من المسلمات لدى جميع شعوب العالم اعتبار التعليم الركيزة الأساسية لكل تقدم منشود إذ لا يمكن الحديث عن تقدم في مجتمع ما دون النظر إلى مستوى التعليم به ، هذا القطاع الحيوي لا تقوم له قائمة ما لم توفر له دعائم أساسية ثلاث هي :
- مادة اشتغال جيدة والتي تعني المناهج والبرامج الجيدة والمناسبة للمستقبل التي نطمح إليه
- المناخ المناسب للبناء من خلال توفير كل البنيات الضرورية لتنشئة الأجيال في ظروف مريحة
3 – البناة المهرة الذين تقوم على أكتافهم عملية البناء .فلابد من توفير العدد الكافي من الأطر التربوية المؤهلة وتوفير كل الظروف المادية والمعنوية التي تجعلهم يصرفون كل جهودهم للمهمة النبلية التي انتدبوا اليها وهي بناء الاجيال ووضع أسس قوية للمستقبل المنشود . واذا كان من الضروريات الاساسية لكل تعليم خلاق فهل تعليمنا يتوفر على الحد الادنى من هذه الضروريات ؟ اظن ان الواقع المر للقطاع والترتيب المذل الذي يحتله المغرب بين دول العالم في مجال التعليم يغني عن أي جواب كما ان العملية العبثية المسماة ب( مسلسل اصلاح التعليم ) والذي سئمت من سماعه الاجيال لدرجة ان كل تشدق بهذا الاصلاح اصبح يربط في المخيال الشعبي بضربة موجعة في ظهر هذا القطاع ، خصوصا وان الذين يعهد بالاصلاح المزعوم يكررون أنفسهم في كل (برنامج إصلاحي ) مع أن المنطق يقتضي إقصاء كل من تبث فشله ، أما تكليف نفس الأجهزة وأحيانا نفس الأشخاص للقيام بالأصلاح الذي فشلوا فيه فهو من قمم العبث ، التي تتضح من خلال فشل كل ( الاصلاحات) التي قيل بأن التعليم المغربي خضع لها منذ الاستقلال إلى اليوم والبالغ عددها 12 (إصلاحا ) وهي
اللجنة العليا للتعليم (1957م): المناداة باعتماد المبادئ الأربعة : (المغربة، التعريب، التوحيد، التعميم) لإرساء نظام تربوي وطني
اللجنة الملكية لإصلاح التعليم (1958) : الدعوة إلى إجبارية التعليم ومجانيته مع توحيد المناهج والبرامج
المجلس الأعلى للتعليم (1959م) : التأكيد على ضرورة مجانية التعليم وتعميمه
مناظرة المعمورة (14 أبريل 1964م) : الدعوة إلى ثوابت الإصلاح : المغربة، التعريب، التوحيد، التعميم
المخطط الثلاثي (1965م – 1967م): إلزامية التعريب في مرحلة الابتدائي
مناظرة أفران الأولى (1970م): تطوير التعليم العالي و الاهتمام بالتكوين المهني
مناظرة أفران الثانية (1980م): تقدم مسلسل التعريب ومغربة الأطر
اللجنة الوطنية للتعليم(1994) :محاولة تجاوز آثار التقويم الهيكلي على التعليم خلال ثمانينيات القرن الماضي و ذلك بالرفع من بنياته
اللجنة الملكية للتربية والتكوين (1999م): وضع أسس إصلاح التعليم: إلزامية التعليم، إدماج التعليم في المحيط
اللجنة الخاصة بالتربية و التكوين: (الميثاق الوطني للتربية والتكوين): (2000م): إصلاح المنظومة التعليمية بتغيير البرامج والمناهج: تعددية الكتب المدرسية، الاهتمام بتدريس اللغة الأمازيغية
المخطط الإستعجالي: (2009 – 2012م): زرع نفس جديد في مسلسل إصلاح المنظومة التربوية: اعتماد بيداغوجيا الكفايات والإدماج، محاربة الهذر المدرسي، تشجيع جمعيات دعم مدرسة النجاح
التدابير ذات الأولوية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي والرؤية الإستراتيجية لإصلاح التربية والتكوين للمجلس الأعلى للتربية والتكوين (2015م – 2030م) . كل تلك الإصلاحات فشلت في تدبيرها للمدرسة العمومية وكانت مجرد تبذير كبير للمال العام وضحك رسمي على الذقون . وإصرار على اجتثاث جذور أي تعليم ناجح ومتطور ومساعد على تطور المجمع . ولن اقف هنا على البنايات والتجهيزات والنقل المدرسي والداخليات والمكتبات والأدوات الديداكتيكية . ولا عن المناهج من حيث نوعها وكمها ومضامينها وعلاقتها بما يتطلبه المستقبل . بل سأتوقف فقط اليوم عند محرك العملية التعليمية الذي بدونه لن تتحرك عجلة التعليم ، فهو اليوم يعد اضعف حلقة في المجتمع المغربي والمشجب الذي يحاول الجميع تعليق كل ناقصة فيه . مع العلم ان الاستاذ هو الموظف الوحيد الذي يؤدي واجبه وهو واقف امامه اعداد كبيرة قد تصل الى 60 تلميذا بعقليات مختلفة بينما بقية الموظفين يجلسون والمواطن صاحب الحاجة واقف. هو الموظف الوحيد الذي يشتري من ماله الخاص عدة العمل من محفظة وكتب وأقلام وأوراق بل وحتى الحاسوب في زمن مسار وهو من الموظفين القلائل الذين يشتغلون في البيت والمدرسة . وهو الموظف الذي لا يحق له الغياب لأنه مرتبط بالتلاميذ وآبائهم الذين سيفضحون غيابه واذا تغيب لسبب قاهر فهو يقوم بتعويض ساعات غيابه لإنهاء البرنامج السنوي والاستاذ هو المراقب من المفتش والمدير ودفتر النصوص والامتحانات ويحاسب على النتائج وهو الموظف الذي لا يتلقى أي تعويض لا عن التنقل ولا عن الهندام ولا عن الانتاج ولا عن الاعمال الشاقة …..هو وحده يتحمل مسؤولية عمله يعمل في الفيافي بدون ماء ولا كهرباء وعرضة للمنحرفين والكلاب الضالة ….بالمقابل لا يستفيد من أي تكوين حقيقي سواء في اللغات او في المعارف او المعلوميات او في السياسة والبيداغوجية وعلوم المراهق والطفل. ورغم كل هذا تجد البعض يحسد الاساتذة على استفادتهم من العطل الطويلة . هذا مع العلم ان العطل التي يستفيد منها الاستاذ هي الأقل مقارنة ببقية موظفي الدولة الذين يستفيدون كالأساتذة من العطل الرسمية والعطل السنوية ومن يوم السبت من كل أسبوع طيلة السنة أي ما يعادل 44 يوما في السنة وهو رقم اقل مما يستفيد منه الاستاذ في ما يعرف بالعطل البينية والتي عادة ما تكون خاصة بالندوات والاجتماعات . فهل يمكن بعد هذه التوضيحات ان نصدق ما يروج له المخزن من ان المدرس هو سبب فساد التعليم