سيدي : ألتمس منكم سيدي قراءة رسالتي بإمعان، وتأكدوا أنه لا يهمني أن يكون للحكومة، رئيسا اسمه زيدا ولا عمر، ولا أن يكون منتميا لحزب يميني أو يساري أو وسطي أو حتى تكنوقراط. بقدر ما يهمني أن يسير قطار التنمية فوق سكته الصحيحة. وبقدر ما يهمني أن يكون للمغرب سلطة رابعة بمفهوم جديد، تمتع بحقوقها وتقوم بواجباتها. ومجتمعا فاعلا لا ينتمي إلى فئة (المغفلين الذين لا يحميهم القانون).
سيدي : ألا تعلمون أن ممثلي المنابر الإعلامية أصبحوا ممنوعين من تغطية أشغال الدورات العادية والاستثنائية العلنية لكل مجالس المنتخبين محليا وإقليميا وجهويا. وأنه ضدا لكل ما جاء به دستور 2011، وكل الدساتير التي سبقته، صادقت مجالس الجماعات المحلية والمجالس الإقليمية والجهوية ومجالس العمالات، على قرار يقضي بالمنع الكلي على العموم، تصوير وتسجيل أشغال تلك الجلسات، إلا بعد موافقة رؤساء تلك المجالس وأغلبية أعضاءها.
سيدي الرئيس: أيعقل أن تبادر تلك المجالس المنتخبة، وفي أول دورة عادية لها، إلى إقصاء السلطة الرابعة ودورها في تنوير الرأي العام. وأن تصادق على قانون داخلي منزل، يحتوي على مادة غامضة، تضرب مبدأ علنية تلك الدورات عرض الحائط. وتحول المراسلين والصحافيين الذي سيحضرون جلساتها العلنية إلى مجرد أجساد هامدة تدفئ قاعات تلك الجلسات. مبادرتهم التي اعتبروها إنجازا تاريخيا لهم، جعلت الفاسدين منهم يتنفسون الصعداء، لأن شطحاتهم وخزعبلاتهم وتجاوزاتهم لن تنقل ولن تصور للعموم. ويتعلق الأمر بالمادة رقم 43 التي تنص : يمكن استعمال الوسائل السمعية البصرية لنقل وتسجيل وتصوير المداولات العلنية للمجلس وذلك بطلب من رئيس المجلس وبعد موافقة أغلبية أعضاء المجلس. ويمنع منعا كليا على العموم تصوير وتسجيل أشغال الجلسات بأية وسيلة من الوسائل).
سيدي الرئيس: إن هذا المنع الذي مس الجسم الصحفي وفعاليات المجتمع التي تسعون أو (كما تدعون) إلى جعله شريكا لكم. يعتبر تجاوزا خطيرا ومسا بالحقوق الواجبة والمفروضة في الحصول على المعلومة. والتي لا يمكن المساومة عليها ولا التفاوض من أجلها. فكيف يمكن للرأي العام أن يعرف ما يروج ويدور داخل تلك الدورات، إن لم تكن هناك صحافة نزيهة تنقل الأشغال بدقة وشفافية ، إما عن طريق الصورة أو التسجيل الصوتي أو شرائط الفيديو، والتي تعتبر في حد ذاتها أدلة وقرائن، يحتاجها المراسل والصحفي، في مواجهة كل المغالطات أو الدعاوي القضائية. وكيف يمكن حرمان فعاليات المجتمع المدني من حقها في التسجيل والتصوير ما دامت تنشط وفق القوانين المعمول بها، ولا تشكل أي إزعاج أو عرقلة لأشغال الدورات.
سيدي الرئيس: إن الألم لكبير، وإن الفاجعة لأعظم بعد أن تبين أن تلك المادة 43 تتواجد بكل القوانين الداخلية لكل المجالس المنتخبة. وبعد أن تبين أن المبادرة تمت بتزكية من قسم الجماعات المحلية بوزارة الداخلية، الجهة التي وزعت على تلك المجالس بكل مدن وقرى المغرب، مشروع قانون داخلي. وطبعا المادة 43. والتي تقبلها المنتخبون بفرح وسعادة، واعتبروها المضلة الواقية من وسائل عمل الصحافيين والمراسلين (كاميرات وأجهزة التسجيل والتصوير…). فكيف يعقل أن تبادر وزارة الداخلية إلى تشجيع المنتخبين من أجل تخلصهم من المراقبة الصحفية اللصيقة. علما أن لكل مجلس جماعي أو جهوي أو إقليمي الحق في أن يعد قانونه الداخلي بعيدا عن سياسية (كوبي كولي)، وفي إطار قانون البلاد، وخصوصا إن كانت الجهة المخترعة هي وزارة الداخلية.
