اقلام حرة

الأمن المائي كاختيار استراتيجي

يعتبر مشكل الماء من أهم التحديات التي يواجهها العالم اليوم،حيث ذهبت مجموعة من الدراسات إلى أن الماء هو نفط القرن21، وأن الحروب القادمة ستكون بسبب الماء، و في هذا الإطار نبه المنتظم الدولي في قمة الأرض بريوديجانيرو بالبرازيل سنة 1992 إلى أن ندرة الماء تعد من أهم الأولويات التي يجب أن تأخذ بعين الإعتبار خاصة في ظل التغيرات المناخية.قبل يتم تخصيص 22 مارس من كل سنة يوما للإحتفال باليوم العالمي للماء ابتداء من سنة 1993.
فإذا كانت دول العالم اليوم حكومة وشعبا، ترفع شعار التنمية المستذامة فإنه لا يمكن تحقيق هذا الرهان إلا بتثمين الموارد الطبيعية وعلى رأسها الماء.
هناك شبه إجماع على أن حجم الموارد المائية الصالحة للإستغلال بالمغرب في تراجع ملحوظ، في الوقت الذي تضاعفت فيه حاجيات القطاعات الإقتصادية من الماء (الصناعة، الفلاحة،السياحة)، إلى جانب التزايد الديمغرافي السريع و الذي من المنتظر أن يعمق الأزمة ويجعل القطاعات الإقتصادية تتنافس على هذا المورد أكثر من أي وقت مضى.
يرتبط مشكل الموارد المائية بدول العالم العربي عموما وبالمغرب خصوصا بتموقعه ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة، كما يرتبط بمشكل التوزيع غير المتكافئ، ففي الوقت الذي يسجل فيه هذا المورد فائضا ببعض الأحواض المائية، تعرف فيه مناطق أخرى عجزا كبيرا، و يكفي أن نشير في هذه المسألة إلى أن 50 بالمائة من الموارد المائية بالمغرب تتركز بحوض سبو و أم الربيع. إلى جانب ذلك يعد الهدر المائي من أهم العوامل المفسرة لمشكل الماء بالمغرب، خاصة أمام سيادة النمط التقليدي في السقي، هذا بالإضافة إلى ضعف تعبئة الموارد المائية والتي لا تتجاوز 17.5 مليار متر مكعب في السنة كمتوسط.
يعد المغرب من بين البلدان التي أضحت تعاني من الخصاص المائي (أقل من ألف متر مكعب للفرد في السنة)، علما أن متوسط نصيب الفرد من الماء بالعالم يقدر ب 7700 متر مكعب للفرد في السنة، و5500 متر مكعب للفرد في السنة بالنسبة للقارة الإفريقية.
تقدر نسبة انخفاض التساقطات بالمناطق الجبلية المغربية ب % 20 و % 17.8 بالنسبة المناطق المغربية المتوسطية، بمعدل انخفاض وطني يقدر ب 13 %.. وذلك في الفترة الممتدة بين 1935 و 2005 (الصبار، السلوي 2014).هذا بغض النظر عن التساقطات الأخيرة التي عرفها المغرب منذ سنة 2009.
لقد جعل المغرب من تعبئة الموارد المائية اختيارا استراتيجيا خلال الستينات من القرن الماضي عن طريق سياسة السدود، و التي ارتفع عددها بشكل ملحوظ، غير أنها اليوم أصبحت تعاني من عدة مشاكل لعل أهمها مشكل التوحل (شيخوخة السدود) وارتفاع تكاليف الصيانة
يجب أن نعترف في هذه المناسبة أن 80 بالمائة من الأمراض بالدول النامية مصدرها الماء، من هذا المنطلق أصبح موضوع جودة الماء من أبرز المواضيع التي يجب فتح نقاش عميق فيها، خاصة ما يتعلق بالمعايير الدولية المعتمدة في تحديد جودته. لقد استدرك المشرع المغربي هذه النقطة عن طريق سنه لقاعدة “المستعمل المؤدي والملوث المؤدي” وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه القاعدة القانونية قد يتخذها البعض رخصة شرعية لتلويث المياه ما دام الآداء عن هذه العملية نقديا يبرر المخاطر البيئية التي تنجم عنها.أكثر من ذلك نجد أن بعض العقوبات التي حددها المشرع والمرتبطة بثلويث الماء لا تتجاوز 240 درهم أي أنها لا تتجاوز نصف مخالفة قانون السير.
إن تثمين الموارد المائية يستوجب التفكير في تحديد الكلفة الحقيقية للماء إذ أن تصدير المنتجات الفلاحية هو تصدير للماء في حد ذاته وهذا ما يعرف بالماء الإفتراضي الذي قد تكون له تداعيات اقتصادية و اجتماعية وبيئية.

تنبني استراتيجية تدبير الموارد المائية على أساس تنمية الموارد غير التقليدية و ذلك باستثمار المياه المستعملة و تحلية مياه البحر، والإستثمار في تعبئة الموارد المائية التقليدية، إضافة إلى ضرورة التزام الحكامة في تقويم الطلب على الماء وترشيد استعماله، لقد نبه العديد من المهتمين بالأمن المائي بالمغرب إلى العديد من التناقضات و الممارسات التي تتنافى مع ترشيد استعمال الماء،كما هو الشأن في اعتماد زراعات تحتاج إلى موارد مائية كبيرة، في بيئة جافة (السلوي 2014).
إلى جانب ذلك يتطلب الأمر تحيين قانون الماء 10.95 وتفعيل بنوده ومؤسساته في مستوياتها العليا (المجلس الأعلى للماء والمناخ) و الإقليمية (وكالات الأحواض المائية)
ختاما لا بد من التأكيد على أن الإستثمار في البحث العلمي والتكنولوجي يعد مدخلا لتجاوز المشاكل المرتبطة بالماء سواء تعلق الأمر بتدبير النذرة أو الفيض من جهة كما أن الحق في الحصول الماء و بجودة عالية يعد من حقوق الإنسان الأساسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى