المتأمل في البرنامج الحكومي الذي عرضه رئيس الحكومة يجده لا يختلف عن البرامج التي تقدمها الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال الى اليوم ، فلم يخرج عن قاعدة ( العام زين – والمغرب من أجمل البلدان … )منذ أن حصل المغرب على استقلاله و على امتداد أكثر من أربعة عقود, و حكوماته المتعاقبة تتحدث عن وضع سياسات و خطط لتحقيق التنمية وتحسين مستوى المعيشة و محاربة الفقر والهشاشة … و بعد كل هذه الجهود و الأموال التي صرفت,لا زالت دار لقمان على حالها , اذ اتسعت دائرة الفقر و ترسخت آليات التفقير إلى أن وصل الحال إلى ما هو عليه الآن .اذ تبخرت الوعود كما ذهبت التحملات التي تحملها المواطنون ادراج الرياح . فبالرغم من أن الشعب بذل جهودا كبيرة و عانى كثيرا من الحرمان و أثقلت كاهله انواع الضرائب العادية منها و الاستثنائية و التضامنية, فإن حالتهم المعيشية تزداد تدهورا حيث ازداد الفقر توسعا بشكل لم يسبق له مثيل. و هكذا فإن النمو الاقتصادي الذي حققه المغرب, قد تحقق على حساب تدهور مستوى معيشة أوسع الفئات الشعبية و على حساب توسيع دائرة الفقر.بالمقابل ازداد بذخ القلة القليلة التي لا تكاد تبين عدديا امام الاغلبية الساحقة التي تزداد تفقيرا . كل ذلك نتيجة حتمية للسياسة المتبعة والمرتكزة على إغناء الغني وتفقير الفقير ،بتخلي الدولة عن أداء مهامها الأساسية في قطاعات اجتماعية حيوية تحت ذرائع مختلفة كالاكراهات والتقويم الهيكلي والتوازنات المكرو اقتصادية وامتصاص العجز والمقايسة …. هذه السياسة و برامجها مست مصالح عمومية و اجتماعية متعددة. إذ تم الاجهاز على دعم مواد أساسية و انخفضت المصاريف العمومية المتعلقة بالتربية و التعليم والتكوين و الصحة و قطاعات اجتماعية أخرى أصابت في العمق العائلات الفقيرة و المتوسطة وتوسعت دائرة البطالة . و تصاعد بذلك مستوى الفقر بشكل لم يسبق له مثيل .والمشكل هو ان الاقتصاد المغربي لازال إلى حد الآن عاجزا عن الخروج من دوامة ما يسمى " بالاكراهات" سعيا للحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية و التخفيف من ضغوط المديونية التي وصلت الى ارقام قياسية . إن المغرب بلد غني ينتشر فيه الفقر.فالمؤهلات المادية والبشرية المتوفرة كافية لجهله ضمن الدولة المتقدمة وليس الصاعدة فحسب ، فالدخل الفردي المتوسط قد يصل إلى 1250 دولار أمريكي حسب المنظمات الدولية , إلا أن الفوارق الاجتماعية صارخة والهوة تتسع باستمرار بين الفئات الأكثر فقرا و الفئات الأكثر غنى. حتى أصبح 10 في المائة من الساكنة يستهلكون أكثر من 15 مرة ما يستهلكه ذوي الدخل الضعيف و المتوسط . و 10 ملايين مغربي لا يتجاوز دخلهم اليومي 20 درهما (دولارين اثنين) و 15 في المائة من الساكنة تعيش تحت عتبة الفقر, و ما يقارب نصف الساكنة يتموقع دخلهم الشهري في حدود أقل من 600 درهم ( 60 دولار). و هذا يبين بجلاء الأهمية العددية للفئات المهمشة أو التي في طريقها إلى التهميش المحتوم. و الفوارق في أجور الموظفين قد تتباعد من 1 إلى 100 تقريبا و هذا وضع قل نظيره بالعالم, و هو أمر أضحى عير مقبول في ظل انتشار الفقر, إذ هناك 6 مواطنين من أصل 10 يعيشون في وضع فقر مدقع. في حين أن ميسوري الحال لا يتعدون 20 في المائة بينما يعاني 80 في المائة من السكان من ضعف الدخل وانهيار قدرتهم الشرائية, و لا يخفى على أحد أن اختلال ميزان العدالة الاجتماعية بشكل مفضوح من شأنه أن يحول البلاد إلى بؤرة للإجرام و اللا أمن ما دام الإنسان يفتقد للشعور بوجوده العادل و حقه الإنساني, و آنذاك سيكون مستعدا لأي شيء. وهذا الوضع هو الذي تناولته العديد من الخطب الملكية . حيث جاءت تساؤلات رئيس الدول مشروعة حول حصيلة 15 سنة من السياسات العمومية و من ضخ الملايير في الاقتصاد الوطني دون أن يكون لكل هذا المجهود التأثير المنشود على رفاهية المغاربة. واستحضر هنا بعض المقاطع ذات الصلة من الخطب الملكي • "ان الاقتصاد المغربي يسجل، مع الأسف، تأخرا ملحوظا، بسبب تشتت وضعف النسيج الصناعي، ومنافسة القطاع غير المنظم". من خطاب ذكرى ثورة الملك و الشعب2015 : " من حقنا جميعا أن نتساءل : هل ما نراه من منجزات، ومن مظاهر التقدم، قد أثر بالشكل المطلوب والمباشر على ظروف عيش المغاربة وهل المواطن المغربي، كيفما كان مستواه المادي والاجتماعي، وأينما كان، في القرية أو في المدينة، يشعر بتحسن ملموس في حياته اليومية، بفضل هذه الأوراش والإصلاحات". أتساءل باستغراب مع المغاربة : أين هي هذه الثروة وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟ من خطاب العرش 2015 فهل بعد هذا ننتظر شيئا من وعود الحكومة الجديدة خاصة وان ( النهار الزين كايبان من صباحو ) فالبرنامج الحكومي المصادق عليه في البرلمان يتناقض كليا مع مشروع القانون المالي المقدم للبرلمان ، كما أن ديباجة هذا البرنامج تؤكد استمرارها في اتمام ( الاصلاحات ) التي بدأتها الحكومة السابقة