العديد من المواطنين اليوم فقدوا ثقتهم في السياسة وفي الأحزاب السياسية التي يعتبرها عدد كبير من الشعب مجرد حوانيت تنفد من يملى عليها من فوق ، وهنا لابد من التأكيد أن الثقة التي تكسرت بين المواطن والأحزاب السياسية , تتحمل فيها الاحزاب جزءا من المسؤولية كما يتحمل المخزن وتاريخ الصراع بين القصر والاحزاب مسؤولية كبيرة. وهذا واضح جدا , فالمخزن يؤمن انه إذ كلما نجح في تكسير الثقة بين الأحزاب وبين المواطنين كلما قلص من فعالياتها , مما يسهل عليه تدجينها . وبالتالي يظل مهيمنا على الساحة السياسية لمدة أطول .وفي كل ظرف يسارع النظام الى ابتكار الاساليب التي تمكنه من تلجيم الأحزاب , من هذه الاساليب : 1-التشويش على العمل الحزبي بخلق أحزاب إدارية ودعمها والدفع بها لتتولى المراتب الاولى في العملية السياسية , 2- دس عناصر فاسدة داخل الأحزاب المعارضة لتشويه سمعتها والتجسس عليها وتوجيهها ,3- شراء بعض القيادات بالمال والمناصب , أو خلق قيادات فاسدة ودعمها داخل الأحزاب المعارضة ' 4- وسائل الترهيب المتنوعة وأساليب القمع التعسفية التي تطال حريات الأشخاص وأجسادهم … إن ما يقال عن العمل المشترك بين القصر والاحزاب مجرد ادعاء ,. لان العمل المشترك يقتضي توازن القوى بين المتعاملين وليس سيطرة احدهما على الأخرى , وما دامت المؤسسة الملكية تمتلك السلطة السياسية الكاملة , فلن يكون ثمة معنى للسياسة أصلا , وليس فقط أزمة الأحزاب سياسية .
ان الوصول إلى السلطة من أجل تطبيق برامج الحزب هي غاية كل حزب سياسي , لكن وصول الاحزاب إلى السلطة هي فقط شكلية ,ومهمتها تنحصر في تطبيق إملاءات فوقية
فالتوجهات العامة للحكومة تحدد في المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك وبالتالي فكل الوزراء والموظفين يخضعون لمحاسبته , يعينهم ويعفيهم حسب تقديراته ,بقطع النظر عن فوز احزابهم في الانتخابات ( التكنوقراط مثلا ) مما يجعل الانتخابات مجرد بروتوكول , او هي استطلاع رأي لا أقل ولا أكثر
إن تاريخ الاحزاب السياسية بالمغرب يؤكد انها عانت ولا تزال تعاني من عراقيل تحول بينها وبين تأطير الجماهير وتقديم مقترحات لتطوير البلاد ، فمند نشأتها في الثلاثينات من القرن الماضي وهي في احتكاك مع السلطة سواء مع بالسلطات الاستعمارية التي رفضت مبدأ الاستقلال الذي قامت عليه الاحزاب آنذاك ،او مع المؤسسة الملكية التي راهنت على استثمار شرعيتها لما قبل الحماية وشرعيتها السياسة في عهد الحماية للتموقع كفاعل مركزي ومتحكم في السلطة السياسية.
