل على الرئيس الأمريكي نشره في صحيفتين سعوديتين، واحدة باللغة الانجليزية (عرب نيوز)، وأخرى بالعربية (الشرق الأوسط)، اكد فيها ان بلاده ليست من بين الدول التي تركب الظهور مجانا، وأعاد تذكير الرئيس الأمريكي بالتحالف المثمر بين البلدين على مدى ثمانين عاما، والخدمات التي قدمتها السعودية للولايات المتحدة في المجالات كافة، وعلى رأسها محاربة الإرهاب، وبما في ذلك تقديم معلومات منعت وقوع عدة هجمات داخل الولايات المتحدة.
النقطة الغامضة التي تحتاج توضيحا تتعلق، في رأي هذه الصحيفة “راي اليوم”، بطبيعة العلاقات المصرية الامريكية في عهد الرئيس الأمريكي الجديد، وفترته الرئاسية الأولى التي ستمتد الى اربع سنوات، فالرئيس عبد الفتاح السيسي، والدائرة الاستشارية الضيقة التي تحيط به، يعتقدون جميعا ان نقاط الالتقاء والتقارب بينهم والرئيس ترامب اكثر بكثير من نقاط الاختلاف، وابرزها العداء الذي يكنه الطرفان للاسلام السياسي، وحركة “الاخوان المسلمين” على وجه الخصوص، فإدارة الرئيس ترامب بدأت خطواتها لوضع الحركة التي اعتبرتها إدارة الرئيس أوباما “معتدلة”، وايدت وصولها الى السلطة بعد الثورة المصرية، على “قائمة الإرهاب”، كما ان اللقاء الذي تم على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بين الرئيس المصري والمرشح الجمهوري ترامب في حينها، كان إيجابيا، حسب التسريبات المصرية، وتأكدت هذه التسريبات عندما هاتف “المرشح الفائز″ ترامب الرئيس المصري مطالبا بسحب مشروع قرار أعدته بلاده من مجلس الامن يدين الاستيطان الإسرائيلي ويطالب بوقفه فورا، وكان له ما أراد، ولا نعرف الصيغة التي اتبعها ترامب اثناء هذه المكالمة، فهل كانت ترغيبا ام تهديدا؟
مسارعة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الى مهاتفة ترامب في البيت الأبيض اليوم (الاحد) ليسجل انه اول رئيس وزراء اقدم على هذه الخطوة، توحي برغبة إسرائيلية في الهيمنة على الرجل، ورسم خطوط سياساته في المنطقة، وكأنه بحاجة الى هذا التدخل، فالرجل جعل من نقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة على قمة أولويات ادارته، وعين (ديفيد فريدمان) الذي يعتبر اكثر تطرفا من نتنياهو نفسه سفيرا لبلاده فيها.
ترامب تاجر، وسمسار عقاري أيضا، اصبح رئيسا للقوة الأعظم في العالم، والطبع يغلب التطبع، ولذلك يجب التعاطي معه على هذا الأساس، أي ان القيم والمعايير الخلقية لا تحتل مرتبة عالية على سلم أولويات ادارته وطريقة تعاملها مع القضايا العالمية، والشرق أوسطية على وجه الخصوص.
العرب ضعفاء ومنقسمون، ولا يملكون أي أوراق ضغط قوية على الرئيس الجديد، ولا نبالغ اذا قلنا ان معظمهم يرتعد خوفا منه، ولذلك يتوقعون الأسوأ، على عكس خصومهم في طهران مثلا، الذين هددوا بالبدء في تخصيب اليورانيوم فورا في حال نفذ ترامب تهديداته بإلغاء الاتفاق النووي.
لا يوجد يورانيوم عند العرب، ولا أجهزة طرد مركزي لتخصيبه حتى لو وجد، ونفطهم تتآكل أهميته العالمية، وتتآكل معه ارصدتهم المالية، وتتحلل جيوشهم، الواحد تلو الآخر، انه وضع مأساوي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، والمؤلم اكثر عدم وجود أي نقاش حقيقي لمعرفة أسباب وصولنا الى هذا الوضع، وتحديد المسؤول عنه بشفافية وشجاعة.
فعندما تحذر طالبان ترامب وتطالبه بسحب قواته من أفغانستان، وتهدد ايران بالتخصيب، ويصمت العرب خوفا ورعبا، فإن هذا يلخص المشهد العربي بكل سيئاته دون أي رتوش.