التسول حرفة من لا حرفة له

يجتاحُ المتسوّلون شوارعَ المدن المغربية لدرجة يمكن اعتبارها من أهم الحرف التي كثر عليها الإقبال في البلاد، فآخر الإحصائيات تشير إلى أن الممتهنين لهذه الحرفة في المغرب يقدرون ب 500 ألف شخص إضافة إلى المتسولين السوريين والأفارقة والذين غزوا في السنين الأخيرة كل شوارع المدن المغربية . صحيح أن هناك ما يمكن تسميته بالتسول الاضطراري وهو الذي يلجأ إليه أشخاص اضطرتهم إليه الظروف المعيشية الصعبة ، كالفقر وتفشّي البطالة والمرض ،واليتم والتفكك العائلي والانقطاع المبكر عن الدراسة والهجرة الى المدن وقلة الحيلة وشعـور الفرد بالتهميـش والحرمـان والإقصـاء … لكن (التسول الاحترافي) هو الأكثر انتشارا بعد أن تبين لممارسيه ان مد اليد طريقة سهلة ومضمونة للكسب السريع ، وأن دخول هذه الحرفة أسهل من دخول أية مهنة أخرى ، كما لا يتطلب ولوجها أية شهادات أو مهارات يدوين ، فقط قليل من ( التصنديل ) الجرأة ومهارة في التمثيل ، هذه المهارة التي يمكن للمرء أن يتبينها من خلال أنواع الوسائل التي يعتمدها المتسولون في مهنتهم مثل :
– افتعال الإصابة بعاهات أو إعاقات بدنية مثل الذين يتقنون طي الذراع أو الرجل لدرجة يتخيل معها الناس أن الشخص فعلا يعاني من عاهة وبالتالي فهو يستحق العطف.
– التجوال في الشوارع صحبة شخص يبدو الوقار من مظهره ويتصنعان الحزن ويدعون أنهم اضطروا للتسول ليس لأنفسهم ولكن لكفن وتشييع شخص فقير أدركته المنية .
– توزيع أوراق صغيرة في الحافلات والمقاهي مكتوب فيها ( انا شاب او فتاة عاطل عن العمل وامي تعاني من المرض فارجو من المومنين مساعدتي حتى اعود لها بالدواء) وبجانب هذا آيات من القرءان او الأحاديث أو الادعية.
– ادعاء المتسول انه حديث العهد بالخروج من السجن ولا يملك ما يؤدي به ثمن السفر الى بيت والديه ، ويربط ادعاءه بدعوات للمتصدقين وبحمد الله على نعمة التوبة التي منعته من تدبر امر سفره بالقوة او السرقة .
– التسول بالاطفال والادعاء بمرض او موت او اختفاء معيلهم .
– تقديم بعض الخدمات البسيطة كمسح زجاج السيارة او حمل الاكياس او بيع الحلويات البسيطة .
وأغلبية المتسولين يترددون في البداية ،ولكنهم بعد التجربة تتغير نظرتهم للأمر ، اذ سرعان ما يدركون أنهم اختاروا الطريق الصحيح الذي يضمن لهم لقمة عيشه اولا ثم يكونون من خلاله ثروة يتقون بها صروف الدهر . وهنا تحضرني قصة طريفة قرأتها ونسيت صاحبها وهي ( ان مهندسا اعجب بفتاة تمتهن التسول مع ابيها ، فتقدم لخطبتها منه ، لاعجابه الشديد بها من جهة وأملا في إنقاذها من التشرد وشظف العيش من جهة أخرى ، فرحب الاب بالامر غير انه اشترط على المهندس ( العريس ) ان يتسول معهما لمدة اسبوع ،حتى لا يعيرها يوما ما بأنها متسولة ، فقبل العريس (المهندس) على مضض ، وانخرط مع خطيبته وصهره في حرفتهما ، لكنه في اليوم الثالث من بدئه لعملية التسول ، إذ انخرط في بكاء ونحيب ، ولما استفسره الشيخ عن سبب بكائه ، كانت المفاجأة لما اقر ان سبب بكائه هو “ندمه على السنوات التي قضاها في الهندسة في حين ان التسول تجارة مربحة لا تتطلب جهدا ولا تبور مع مرور الأيام”. وهكذا، يتضح ان التسول في المغرب اصبح فنًا ومهنة تدر المال الوفير في وقت وجيز.
لا يختلف اثنان في أن نتائــج التســول عديـدة ومضاعفاتهـا خطيـرة لا على الفرد فحســب، بل على المجتمــع كله ، ومن اهم هذه المضاعفات
– الاساءة الى صورة المغرب أمام العالم ، وخصوصا امام الزوار الذين يقصدون بلدنا للسياحة او الاستثمار
– الإنحـراف بشتـى أنواعـه سـواء على المستـوى الأخلاقي والفكـري.
– تنامـي ظاهـرة الإجـرام داخـل المجتمـع مما يسبب تهديـدا وإخـلالا بالإستقـرار والأمـن العام، فأصبحـت عصابـات منظمـة تقـوم بعمليـة السرقـة والنصب والإحتيـال والإعتـداء على ممتلكــات المواطنيـن .
– انتشــار الفوضى في الشوارع والازقة وفي الأماكـن العموميـة، الأمـر الـذي أصبـح يهدد راحة سلامـة الأفـراد.
والتسول مذموم في الاسلام ، فالنبي صلى الله عليه وسلم حرم الصدقة على نفسه وحرمها على أهله ، وأقواله صلى الله عليه وسلم تنفر منها
”اليد العليا خير من اليد السفلى”، ”ما أكل امرؤ طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده،“
وعمر رضي الله عنه يقول : “لأن يحمل احدكم حبله فيحتطب خير له من ان يتكفف (يمد كفه ) الناس ، اعطوه او منعوه” .
كما ان القانون المغرب يصنف اشكالا من التسول في خانة الجريمة
– يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر من كانت لديه وسائل التَّعيُّش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة، ولكنه تعود ممارسة التسول في أي مكان كان. الفصل 326
– يعاقب من ثلاثة أشهر حبسًا إلى سنة كل متسول، حتى لو كان ذا عاهة أو معدمًا، استجدى بإحدى الوسائل الآتية: 1 استعمال التهديد 2 التظاهر بالمرض أو ادعاء عاهة 3 تعود استصحاب طفل صغير أو أكثر من غير فروعه. 4 الدخول إلى مسكن أو أحد ملحقاته، دون إذن مالكه أو شاغله. 5 التسول جماعة، إلا إذا كان التجمع مكونًا من الزوج وزوجته أو الأب أو الأم وأولادهما الصغار، أو الأعمى أو العاجز ومن يقودهما. الفصل 327
– يعاقب بالعقوبة المشار إليها في الفصل السابق من يَستخدم في التسول، صراحة أو تحت ستار مهنة أو حرفة ما، أطفالاً يقل سنهم عن ثلاثة عشر عامًا. الفصل 328
اذا كان هذا موقف الاسلام من التسول والقانون الجنائي المغربي يجرم جل اشكال التسول ، فأين نحن مهما كدولة اسلامية أو كدولة الحق والقانون .
علي لحبابي