نشأت الأحزاب السياسية بالمغرب كرد فعل ضد السياسة الاستعمارية فكان أول حزب سياسي مغربي ظهر متمثلا في كتلة العمل الوطني 1934 ردا على إلحاق المغرب بوزارة المستعمرات الفرنسية.وبعد الانهزام الذي لحق المقاومة المسلحة وقد استطاع المستعمر تقسيم هذا الحزب ليتفرع الى (حزب الاستقلال 1943) ،و( حزب الشورى والاستقلال 1946 ) و عرفت العلاقة بين الاحزاب والسلطات الفرنسية معارك طاحنة بحكم اختلاف اهداف كل واحد منهما ، هذا الصراع الذي انتهى بعقد مؤتمر ( اكس ليبان )الذي دعت له فرنسا الحزبين الرئيسين بالمغرب بمعية اذناب الاستعمار من الأعيان والقواد وشيوخ القبائل كقوى ثالثة ترغب فرنسا في أن تجد لها مكانا في القائمة التي ستحل محل الإقامة العام مما جعل المفاوضات لا تخرج عن مرامي فرنسا المتطلعة إلى رفع يدها عن المغرب برموزها السيادية دون أن تفرط في مصالحها الاقتصادية والثقافية والإستراتيجية بالبلاد.فهي ترى ان المغرب بلاد غنية وذات موقع استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه في البحر الأبيض المتوسط ولذلك فإن ترك فرنسا له يعرضه حتما للاستيلاء الأمريكي أو السوفياتي وكلاهما خطر على فرنسا .وفي الجهة الاخرى نجد القصر يبحث له عن دور فيما يجري ليحافظ على شرعيته بالبلاد ، وابرز ما قام به هو تبني وثيقة الاستقلال 1944 او ما يسمى اليوم ( ثورة الملك والشعب ) ثم زيارة محمد الخامس لطنجة سنة 1947 حيث القى خطابا اكد فيه وحدة المغرب وضرورة استقلاله . مما سبق يتبين الاختلاف في التوجهات السياسية للإقامة العامة الفرنسية بالمغرب والملك والأحزاب السياسية الوطنية المغربية، إذ حاول كل طرف اثبات نفسه على الأخر ،
تحقق الاستقلال بالشكل الذي ارادته فرنسا لتبدأ تغييرات جوهرية في المنظومة السياسية عموما والحزبية خصوصا ، ابتدأت بانشقاق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن حزب الاستقلال ، وذلك بعد تعاقب اربع حكومات على تسيير شؤون البلاد في زمن قياسي ،مما يؤكد ان الصاع لم يكن حزبيا فحسب بل شمل حتى القصر الذي عمل على تحجيم دور الاحزاب القائمة وذلك بخلق احزاب اخرى موالية له ( الحركة الشعبية والحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية ) ،وقوة الصراع جعل الملك يعلن تاسيس المجلس الوطني الاستشاري كمقدمة لبناء أسس نظام ديمقراطي دستوري في المغرب ، كان الهدف وراء تأسيس المجلس امتصاص قوة حزب الاستقلال الذي أصبح مسيطرا على احتواء معارضة هذا الأخير حتى لا تخرج عن الحد الطبيعي.مما يعني دخول المغرب مرحلة جديدة من تاريخيه تميزت بلمعان مكانة الملكية أكثر مما كانت عليه قبل إذ سيجد الحسن الثاني ( ولي العهد ) نفسه مرغما في السير خطى ثابتة نحو الوقوف أمام كل مد يسعى إلى امتلاك السلطة، خاصة بعد اتضاح تزايد نفوذ بعض الأحزاب على رأسها حزب الاستقلال.كما قام بحملة اعتقالات في صفوف حزب الاتحاد الوطني للقوات لشعبية بعد تاسيسه مباشرة ( الفقيه البصري – عبد الرحمان اليوسفي …)بعد اتهامهم من طرف القصر وجزب الاستقلال بمحاولة اغتيال ولي العهد.
وانتهى الصراع الى انتصار القصر على الاحزاب السياسية ،ذلك بجعل الملكية صاحبة القرار في كل شيء وكل حزب يحاول تجاوز الحدود المرسومة له يتصدى له القصر بالوسائل المناسبة لكسر شوكته– واصبح المشهد الحزبي اليوم بالمغرب- يشبه لوحة الفسيفساء ، فمنها أحزاب الحركة الاستقلالية ومنها أحزاب الإدارة، ومنها القوى السياسية اليسارية ومنها القوى السياسية الدينية علي لحبابي