اقلام حرة

أيها القاتل كفاك سفكا بأحبائنا

لن أتكلم اليوم على نتنياهو و لا على بشار , لا على هيتلر و لا على موسوليني, فطريقة السفك عند هؤلاء تختلف عن طريقة هذا المجرم الذي ليس له ملة و لا دين و لا وطن , لا يجتاز إلى جواز و لا إلى تأشيرة و لا حتى إلى بطاقة سفر , لا يفرق بين الطفل و العجوز بين المرآة و الرجل ’ بين الفقير و الغني , قبل عقود كان يقتل بدون أن يتعرف عليه أحد أما اليوم فقد كشف وجهه وأصبح يتحدى الجميع بوجه مكشوف بعد أن شخصته فرق مسرح الجريمة , تقاومه الضحية ليوم , لسنة و ربما لسنوات لكنه لا يستسلم فيراجع الفتك بل و يشتد و يشتد , يصيح الضحية من الألم و تتقطع معه قلوب أحبته و لايستطيعون له تهدئة .
تعددت أسماءه فمنهم من سماه السرطان و من سماه المرض الخبيث و من من سماه المرض الفتاك , و كان أول تشخيص له من طرف أبقراط -(460 _ 370 قبل الميلاد) والذي وصف عدة أنواع من السرطان , في إشارة لهم CARCINOS أي سرطان البحر او جراد البحر , و استمر البحث العلمي في مجهوده منذ ذلك الحين عبر مجموعة من الأطباء و العلماء منهم على سبيل الذكر لا الحصر جالينوس في القرن الثاني الميلادي و البروفيسور الألماني ويليام فابري في القرن 16 م و تيودور بوفري و بعدهم في ماري كوري و بيير كوري مكتشفي العلاج بالإشعاع و أعطت بذلك أول علامات نهج متعدد التخصصات لعلاج أورام السرطان.
و بقدر ما استمر العلم في محاربة هذا الفتاك –حيث استثمرت الولايات المتحدة وحدها أكثر من 200 مليار دولا ر – بقدر ما اتسع شعاع تأثيره ليضم جميع أعضاء الجسم من ثدي و رحم عند المرأة و كبد و رئتين و قولون و معدة و حنجرة و أمعاء …عند الجنسين و ازداد عدد المصابين به بشكل مهول خاصة في السنوات الأخيرة .
لم لأتمالك نفسي و ان أنظر لشاب أحبه المغاربة , أضحكهم لسنوات , لم أتمالك دموعي فقد رأيت فيه شريطا طويلا من أقرباء و أصدقاء فتك بهم هذا المرض ,أخي الذي صام معي السنة الأخيرة و هو يعالج بالعاصمة ,أتذكر ألمه أتذكر فقدان شهيته , أتذكر انطواءه و هو الذي كان يحب النقاش و يحب الصحبة أتذكر و أتذكر ..و أتذكر يوم زف له الأطباء خبر شفاءه تماما لكن ما لبت أن استرجع قواه هذا العدو الخبيث , تكوتا الذي زارته ميدي 1 تيفي و أهدته عمرة هو فقط نموذج لكل شاب تسلط عليه هذا الخبيث ,فاليوم في كل أسرة , في كل حي نسمع بفتكه أكثر فأكثر , من شجعه؟ من فتح له الأبواب ؟من ساهم في انتشاره ؟ لنرجع إلى قول الله تعالى في سورة الروم” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ” صدق الله العظيم ,إن التغيير الذي حصل في الطبيعة في هذه الخمسينية الأخيرة بفعل الإنسان و بفعل “التقدم التكنولوجي”أو بالأحرى البيوتيكنولوجي الذي كان هدفه هو الرفع من الإنتاجية بغض النظر على الجودة و تجلى ذلك في التغيير الجيني الذي أدخل على النباتات و الحيوانات على حد سواء من اجل الرفع من المر دودية الإنتاجية دون احترام للنضج و النمو الطبيعي لمختلف الأصناف النباتية و الحيوانية و ما رافقه من جهل تام عند المنتج من قواعد استعمال الأدوية و الأسمدة و المبيدات و عدم احترام المقادير ومدة الانتظار قبل بيعها للمستهلك , كل هذا وغيره أثر بشكل كبير على الصحة العامة حيث أن الأثر التجمعي لمجموعة من المواد السامة يظهر في أوقات متفرقة من سن الإنسان حسب الظروف النفسية و حسب مناعة الجسم .
و تقدر الإحصاءات أن 50 في المائة من الرجال و 35 في المائة من النساء معرضون للإصابة بهذا الداء و أن عدد حالات الوفيات به تجاوزت 8 ملايين سنة 2012 , حسب منظمة الصحة العالمية التي تعزو أسبابه في تغيير سلوكيات الأكل , و غياب الحركية ,و استعمال السجائر و الكحول ..و يعاني المصابون في المغرب من هذا الداء في صمت و بألم و أمل , حيث أن شح المراكز العلاجية حتى وقت قريب , زاد من معانات المرضى الذين يتكبدون عناء التنقل إلى المراكز المتخصصة في كل من الدار البيضاء,الرباط, فاس ,مراكش,الحسيمة و طنجة ..مصحوبين بمرافيقهم الذين يبيتون خارج المستشفيات, فغلاء الأدوية بالنسبة لغير المتوفرين على التغطية الصحية و عدم إدراج بعض الفحوصات الحديثة في التغطية و التأخر في الحصول على موافقة التعاضديات بالنسبة للموظفين و المستخدمين و النقص في الأطر المتخصصة يصعب من ظروف العلاج و يزيد من ألم المريض و عائلته , أما الأطفال , فبالرغم من النتائج الإيجابية العلمية التي وصل إليها البحث و التي رفعت إمكانية العلاج إلى أكثر من 50 في المائة , فإن المعانات الإنسانية لا تطاق و تنم عن خلل مجتمعي : فعندما ينفصل الأزواج بسبب مرض طفلهم ,و عندما تغيب الأسرة عن زيارة طفلها بسبب الانشغال , أو تركه لعدم القدرة على مسايرة نفقات العلاج , معانات لا نريد إدراج المزيد منها لأن الجسم يتقزز من سماعها فنتساءل هل نحن من بين هذه الأمة التي قال فيها الرسول صلى الله عليه و سلم (( مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى )) , أين نحن من قول رسول الله عندما يطلق الرجل زوجته التي أفنت معه حياتها و يتزوج بأخرى لأنها أصيبت كما يقول بالمرض “الخايب” , فلا شيء أجبن و”أخيب”و أقبح من عملك.
.لا يفوتني أن أوجه التحية و التقدير لجمعية المستقبل التي قامت بالكثير من أجل إسعاد أطفالنا المصابين بهذا الداء و التخفيف من معاناتهم و نتمنى آن يخرج فقهاءنا بجواز إخراج الزكاة لمثل هذه الجمعيات , و أيضا ما قامت به جمعية للاسلمى للمرض لمحاربة داء السرطان و على الدينامية التي خلقتها في السنين الأخيرة في فتح مراكز للقرب و في التطور العلمي و في التقليل من معانات المرضى و ذويهم, الشكر موصول أيضا لمجموعة من جمعيات المجتمع المدني التي تعمل إما في توفير المساهمات المادية للمرضى , أو تساهم في مواكبة و تنشيط محيط المرضى .
جزاهم الله جميعا و جعل عملهم في ميزان حسناتهم و نرجو من العزيز القدير في هذا الشهر العظيم أن يشفي كل مريض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى