يعد إقليم بن سليمان من الأقاليم التي طالها التهميش والإقصاء لسنين عدة. رغم كونه عمالة مند 19755، ورغم موقعه الاستراتيجي الممتاز اذ يقع بين العاصمتين الادارية والاقتصادية ، فإنه لا زال يعد من المغرب غير النافع ،إذ يفتقد لأبسط مرافق العيش الكريم..وسكانه الذين يقدرون بحوالي 200 الف نسمة اعتادوا على المعاناة ، وتعايشوا مع الأوضاع المزرية في هذا الاقليم ،فجميع الجماعات التابعة له الحضرية منها والقروية مهمشة ،وتعيش خارج كل مخططات التنمية التي يعرفها المغرب ، مما جعل البطالة هي القاسم المشترك بين ابنائه سواء كانوا من ذوي السواعد او الشهادات ، إضافة الى مختلف مظاهر التهميش والهشاشة التي تؤطر كل مناحي الحياة به، الأمر الذي يستدعي ضرورة طرح أسئلة عريضة من قبيل: لماذا لم يستفد الاقليم من إمكانات الدولة في إنجاز أوراش تنموية حقيقة مثل بقية الاقاليم ؟ ومن المسؤول عن هذه الوضعية ؟ وماهي الفرص الممكنة للنهوض بالتنمية المحلية بالاقليم ؟
والقادم الى عاصمة الاقليم التي يقال عنها بأنها (فيشي ) المغرب ، وتحمل لقب المدينة الخضراء ( منين) واعتبرها الراحل الحسن الثاني متنفسا لمدينتي الرباط والدار البيضاء ..سيصدم بل يسائل نفسه هل هذه مدينة بنسليمان ، ويشك في أنه اخطأ الطريق ودخل الى مدينة في دور التمدن ، إذ تفتقد المدينة إلى أي مظهر من مظاهر التمدن ، فطاهرة (الترييف) البداوة تلقي بظلالها على كل ارجاء المدينة ، بما فيها ما كان يسمى بشارع (المكيجة) مما جعلها مدينة شبه حضرية تتعايش فيها مختلف أنماط العيش القروي ،وتنتشر فيها مظاهر العشوائية في كل أحياءها السكنية وشوارعها وأزقتها ، التي تحولت إلى مستعمرات في أيادي محتلي الملك العمومي ، وباعة مواد البناء، والباعة المتجولين وأصحاب الشاحنات الكبيرة الحجم والعربات المجرورة بالدواب والكوتشيات التي عادة ما يسوقها مراهقون متهورون…. وكتب علي هذه المدينة أن تتحول إلى جوطيات واسطبلات ومواقف للشاحنات والرافعات وهياكل السيارات.. ..واسواق عشوائية طيلة الاسبوع تقريبا والتي تقام في الأحياء السكنية بل وحتى في الشوارع الرئيسية التي تغلق أمام حركة السير ، كمدخل حي السلام ومداخل الحي المحمدي ومدخل الحي الحسني ، ناهيك عن مخلفات هذه الاسواق من اكوام الازبال والروائح الكريهة ..
ومن مظاهر البداوة في المدينة –الخضراء- اضافة الى ما يسمى بالسوق المركزي وسوق السمك ، أن المدينة – كاستثناء بين المدن – لا تتوفر على محطة لنقل المسافرين الشيء الذي يخلق فوضى في الطرقات التي تحولت كلها الى محطات ناهيك عن معاناة الركاب الذين لا يعرفون الى اي جهة توجد سيارات الجهة التي يقصدها ، هذا مع العلم أن أغلب الساكنة مرغمة على ركوب سيارات الأجرة ، لأنها أرخص في النقل خاصة نحو مدينة المحمدية لأن راكب الحافلة يفرض عليه النزول في مدخل مدينة المحمدية ارضاء لأصاب سيارات أجرة هذه المدينة مما يفرض على المسافر استعمال سيارة الاجرة الصغيرة للدخول الى وسط مدينة المحمدية وكذا للخروج منها لاستعمال الحافلة في الرجوع الى بنسليمان
والاكثر غرابة مما سبق هو ان المدينة تتوفر على منطقة شاسعة اسمها ( منطقة الانشطة الاقتصادية ) والتي مر على ميلادها اكثر من 18 سنة وهي الى الآن خالية على عروشها ولا تعرف أي نشاط يذكر سوى نشاط رعي الحيوانات ، والسبب هو ما يسمى بدفتر التحملات الخاص بهذه المنطقة والتي لا يستطيع أحد الالتزام به مما جعل العديد من أصحاب المشاريع الاقتصادية يعدلون عن الاستثمار في هذه المنطقة . ولم يقو احد على تعديل هذا الكتاب المقدس المسمى دفتر التحملات رغم علم الجميع انه السب في عدم تنشيط المنطقة ، والتي بالمناسبة لا زالت تفتقر حتى الى الكهرباء الكافية لاشتغال الآلات الصناعية ، كما أن هذا الدفتر يفرض على كل مستثمر أن ينهي بناء الطابقين الأول والثاني قبل الترخيص له بفتح مشروع في الطابق الأرضي .هذا مع العلم ان الطوابق يمنع دفتر التحملات استعمالها للسكن ، كما أن الدفتر نفسه يمنع على اصحاب البقع بيعها لمن يرغب في الاستثمار فيها . هذا في الوقت الذي يعاني الشباب في هذه المدينة من البطالة والضياع . والمشروع الوحيد الذي يزدهر في المدينة هو المقهى لدرجة أصبح بين مقهى ومقهى مقهى آخر ، أما المرافق النوعية التي من شأنها أن تضمن لها إشعاعا على مستوى المجال الذي تؤطره كعاصمة للإقليم من قبيل كلية أو جامعة أو مستشفى جامعي أو مناطق صناعية، فهي من الاحلام البعيدة التحقيق
هذه قراءة متواضعة للمشهد التنموي بمدينة بنسليمان، كتبت بنفسية قلقة على الوضع العام بالمدينة خاصة وبالاقليم عامة ، في محاول للفت الانظار من اجل تظافر جهود الجميع لعلاج ما يمكن من معضلات هذا الاقليم .