يقول وزير الثقافة محمد أمين الصبيحي :
" لن نسمح باستعمال دارجة هابطة في مخاطبة المغاربة "
و الضمير المغربي ، و معه هويتنا اللغوية تقول : و " الدون بيغ " الذي أنعمتم عليه بأكبر و أضخم دعم مالي من وزارتكم ، أليس لغة هابطة ؟ !
كنت اتمنى صادقا و أنا أقرأ نص الحوار الذي أجراه السيد محمد أحداد الصحفي بجريدة المساء مع وزير ثقافتنا الوسيم ،أن يطل علينا وزيرنا المحترم بخطاب وسيم وسامة وجهه ، و غير مرموز ، بحيث يمكن لنا نحن الضعفاء إلى الله و الحرف العامي أن نفك غموضه و طلاسمه دون عناء تفكير أو فهم لخلفياته و أبعاده التي وصلت أقصى درجات الغموض و الارتباك ، فمنذ تعيينك على رأس وزارة كتب لها أن تكون ترجمة موضوعية لمستوى رقي هويتنا المغربية ،و أنا أطرح هذا السؤال العريض : " مالك مع الدارجة ؟ واش دارت لك الأجناس الأدبية التي تكتب بلغتنا العامية ؟
و تطل علينا اليوم و من موقعك المسئول لتقول مدعيا و بأسلوب نفي قاطع " لن نسمح !!! " ،أستسمحك أيها الوزير الوسيم ،و أستسمح طبلة أذنيك التي تشتهي دوما أصواتا دون أخرى و لغة معربة دون لغة شفهية ، لكي أهمس لك بلسان لا يجيد إلا اللغة العامية و لا يعرف سبيلا إلى الإبداع إلا بهذه اللغة ،فأقول : " الله يعطينا وجهك " ،تناقض صارخ و ارتباك واضح ،إن كنت بالفعل تكن التقدير و الاحترام للغتنا الام ،و تحرص على أن نتداولها فيما بيننا برقي النسج اللغوي ،و ان يعكس تواصلنا اليومي بهذه اللغة هوية الإنسان المغربي الذي كانت لغته و تواصله تعكسان مستواه الأخلاقي ،اي بمعنى آخر " التامغرابيت " ، لكنت معالي الوزير اعترفت أولا و اعترف عهدك الوزاري بكل أنواع الإبداع المكتوب بلغتنا العامية كأن تدرج الزجل مثلا " خير و سلام " ضمن جائزة المغرب للكتاب ،و ان تضيف إلى نفس الجائزة الرواية المكتوبة بلغة أمي و امك " الله يسمح لنا من لغة الام " ،و ان تتواضع لتحضر المهرجان الوطني للزجل الذي تنظمه وزارتكم العامرة بالحقد اللغوي ،و تقوم بدورك و تؤدي مسؤوليتك في تكريم الوجوه الزجلية ، و التي أرى أن من حقها أن تنوب عنك في رفع هذا الشعار العريض الذي رفعته و ادعيت أنك دارجي أكثر من الدارجة " لن نسمح باستعمال دارجة هابطة في مخاطبة المغاربة " .
و اسمح لي أيها الوزير الراقص على نغمات أحيدوس ،و الذي تكبد عناء الوقوف بين صفوف الراقصين فقط لكي تتراءى للرأي العام الثقافي الوطني مدى حيوية جنابكم الموقر و قابليتكم على الانصهار في جميع أشكال و ألوان موروثاتنا الغنائية و الفرجوية ، افتراء صارخ ، و أنا أراك تدعو لشوفينية لغوية تنبني أساسا على اعتبار لغة الشاوية و لغة مدينة البيضاء تحديدا ،هي المهيمنة على مشهد إعلامنا السمعي البصري ،لقد كنت اعتقد ان بصيرتك اوسع من ذلك ،شخصيا أرى أن هناك انفتاحا و تنويعا لغويين من خلال برامج تلفزية و إذاعية ناطقة بمختلف مكونات هويتنا اللغوية ( تاريفيت ـ تاشلحيت ـ تامازيغت ) و اللهجات الاخرى التي تتخذ من الحرف العربي مرجعا فونولوجيا لها ، بل أكثر من هذا ،فقد أصبحنا أمام انفتاح إعلامي ، ظهرت قنوات إذاعية متخصصة و ناطقة بكل هذه اللغات التي ذكرت، و أصبح المشهد الإعلامي غنيا و متنوعا و يراعي و يحترم في كل تمظهراته خارطة هويتنا اللغوية بكل جهاتها و مناطقها ،و يا ليتك تدرك وزيرنا الوسيم ، أن مدينة الدار البيضاء و لغتها المتداولة ،تعد ملاذا و قطبا تتداخل فيه و تتعايش مجموعة من اللغات و اللهجات الوطنية التي تجعل من لغة المنطقة لغة دينامية و حية ،لغة مجاز و توليد دلالي و شعري ، لم و لن تكن قط لغة " تشرميل " ، وإن كنت اعلم ان مقياسك الذي استندت عليه ، و لو بطريقة غير معلنة ،هو اللغة الهابطة في أغاني " الدون بيغ " .
" عار و عيب عل الربيع يخلي الماء لي جاري ف الواد ، و ولد البلاد و يطمع ف الندى " ،و هنا أكون قد وصلت معك إلى مفارقتك الغريبة و الصادمة : " إن البيغ مواطن و مبدع مغربي ( و هذا قولك و تصريحك الصادم ) قدم طلبا للاستفادة من الدعم كباقي المغاربة . الأمر الذي لا يعرفه الذين وجهوا انتقادات إلى اللجنة التي تشتغل بشفافية هو أن البيغ أخذ الدعم على ثلاثة مشاريع مختلفة كفنان و كمقاولة " ، طيب وزيرنا المحترم الذي يحترم هويتنا الثقافية و اللغوية و الذي يرفض أن نسقط لغتنا الام إلى مستويات هابطة … بالله عليك أليس هذا المدعو " الدون بيغ " قد أسقط لغتنا و معها هويتنا و أخلاقيات الفن إلى مستويات هابطة ؟! اتحداك و اتحدى اي مغربي ، من الملك إلى الإسكافي ،و من وزيركم الأول المبني للمعلوم إلى ضميرك العاقل المبني للمجهول ، ثم إلى أبسط مواطن عاطل ، أن يقتني شريطه و يسمعه في بيته و أمام أسرته !!! لن أذكرك بالعبارات و الكلمات النابية " حاشاك و حشى مقامك العالي بالثقافة " .
صدقني لست مؤهلا لكي أحاسبك على تناقضك هذا ،و لكن سأحاسب الزمن الذي أفرز هذا الواقع الثقافي المتعفن ،واقع نحتسي جرعات علقمه كما يشتهي مركز القرار ، وزير يدعو و يدعم بفعل القول و " البينكة " لغة الحصير ، كم تمنيت وزيرنا الوسيم و انا أراك تعتلي منصة المنعم عليهم بالتوزير، أن تتخذ التغيير منهجا ،لا أشتهيك زاحفا إلينا ،بل أرغب في أن أراك تسير ، أن يصبح " الدون بيغ "مرجعا و مقاولة محصنة بخطاباتها و تمريراتها و إصرارها على أن تجعل من لغتنا الأم ليست فقط لغة هابطة على حد تعبيرك ، و لكن لغة " حشاك و حشى تراب وجهك الثقافي " لغة حمير ، فإني سأكتفي بالقول : " ما اجملك و اوسمك أيها الوزير" .