الرئيسية / كتاب البديل / الأحزاب السياسية وعلاقتها بالسلطة

الأحزاب السياسية وعلاقتها بالسلطة

الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي طلق السياسة طلاقا بائنا واعتبرها مجرد وسيلة لتخدير الأدمغة وإعطاء المشروعية لما يمارس باسم الديمقراطية من نهب للثروات وتجهيل للشعب وتحقير له في كل شيء ، كما أن الأغلبية تعتبر الأحزاب السياسية مجرد حوانيت تنفد من يملى عليها من فوق ،مقابل استفادة زعمائها من الريع ، طبعا هذا الوضع يطرح أكثر من سؤال ، لأن التدبير السليم لشؤون أمة ما يتطلب وجود رؤى (برامج سياسية و اقتصادية واجتماعية ) تخطط لما يجب أن يكون ، لتجاوز معيقات النمو ولضمان الاستقرار والتطور والرقي ، إذ لا مجال للعشوائية والمزاجية في تدبير شؤون أمة ما في حاضرها والتخطيط لمستقبلها ، وهذه الرؤى ( البرامج السياسية ) هي التي تتنافس الأحزاب السياسية على بلورتها و تتقدم بها إلى الشعب ليمنحها ثقته من أجل تطبيق ما يراه مفيدا لحاضره ومستقبله .فلم إذن هذا النفور القوي من السياسة والسياسيين في وطننا ؟، ومن المسؤول عن هذه الوضعية غير الطبيعية ، والتي تسير بالبلاد نحو الهاوية بسرعة قياسية ؟ .أظن أن الثقة التي تكسرت بين المواطن والأحزاب السياسية , تتحمل فيها الأحزاب جزءا من المسؤولية ، ويتحمل المخزن وتاريخ الصراع بين القصر والأحزاب مسؤولية كبيرة. فالمخزن يؤمن انه إذ كلما نجح في تكسير الثقة بين الأحزاب وبين المواطنين كلما قلص من فعالياتها , مما يسهل عليه تدجينها .وجعلها في خدمته وبالتالي يظل هو مهيمنا على الساحة السياسية لمدة أطول .و كل ما يقال عن العمل المشترك بين النظام والأحزاب مجرد ادعاء , لان العمل المشترك يتطلب وجود توازن القوى بين المتعاملين وليس سيطرة احدهما على الأخرى ,لان سيطرته ستجعل التعاون مجرد خرافة . فالتوجهات العامة للحكومة تحدد في المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك وكل الوزراء والموظفين يخضعون لمحاسبته , يعينهم ويعفيهم حسب تقديراته ,بقطع النظر عن فوز أحزابهم في الانتخابات ( التكنوقراط مثلا ) مما يجعل الانتخابات مجرد بروتوكول , أو هي استطلاع رأي لا أقل ولا أكثر. مبدئيا ان الوصول إلى السلطة من أجل تطبيق برامج الحزب هي غاية كل حزب سياسي , لكن وصول الاحزاب إلى السلطة عندنا هي شكلية فقط,ومهمتها تنحصر في تطبيق إملاءات فوقية. والمخزن للحفاظ على هيمنته لا يعدم الاساليب التي تمكنه من تلجيم الأحزاب واضعافها بل وتدجينها, من هذه الاساليب : 
1-التشويش على العمل السياسي بخلق وتشجيع جمعيات تستفيد من الريع للقيام بعملية التشويش على العمل السياسي الحقيقي
2- خلق أحزاب إدارية ودعمها والدفع بها بطرقه الخاصة لتتولى المراتب الاولى في العملية السياسية ,
3- العمل على تقسيم أي حزب يبدو انه يحاول طرح فروض الطاعة والولاء للسياسة الرسمية للدولة.
4- دس عناصر فاسدة داخل الأحزاب المعارضة لتشويه سمعتها والتجسس عليها وتوجيهها بل وتولي قيادتها أن اقتضى الأمر ذلك .
5- شراء بعض القيادات بالمال والمناصب , أو خلق قيادات فاسدة ودعمها داخل الأحزاب المعارضة 
6- وسائل الترهيب المتنوعة وأساليب القمع التعسفية إذا اقتضى الأمر ذلك والتهم جاهزة لكل معني . 
وهذه العلاقة بين النظام والاحزاب بالمغرب ليست وليدة اليوم او نتيجة ظروف معينة ، بل هذه العلاقة موروثة ولا تزال مستمرة منذ ان خلقت الاحزاب في المغرب في ثلاثينات القرن الماضي، ان الاحزاب في المغرب ظهرت في سياق المواجهة مع قوات الاحتلال الاستعمارية من أجل استعادة الاستقلال. ومنذ نشأتها وهي في احتكاك مع السلطة – ما لم تنضبط لما حدد لها- وتعاني من قوة العراقيل التي تحول دون تأطيرها الحقيقي للجماهير وبلورة مقترحات لتطوير البلاد. 
فأول حزب سياسي مغربي (كتلة العمل الوطني 1934) تأسس ردا على إلحاق المغرب بوزارة المستعمرات الفرنسية ، والسلطة القائمة آنذاك استطاعت أن تقسمه إلى حزبين متصارعين هما (حزب الاستقلال 1943) ،و( حزب الشورى والاستقلال 1946 
تحقق (الاستقلال) وبدأ صراع من نوع آخر بين الأحزاب وبعضها البعض وبين بعض الأحزاب والقصر ، وهذا ما يفسر تعاقب أربع حكومات على تسيير شؤون البلاد في زمن قياسي، وانشقاق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن حزب الاستقلال ، هذا الحزب الجديد تعرض لحملة اعتقالات في صفوف قادته بعد تأسيسه مباشرة ( الفقيه البصري – عبد الرحمان اليوسفي …)بعد اتهامهم من طرف القصر و حزب الاستقلال بمحاولة اغتيال ولي العهد، مما يؤكد ان الصراع لم يكن حزبيا فحسب بل شمل حتى النظام ،الذي قام بكل ما من شأنه ان يضعف الأحزاب القائمة ، فخلق احزابا موالية له ( الحركة الشعبية والحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية ) فالمغرب عقب الاستقلال عاش حياة سياسية صاخبة وغنية، شكلت الأحزاب السياسية فيها عنصرا قويا، نظرا للقوة والمصداقية التي كانت تتوفر عليها هذا ما جعل النظام يعلن حالة الاستثناء سنة 1965 لينفرد بتأطير الحياة العامة في البلاد ، بالمقابل عانت الأحزاب السياسية من التهميش والإقصاء من الحياة العامة دام إلى حدود انطلاق ما يسمى بالمسلسل الديمقراطي بعد رفع حالة الاستثناء سنة 1977.لتنطلق معها عملية توليد الاحزاب الادارية من جهة (الاحرار – الوطني الديمقراطي – الحركة الاجتماعية – الاتحاد الدستوري- العدالة والتنمية – الاصالة والمعاصرة…) وتفكيك الاحزاب الأخرى 
(وانتهى الصراع الى انتصار القصر على الاحزاب السياسية ،ذلك بجعل الملكية صاحبة القرار في كل شيء وكل حزب يحاول تجاوز الحدود المرسومة له يتصدى له القصر بالوسائل المناسبة لكسر شوكته– واصبح المشهد الحزبي اليوم بالمغرب- يشبه لوحة الفسيفساء ، فمنها أحزاب الحركة الاستقلالية ومنها أحزاب الإدارة، ومنها القوى السياسية اليسارية ومنها القوى السياسية الدينية . لكنها في المجمل تبقى مجرد دكاكين سياسية منغلقة على نفسها وتفقد باستمرار ما تبقى لديها من قاعدة جماهيرية ، لدرجة أن القصر أصبح يشكو من هذه الوضعية التي عليها الأحزاب ، وأخذ الملك في كل مرة منذ خطابه في افتتاح الدورة البرلمانية سنة 2000 يدعو الى ضرورة اصلاح الحالة الحزبية في البلاد ليعلن في خطبه الاخيرة ان الاحزاب فاسدة ولا تؤدي الدور الذي يجب ان تؤديه رغم وضعه لقانون جديد للاحزاب سنة 2005 . وهكذا نرى أن الآية انقلبت في حياتنا السياسية ، إذ بدل ان تبادر الأحزاب إلى إصلاح وتحديث النظام السياسي، يأخذ هذا الأخير المبادرة ويدعو الى اصلاح الاحزاب، مما يؤشر انها حبر على ورق غير فاعلة وعلى درجة لا يستهان بها من العجز والسلبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *