إذا كان التقرير الأخير للبنك الدولي قد صنف المغرب متخلفا في مجال التنمية بأكثر من نصف قرن فإن إقليم بنسليمان عموما وعاصمته خصوصا متأخرة عن جل مناطق المغرب بسنوات ضوئية. فالإقليم لم ير لحد اليوم شيئا مما سمي بالأوراش الكبرى من أجل التنمية . بل عرف الإقليم عامة والمدينة خاصة تدهورا أكبر على كل المستويات. فيكفي أن نتذكر أن المدينة كانت تسمى بالمدينة الخضراء . وأن الملك الراحل الحسن الثاني في إحدى خطبه أرادها أن تكون متنفسا لمدينتي الرباط والدار البيضاء بحكم موقعها الجغرافي وطبيعتها المتنوعة وهواءها النقي ، كما أن الفرنسيين كانوا يسمونها ( فيشي المغرب ).. غير أن كل شيء تبخر اليوم ، حتى الحدائق التي كانت تميز المدينة فقدت بريقها، وأصبحت مراع للدواب أو حولت إلى أماكن لرمي الأزبال أو أماكن آمنة للمتسكعين وفي أحسن الحالات حولت إلى أسواق عشوائية ،حتى ما كان يسمى بالكولف الملكي قبل أن يتحول اسمه إلى كولف بنسليمان تحول اليوم إلى تجزئة توازي ربع المدينة تحت مسمى (شمس المدينة ) بعد أن تم تفويته لأحد المحظوظين .مما جعل مختلف مظاهر التهميش والهشاشة والبداوة تلقي بظلالها الكئيبة على كل مناحي الحياة بالإقليم وعاصمته ، الأمر الذي يستدعي طرح أسئلة عريضة من قبيل: لماذا استفادت مجموعة من المدن من إمكانات الدولة في إنجاز أوراش تنموية حقيقة بينما بقي سؤال التنمية ببنسليمان مؤجلا إلى إشعار غير معروف ؟ من المسؤول عن هذه الوضعية ؟ و ما هي الفرص الممكنة للنهوض بورش التنمية المحلية بالمدينة ؟ لا بد في البداية من الإقرار بأن إنجاز التنمية المحلية مسؤولية تتقاسمها مجموعة من الأطراف وبدرجات مختلفة، حيث يسود تمثل لدى الرأي بأن المجلس الجماعي هو المسؤول الوحيد عن التنمية المحلية حضورا أو غيابا ، وهو أمر غير صحيح. دون أن ينفي ذلك مسؤوليته الكبيرة في إنجاز تنمية محلية مستدامة،. إن الوضعية المزرية الحالية لمدينة بنسليمان هي نتيجة حتمية لتضافر مجموعة من العوامل الظرفية والبنيوية منها:
1 ) حداثة المدينة : فبنسليمان من المدن الحديثة في المغرب ،إذ تعاني من ضعف في الموروث التاريخي ،(مدينة عتيقة – مآثر تاريخية – مراكمة قيم وتقاليد ترقى بها إلى مربع المدن الحضارية العريقة التي تتمتع بكل الشروط التي تؤهلها لأداء أدوارها الريادية على الصعيد الوطني.- استمرار ظاهرة الترييف بكل مظاهرها التي جعلتها مدينة شبه حضرية تتعايش فيها مختلف أنماط العيش القروي وتنتشر فيها مظاهر العشوائية ، سواء على مستوى الأنشطة من خلال الباعة الجائلين واستفحال الاقتصاد غير المهيكل واحتلال الملك العمومي والعشوائية في البناء والفوضى في السير والجولان وتسابق البهائم والسيارات والراجلين في طرقات المدينة ..هذا مع غياب أية مرافق نوعية تخلق لها إشعاعا من قبيل نواة جامعية أو كلية أو مركز استشفائي أو مناطق صناعية حقيقية.
2) غياب سياسات عمومية ناجعة: فالمؤكد أن غياب التنمية المحلية بالمدينة والإقليم ، ليس نتيجة عفوية بل هو فعل متعمد ، يسعى من خلاله صناع القرار السياسي إلى جعل مدينة الإقليم ضمن المناطق التي من خلالها يتم ترتيب الخريطة الانتخابية على الصعيد الوطني أو الجهوي ،بتشجيع الهشاشة لتوزيع دائرة العزوف الانتخابي من جهة ، وتسهيل استمالة شريحة انتخابية بالمال أو التخويف أو بالمصالح أو القبيلة ، مما يسهل عملية التصرف في نتائج الاستحقاقات لصالح هذه الجهة أو تلك ضمن استراتيجية لضمان الخريطة الانتخابية المرغوب إقليميا أو جهويا أو وطنيا .وبنسليمان ضرب الرقم القياسي وطنيا في الطعون الانتخابية بل وإعادة الانتخابات التي أصبحت عادة في الإقليم من ثمانينات القرن الماضي إلى اليوم.
3 ) أزمة النخب المحلية: إن الجزء الأكبر من عدم نجاعة (المنتخبين) بالمدينة والإقليم منذ رفع حالة الاستثناء إلى اليوم ، هو غياب النخب المحلية القادرة على مباشرة مهام المنتخب من موقع الفعالية والنجاعة والعطاء، والقدرة الاقتراحية والمتابعة والتواصل مع الساكنة ، مع تسجيل استثناءات قليلة طبعا . هذا الفراغ ترك الفرصة لنوع من المنتخبين الذين يعتبرون العمل السياسي عموما والعمل الجماعي خصوصا مجالا للريع وتبادل المنافع،. كما أن أغلب الأحزاب السياسية بالمدينة لا تمارس أي نشاط تأطيري أو سياسي أو تكويني على مدار السنة ، فأغلب مقرات الاحزاب السياسية، لا تفتح أبوابها إلا مع كل بداية كل استحقاق انتخابي وتغلقها بمجرد الإعلان عن النتائج ، بل لا يظهر لها ودود إلا في موسم الانتخابات حيث تتحول إلى مقاولات انتخابية تشتغل بمنح/ أو بيع التزكيات لمن يدفع أكثر،. وهذا ما يفرز نخبا محلية فاقدة للمصداقية وللشرعية النضالية والأخلاقية والنزاهة الفكرية، ومما يكرس رداءة الحياة الحزبية بالمدينة تغيير عدد من المنتخبين أو المرشحين لانتماءاتهم الحزبية عند كل استحقاق. ما يكرس لدى المواطن /الناخب فكرة أن هؤلاء الناخبين إنما تحركهم مصالحهم الذاتية لا غير. وأنه لا اعتبار للهوية السياسية للمرشح مما يكرس مزيدًا من تبخيس العملية السياسية عموما.
4 ) غياب مجتمع مدني حقيقي : لعل أحد الديناميات المهمة في التنمية المحلية حضور ان المجتمع المدني يعد قوة مهمة تدافع وتقترح وتشارك في تحقيق الجودة في الحياة. لكن في بنسليمان نجد الجزء الأكبر المحسوب على المجتمع المدني يقتات من الدعم بقدر تطبيله للمسؤولين في غياب كلي لأنشطة ذات عائد تنموي ، بل يكفيها للحصول على مزيد من الدعم والدفع بها إلى الواجهة في كل المناسبات الفلكلورية، التطبيل للمنجزات الوهمية و إكالة المدح والتنويه لذوي النفوذ ، ثم التشويش على الجمعيات الجادة بكل الوسائل وتوظيف مواقع إعلامية محلية تشتغل تحت الطلب من أجل ذلك.
5 ) انتظارية السلطتين الإقليمية والمحلية: يسجل على المستوى التنموي بالمدينة انتظارية غير مبررة في معالجة مجموعة من القضايا التي تقع تحت دائرة اختصاص هاتين السلطتين، لعل نموذج التعامل مع ملف احتلال الملك العمومي بالمدينة صورة واضحة في هذا المضمار، مما حول المدينة إلى سوق أسبوعي يومي بسبب انتشار الباعة الجائلين، وأيضا الفوضى العارمة في مجال السير والجولان بالمدينة ( سنعود إليه في حلقة خاصة ) مشكل ما يسمى بمنطقة الأنشطة الاقتصادية . السوق القديم …وخير مثال على ( الغياب ) حفرة مسحورة توجد بجانب النافورة الكبيرة قرب الشلال وحديقة الحسن الثاني وفي ملتقى أكبر شارعين في المدينة ( شارع الحسن الثاني وشارع الجيش الملكي )وفي مدخل ساحة الشلال حيث تقام مهرجانات للرقص والغناء ومعارض للسيارات وأنشطة شبه أسبوعية لسباق الدراجات أو العدو الريفي …هذه الحفرة المسحورة لم يستطع أحد إيجاد حل لها سوى وضع علامات الأشغال وتشوير الحفرة منذ أزيد من ثلاث سنوات . هذه بعض مستويات المسؤولية في تفسير أسباب غياب التنمية المحلية عن المدينة، وكل المعطيات المتوفرة حاليا تنبئ أن أفق الانفراج في التنمية المحلية بالمدينة لا يبدو قريبا. وهذه محاولة لفت أنظار الجميع لرفع التهميش عن الإقليم وعاصمته.