سيدي الرئيس: أراسلك، لأطلب توضيحا دقيقا، بخصوص هذا القرار الذي منع الصحافيين والمراسلين من أداء واجباتهم المهنية. وأسألك وباستغراب كيف تكون الدورة علنية، إن لم تنقل إلى عموم الناس. ونحن نطمح إلى إحداث قنوات تلفزيونية محلية وجهوية، تساعد في انتشار المعلومة الصحيحة، وذلك بتغطية أشغال الدورات، كما يتم تغطية أشغال جلسات البرلمان بغرفتيه. فهل أصبحت للمنتخبين الجماعيين والإقليميين والجهويين (حصانة) من الإعلام والصحافة.
سيدي الرئيس: إن معنى (العلنية) واضح وصريح، ولا يحتاج إلى الاحتيال عليه بفرض قوانين تعتبر فوق دستور البلاد. إن ربط التغطية الصحفية لأشغال الدورات العلنية بموافقة رئيس المجلس و أغلبية أعضاء مجلسه، له معنى واحد ووحيد. وهو أن على المنابر الإعلامية أن تكون موالية للرئيس وحاشيته، إن هي أرادت الحصول على التغطية الصحفية. وأن على الصحفي أو المراسل أن يكون بوقا للرئيس إن هو أراد الانفراد بالتغطية. وطبعا فإن الصحافة الجادة والنزيهة، أصبحت ممنوعة من أداء مهامها. حتى إشعار آخر.
سيدي الرئيس: كنت آمل أن تحظى صاحبة الجلالة بعناية خاصة من طرفكم، وأن يكون سعيك اللفظي (كما تدعي)، لتحقيق نهضة ورقي السلطة الرابعة، له ما يجسده على أرض الواقع، لكي نحصل على مفهوم جديد لهذه السلطة، التي تحولت مع هذا القرار المجحف إلى (سلطة بفتح السين واللام)، يتلذذ بها المنتخبون في كل وجباتهم اليومية. ومع تأخر إصدار قانون الصحافة، هذا المشروع الذي بدا وكأنه سيضاف إلى قصص ألف ليلة وليلة. وأن مخاضه الغامض وولادته المتعسرة، قد تنتهي بإنجاب مولود معاق أو مشوه.
سيدي الرئيس: ألا ترى أن حضور ممثلي المنابر الإعلامية لأشغال تلك الدورات، لازم ومؤكد، سواء كانت تلك الدورات علنية أو سرية؟ وأن على رؤساء المجالس أن يوفروا لهم الأجواء التي سمح لهم بأداء واجباتهم المهنية على أكمل وجه. في التسجيل والتصوير …والكراسي والمكاتب عن أمكن…طبعا في إطار قانون البلاد، وليس قانون المنتخبين وقسم الجماعات المحلية. أين هو الضرر في حضور الصحافيين وإنجاز تغطياتهم الصحفية المهنية بكل موضوعية، إن لم تكن هناك فئة من المنتخبين فاسدة، تود المناقشة في أمور سرية لا علاقة بتدبير الشأن المحلي.
سيدي الرئيس : سأختم رسالتي إليكم بالتطرق إلى الأسلوب الطريف إلى درجة الإحباط، الذي ستجده كذلك بعد قراءتك بإمعان لمحتوى المادة رقم 43. تخيلوا سيدي رئيس الحكومة أن على الصحفي أو المراسل أن يتقدم بطلب في الموضوع إلى رئيس المجلس. وهذا الأخير يعرضه على كل أعضاء المجلس. وينتظر الموافقة من أغلبية أعضاء المجلس (وفق ما هو مكتوب). وليس من أغلبية الحضور خلال تلك الدورة. وهذا يعني أن على الصحفي أن يصلي من أجل أن يحضر كل أعضاء المجلس، تم التصويت لفائدته. تخيل معي سيدي كم مصباحا سيكون قد انطفأ في انتظار الخروج بتزكية هؤلاء الشر… فاء.