الرئيسية / بديل تربوي / الإدارة التربوية : مهنة بلا الإطار و مهام بلا حدود …. مجالس التدبير: برلمانات غير فاعلة

الإدارة التربوية : مهنة بلا الإطار و مهام بلا حدود …. مجالس التدبير: برلمانات غير فاعلة

أجمع العديد من خبراء التربية والتكوين والأساتذة الباحثين على الغموض والتضخم الذي يلف مهام الإدارة التربوية، ويحد من تدبير فعال وناجع للمؤسسات التعليمية. تلك الإدارة التي تلجها أطر تربوية بدون تكوين إداري ولا إطار منظم يحكم المهنة، ويمكنها من آليات واضحة وسريعة، ويمنحها استقلالية اتخاذ القرارات والإبداع والاجتهاد وفق ما تتوفر عليه مؤسساتها التعليمية من موارد مادية وبشرية. مجموعة من مديري التعليم أكدوا أن بعضهم يزاولون حوالي مائة مهمة.  تفرضها خصوصيات كل مدرسة. تتعلق بالتدبير اليومي للدراسة (تلامذة، أساتذة، آباء، داخلية، مطعم، محيط..)، والتوثيق والمراسلات، وحضور اللقاءات والاجتماعات الداخلية، أو الندوات المفروضة من طرف المديريات والأكاديميات. والبحث عن شركاء لدعم تهيئة المدارس وبرامجها وأنشطتها الموازية، و قد تصل إلى مستوى القيام بأدوار  (حراسة المدارس، التنظيف، النكس، السقي..). في غياب أي مساعد رسمي لهم. علما أن الآلاف ممن ولجوا سلك التدريس فرارا من شبح البطالة وجحيم الفقر وليسا حبا في تلك الرسالة النبيلة.

 

أطر الإدارة التربوية وتطور هويتهم المهنية

قال لحسن توبي  الأستاذ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالدار البيضاء، إن المهن التي ترتبط بمجال التربية والتكوين (المدرس، المدير، الحارس العام…).عرفت تطورا ملحوظا. موضحا أن المدرسة من الزاوية السوسيولوجية البسيطة، تُقدم خدمات إلى زبائن، فإما تحظى بالقبول والاعتراف أو يحصل العكس. غير أن واقع الحال يشهد أن ما تُقدمه من خدمات يُكسر الانتظارات والتطلعات، لأسباب عديدة ومتشابكة، وعلى رأسها واقع الإدارة التربوية، وإكراهاتها. وتساءل كيف يمكن تطوير الهوية المهنية لإطار الإدارة التربوية، والرفع من أدائه، وجعل التدبير الإداري قائما على مقتضيات المفهوم الحديث (قيادة التدبير). وأضاف أن الحديث عن الإدارة التربوية يجره إلى التمييز بين باراديكمين متعاندين. يرتبط الأول بممارسة الإدارة بمعناها التقليدي، القائمة على احترام السلمية الإدارية، وحصر الإداري في مجرد مطبق للتعليمات، والمحترس من اتخاذ القرارات، والذي يجعل  سلطته مستمدة من  مركزه الوظيفي. فينشغل بالإجراءات الروتينية والمساطر الشكلية، وتطبيق التعليمات الصادرة من أعلى هيئة.أما الباراديكم الثاني، فينطلق من تصور التدبير على أساس مفهوم القيادة أو قيادة التغيير. ويرى الباحث التربوي أن هناك وعي على مستوى الخطاب الرسمي، بضرورة تجديد المهن المرتبطة بالتدريس والتكوين والتدبير للرفع من الجودة، واعتبار (المهننة مدخلا للنهوض بأداء الفاعلين التربويين)، وفق ما جاء في الرافعة التاسعة من الرؤية الاستراتيجية 2015-2030. وأن الخطاب الرسمي لا يتوانى عن الحديث الإداري من حيث كونه قائدا.  إلا أن هناك مفارقة بين ما ينص عليه الخطاب وبين إكراهات الواقع. مؤكدا أن الممارسات لازالت شاهدة على هيمنة الباراديكم الأول، وما زالت المساطر والقوانين لا تُهيئ الأسباب كاملة لإرساء باراديكم القيادة. 

 

شروط الحكامة والقيادة التربوية

  أكد الأستاذ الباحث جمال بندحمان على ضرورة التمييز بين مفهومي الإدارة والقيادة. لأن الأولى تتحقق بقرارات إدارية ملزمة، وتتحقق الثانية بمهارات وكفايات تواصلية تفاعلية.  وأن القيادة تأثير غير رسمي ينجم عن علاقات التأثير الإيجابي بين أعضاء المجموعة، والأدوار الرائدة والمرغوبة لفرد ما على أعضاء المجموعة التي تتقبل ريادته. وأن الآثار الإيجابية لشخصية القائد تنعكس على أهداف المجموعة وطرق عملها وانخراطها في الدينامية العامة للمدرسة.    وتحدث عن أربعة مستويات لابد من توفرها لتوفر الحكامة في القيادة التربوية، لخصها في مفهوم الحكامة، الحكامة في الوثائق الرسمية ، مقومات الحكامة التربوية، والقيادة التربوية ومقومات الحكامة. وقال إن المستوى الأول ركز على مفهوم الحكامة من خلال الوثائق الأممية وبخاصة اعتبارها أسلوبا في التدبير يقوم على حسن التخطيط والتواصل والتتبع والمراقبة والتقويم والمساءلة والمحاسبة والمشاركة والإنصاف والشفافية وتوزيع المهام و المسؤوليات ، ليخلص إلى تأكيد ارتباطها بمجموعة من الآليات الاستراتيجية ممثلة في  الديمقراطية (التشاركية) باعتبارها اختيارا دستوريا،، وآليات قيمية ممثلة في ( التربية على القيم)، وآليات آليات  مؤسسية  محددة في أدوار المجالس التربوية والتعليمية ، وآليات مسطرية وتدبيرية ممثلة في التدبير التربوي و التدبير المالي و  الشراكات و العلاقات و الأنشطة، وللتفصيل في ذلك تم الانتقال إلى إبراز كيفية حضور المفهوم في الوثائق الرسمية وبخاصة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وتقرير الخمسينية، وتقرير المجلس الأعلى للتعليم(2008)، والمخطط الاستعجالي،والرؤية الاستراتيجية. هذه الوثائق وغيرها يؤكد الباحث التربوي تسمح بتحديد إجرائي لمقومات الحكامة التربوية التي يمكن بالاعتماد عليها قياس مدى حكامة التدبير الإداري من خلال سبعة مبادئ كبرى هي: مرجعية القانون والتدبير التشاركي والشفافية والتوافقات المسؤولة والمساواة والفعالية والرؤية الاستراتيجية. هذه المؤشرات السبعة تسمح بالتمييز بين الإدارة والقيادة التربوية حيث إن الأولى تتحقق بقرارات ملزمة بينما تعتمد الثانية كفايات تواصلية، وقدرات تدبيرية تحقق التأثير المطلوب من خلال اعتماد مقاربة تشاركية، وجعل التواصل الفعال أداة للتدبير اليومي، وتفعيل أدوار المجالس وتحديث الإدارة باعتبارها مهنة وليست مهمة.

 

مجالس التدبير: برلمانات غير فاعلة

اشترط الباحث الاكاديمي  جمال بندحمان لإنجاح تصور يؤمن بالقيادة التربوية وجعل مجالس التدبير(برلمانات المدارس)، أكثر فعالية ينبغي التفكير في الانتقال من صيغة تعيين أعضاءها إلى صيغة الانتخاب.و منحها صلاحيات فعلية وعدم الاقتصار على الأدوار الاستشارية وتجاوز المركزية  والجهوية. وجعل المحاسبة بعدية، وليست قبلية تحاصر الاجتهادات. و تفعيل صيغ الاستقلالية المالية التي يتحدث عنها الميثاق والنصوص والمراسيم، وإخضاعها لاحترام القانون، مع تحميل الشركاء الأساسيين مسؤولياتهم التي يحددها القانون. واعتبار التعليم مهنة وزيادة…موضحا أنه تدبير للشأن العام وأكثر. وخلص تشريحه لوضع الإدارة التربوية إلى ضرورة تضافر جهود كل الفاعلين. وعرج إلى كتاب المدرسة المجتمعية، حيث اقتنص عبارة (إذا كان قرار إعلان الحرب قرارا خطيرا لا يجوز أن ينفرد باتخاذه العسكريون فإن القرار التربوي قرار أخطر لذلك لا يجب أن ينفرد باتخاذه  التربويون وحدهم).

 

مهن بلا إطار منظم  ولا تكوين

 

تعاني الأطر الإدارية من مديرين ونظار وحراس عامين ومعيدين والكتاب .. من  النقص في التكوين التربوي والإداري والنفسي، وعدم  توفر بعضهم على المعايير الدنيوية من أجل استيعاب الزخم الكبير من المذكرات الوزارية والأكاديمية والنيابية وتطبيقها بالشكل والدقة المطلوبين…  الكل يعرف أن هذه الفئة لا تتوفر على شواهد التخرج من المدارس والمعاهد الإدارية التي لا توجد أساسا ببلادنا. ولا تخضع لتكوينات تمكنها من اكتساب الحد الأدنى من المعلومات والسلوكات التي تواجه بها العبث الإداري الذي يسيطر على سير العمل الإداري داخل المؤسسات التعليمية. فالتسلق في اتجاه هذه المناصب يأتي بالأقدمية في التدريس. هيئة التدبير و التسيير الإداري التي يكون على رأسها بشكل رسمي  رئيس المؤسسة ( المدير). منصب يستلزم وجوبا وبحكم تعدد اختصاصاته و اتساع مساحاتها وعمومية واجباته التنظيمية، أن يكون على اتصال دائم بأساليب التكوين المستمر في مجالات التربية و التعليم و أساليب التدريس وعلى إلمام واسع بالقوانين التنظيمية  و أساليب التدبير و التسيير و المعرفة الواجبة، للحفاظ على اهتماماته المتنوعة وشمولية تكوينه الشيء الذي يغني شخصيته بشكل ملموس بحيث  ينعكس إيجابا على مردودية المؤسسة سواء في محيطها القريب أو البعيد لتكون فعلا منارة للمعرفة و التطور . هذه المواصفات و الشروط الواجب توفرها  في شخص المدير كقائد على رأس المؤسسة التعليمية غير متوفرة للأسف الشديد إلا بنسبة ضعيفة جدا و لدى قلة لا تشكل قاعدة تعتمد في بناء صرح مؤسسة تعليمية رائدة و ناجحة في عصر يعرف فيضا لا ينتهي للمعلومات و فتح آفاقا شاسعة للتواصل و الاتصال .

مديرو المؤسسات الذين أصبحوا في السنوات الأخيرة لا يفارقون مكاتبهم الإدارية إلا من أجل حضور اجتماعات داخلية آو خارجية، بسبب كثرة الأشغال التي أثقلت كاهلهم وحالت دون تمكينهم من الإشراف اليومي على سير التعليم داخل مؤسساتهم. هم في الأصل مدرسون أنهك التدريس قواهم ولم يعودوا قادرين على مواجهة فصل يضم ما بين 30 و50 تلميذ حسب طبيعة المؤسسة التعليمية، فكيف لهذا المدرس الذي قضى على الأقل 15 سنة في التدريس أن يتسلم زمام تسيير مؤسسة تعليمية تضم المئات أو الآلاف من التلاميذ والعشرات من الأطر التربوية والإدارية والأعوان…دون أدنى تكوين ووسط أجواء من العشوائية التي تفرض عليه عبر مذكرات يصعب تطبيقها في أرض الواقع، تحرر في كواليس الوزارة والأكاديميات والمديريات .

 حقائق مؤلمة بخصوص بعض طالبي العمل الإداري

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى الشلل أو القصور الإداري لبعض المدارس. وإن كان من وراء معظمها عدم تقنين مهنة الإدارة التربوية وغياب تكوين إداري مسبق، فإن هناك سبب آخر متمثل في تعيين إداريين ليس لهم أي هم تربوي أو تعليمي. تغيير المدراء وتنصيب البعض ممن لا خبرة لهم في مجال الإدارة، كانوا أساتذة أو حراس عامين أو نظراء قادهم  هاجس البحث عن سكن أو تعويض إضافي أو الابتعاد عن التدريس. فالوزارة الوصية تتحمل كامل المسؤولية. لأن عدة مناصب إدارية تمنح تحت غطاءات نقابية أو سياسية أو مصلحية.والمفروض إلغاء اعتماد الأقدمية كقاعدة في التعيينات و الترقيات، فهي التي  فتحت بابا دخل منه الصالح و الطالح، وجعلت إدارة التعليم تعج بإداريين عاجزين على ضبط  مؤسساتهم. في غياب اعتماد الكفاءة وغياب مدارس إدارية لتخرج المديرين والنظار والحراس العامين وغيرهم للقيادة التربوية.. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *