تحول قطاع التعليم الخاص لدى البعض إلى مجرد استثمار الهدف منه الربح المادي، دون مراعاة لأهدافه التربوية وكونه بديلا لما يعيشه التعليم العمومي من إخفاقات. ودون اعتبار لما يتعرض له الآباء والأمهات من استنزاف مالي وهدر لمستقبل أطفالهم
أجمع العديد من أولياء أمور تلامذة قطاع التعليم الخاص على قصور الأداء التربوي لمجموعة من المؤسسات التعليمية، وضعف بنياتها التحتية ومواردها البشرية. وارتفاع المصاريف المالية لولوجها مقارنة مع عطاءها التربوي. سواء تعلق الأمر بمصاريف التعليم أو النقل أو التأمين. وضعف تدخل الوزارة الوصية على مستوى التتبع والمراقبة والإشراك الفعلي والمشاركة إلى جانب مؤسسات التعليم العمومي. بالإضافة إلى هيمنة مالكي تلك المؤسسات الخصوصية والمديرين المؤسسين، والحجر الدائم على عمل ومهام المديرين التربويين. والتلاعب في عمليات التقييم والزمن المدرسي والمواد المدرسة. ويشتكي أصحاب تلك المؤسسات الخاصة من التهميش المقصود والدائم للقطاع الخاص من طرف الوزارة ومرافقها الجهوية والإقليمية. حيث يتم إقصاء تلامذتها من المنافسة في أغلب الأنشطة الموازية (المسابقات الرياضية والثقافية والبيئية..). ويتم التقليل من قيمة أطرها الإدارية والتربوية.
حذف مواد دراسية مفروضة من طرف الوزارة
معظم المؤسسات الثانوية الخصوصية، تحذف من برامجها مواد دراسية مفروضة من طرف الوزارة الوصية.. وخصوصا على مستوى السنة الأولى والثانية باكالوريا.. حيث يتم الاستغناء عن كل المواد الدراسية التي لا يمتحن فيها التلامذة مع اقتراب مواعيد الامتحانات الجهوية أو الوطنية.. أما بالنسبة لمادة التربية البدنية فناذرا ما تمارس داخل الثانويات الإعدادية والتأهيلية، لغياب مرافق خاصة بها، فيما يلجأ البعض إلى ربط شراكات مع أصحاب مرافق عمومية أو خاصة من خارج الثانويات، من أجل الاستفادة من ملاعبها الرياضية. حيث يرغم التلامذة على التنقل إلى خارج مؤسساتهم من أجل إنجاز حصتي التربية البدنية الأسبوعية. وما تشكله من خطورة على صحتهم وسلامتهم وهدر للزمن المدرسي. يقع هذا في ظل غياب أو قصور المراقبة التربوية من طرف المديريات الإقليمية للتعليم. وفي ظل النقص الحاد في أطر التفتيش التربوي. أما معظم المدارس الابتدائية الخصوصية، فتولي اهتماما أكثر بمحتويات مجموعة الكتب المدرسية والمناهج (المفرنسة). على حساب البرامج التعليمية المقررة من طرف الوزارة. حيث تفرض على التلامذة كتب ومقررات باللغة الفرنسية غالية الثمن. في الوقت الذي تعاني فيه تلك المدارس من ضعف اداء الأساتذة المتعاقدة معهم. وعدم قدرتهم على فهم واستيعاب تلك المقررات الأجنبية من أجل تعليمها للتلامذة. وهو ما يجعل بعض المدرسين، يثقلون يوميا كواهل التلامذة وأولياء أمورهم بفرض الرد على مجموعة من الأسئلة المتواجدة داخل تلك الكتب الدخيلة.
(النفخ) في نقط المراقبة المستمرة يفسد العملية التعليمية بالقطاع
إن أكبر جريمة تربوية ترتكب داخل مؤسسات التعليم الخصوصي، هي جريمة التقييم الخاص بالتلامذة. وخصوصا عمليات التلاعب في نقط المراقبة المستمرة الخاصة بالسنة الثالثة إعدادي والثانية باكالوريا. حيث تمنح للتلامذة نقط لا علاقة لها بمستواهم التعليمي. من أجل الرفع المعدلات السنوية، وتمكنيهم من الحصول على الشهادة الإعدادية أو الباكالوريا. والعملية تتم بتواطؤ واضح بين الإداريين ومجموعة من الأساتذة، غالبيتهم يدرسون بالتعليم العمومي، همهم الوحيد الاستمرار في العمل بالمقابل المادي داخل تلك المؤسسات. بل إن بعض المؤسسات تعمل على مد بعض التلامذة الكسالى، بالأجوبة الخاصة بالفروض والواجبات المحروسة. لكي يدونها بأوراق الأجوبة الخاصة به. وتكون دليلا على صحة تلك النقط المزورة التي تمنح لهم وتبرير لها في حالة حلول لجن تربوية للتفتيش والمراقبة. فتلامذة السنة الختامية من الباكالوريا يعتمدون على نقطة المراقبة المستمرة (المعامل واحد) تضاف إلى نقطة الامتحان الجهوي (العامل واحد) ونقطة الامتحان الوطني (المعامل اثنان)، ويكفي الرجوع إلى بيانات نقط عدة مؤسسات خاصة للوقوف على أن هناك تلاميذ حاصلين على نقط تقارب 20 من 20 في المراقبة المستمرة، في الوقت الذي تجد فيه نقطهم الخاصة بالامتحانين الجهوي والوطني لا تتعدى 4 أو 5 من 20… وهذا ما اغضب محمد حصاد الوزير السابق لقطاع التعليم. الذي اضطر إلى الكشف عن لائحة بأسماء 32 مؤسسة ثانوية تأهيلية خصوصية، قال إنها منحت التلميذات والتلاميذ نقطا غير مستحقة في المراقبة المستمرة خلال الموسم الدراسي الماضي. لكنه لم يكن منصفا. بإغفاله الحديث عن ست جهات. فبعد نشر اللائحة على موقع الوزارة الرسمي. تبين أنها ضمت مؤسسات خصوصية تنتمي ترابيا لست أكاديميات فقط من بين أكاديميات التربية والتكوين البالغ عددها 12. وكان نصف عدد تلك المؤسسات ينتمي إلى جهة الدار البيضاء/ سطات. مبادرة حصاد الذي تم إعفاءه من منصبه، لم تلق استحسانا من طرف أولياء أمور التلامذة. بعد أن تبين بجلاء أن من قاموا بالبحث والتقصي تعمدوا إغفال مجموعة من الثانويات الخاصة، التي تتاجر في نقاط المراقبة المستمرة. وأن اللائحة ضمت فقط المؤسسات المغضوب عنها من طرف بعض مديريات التعليم. ويتعلق الأمر بتصفيات حسابات ليس إلا… كما أنه لم تتم الإشارة إلى الطريقة التي نهجتها الوزارة من أجل كشف تجاوزات تلك المؤسسات. والأدلة والقرائن المعتمدة في ذلك. ولم يتم ترتيب الجزاءات اللازمة لوقف عمليات التلاعب في نقط المراقبة المستمرة.
التمييز الدائم بين تلامذة القطاع العمومي والخاص
أدت تلاعبات بعض المؤسسات التعليمية الخصوصية في عمليات التقييم. إلى ترسيخ ظاهرة التمييز بين نتائج التلامذة المنتمين للقطاعين العام والخاص. هذا التمييز لم يعد حديث الشارع المغربي، فقط بل امتد إلى داخل الوزارة ومديرياتها الإقليمية. ويتجلى هذا التمييز نهاية كل موسم دراسي. وعند الاحتفال بالتلامذة المتوجين. حيث تلجأ معظم المديريات إلى وضع لوائح المتفوقين الخاصة بتلامذة القطاع الخاص وحدهم. ويتم تتويج المتصدرين مثلا لنتائج الباكالوريا في كل الشعب بالقطاعين العام والخاص كل على حدة. مما يبين عدم ثقة الوزارة في تقييم القطاع الخاص.
تلامذة القطاع الخاص ممنوعون من التظاهرات الرياضية المدرسية الرسمية
يعاني تلامذة المؤسسات التعليمية الخصوصية من حرمانهم من المشاركة في المنافسات الرياضية التي تنظمها الجامعة الملكية للرياضة المدرسية، إلى جانب زملائهم بقطاع التعليم العمومي. والسبب يعود إلى عدم انخراطهم في الجامعة. فرغم ما يؤديه من أموال باهضة أولياء أمورهم سنويا لتلك المؤسسات الخصوصية. فإن هذه الأخيرة لم تنتبه إلى ضرورة تأسيس جمعيات للرياضة المدرسية، تكون فروعا للجامعة الملكية للرياضة المدرسية. وفرض انخراط التلامذة بها. علما أن ثمن الانخراط السنوي لا يتعدى 20 درهم. كما أن الوزارة وإداراتها الجهوية (الاكاديميات) والإقليمية (المديريات)، لم تبادر إلى فرض تأسيس فروع لجمعيات الرياضة المدرسية، وهو ما يتسبب في حرمان التلامذة من المنافسات الرياضية، ويحد من صقل مواهبهم الرياضية. كما أن معظم تلك المؤسسات الخصوصية لا تمكين تلامذتها من حصص التربية البدنية الأسبوعية. إما بسبب انعدام الملاعب الرياضية داخلها. أو بسبب تهميش إداراتها لهذه المادة الحيوية. فمجموعة من الآباء أصبحوا يفضلون التعليم الخاص ليس طمعا في تعليم شاف، ولكن أملا في رفع المعدلات السنوية أو من أجل حمية اطفالهم من العنف الذي يتربصهم بالشارع العام ومحيط المؤسسات العمومية.
ثانويات تعتمد على أساتذة التعليم العمومي
تعتمد معظم ثانوية التعليم الخصوصي على أساتذة التعليم العمومي. المفروض أن يحصلوا على إذن مسبق من المديريات الإقليمية للتعليم، من أجل إجراء ساعات إضافية، لا تتعدى مجملها خمس ساعات أسبوعيا. إلا انه ناذرا ما يتم اللجوء إلى المسطرة الرسمية ولا حتى احترام عدد ساعات العمل المحددة. ولعل أبرز ما يعاني منه القطاع الخاص في تعامله مع هذه الفئة من المدرسين. هو صعوبة امتثالهم لتعليمات الإدارات، وعلمهم المسبق بضعف أو غياب المراقبة سواء على مستوى التدريس أو التقييم. كما أن إدارات بعض المؤسسات تعمد إلى البحث عن أساتذة يسهل التعامل معهم عند عمليات التقييم. أكثر من بحثها على أساتذة أكفاء قادرين على تعليم التلامذة. وخصوصا على مستوى الثالثة إعدادي والثانية باكالوريا. حيث الحاجة الملحة إلى نقط المراقبة المستمرة. وناذرا ما تلجأ تلك المؤسسات إلى التعاقد مع مدرسين خواص من حاملي الإجازات والماستر.. هذه الفئة التي لا يتم إنصافها لا من حيث الراتب الشهري ولا مستوى التعامل اليومي والعلائقي بينها وبين الإداريين. وعدم الاعتراف بها من طرف الوزارة الوصية. وخصوصا في عمليات المراقبة والتصحيح للامتحانات الإشهادية وكذا حرمانها من التكوين المستمر والمشاركة في البحث العلمي والتربوي. فقد عبّر معظم أطر الإدارة التربوية والمدرسين بالقطاع الخاص الذين التقتهم الأحداث المغربية عن اسيتائهم من كون الوزارة تعتبرهم مدرسين وحراسا عامين ونظارا ومديرين من الدرجة الثانية ويتجنب مسؤولوها، المحليون والجهويون، التعامل معهم في بعض الملفات الحساسة، متسائلين كيف يتم رفض مشاركتهم في تدبير امتحانات الباكالوريا مثلا وكيف لا يتم استدعاء الأساتذة والأستاذات غير الموظفين بالقطاع العمومي للحراسة وتصحيح أوراق التلاميذ وكيف تهمل باقي الأطر الإدارية من المشاركة. حيث يمنع مدير مؤسسة خصوصية ثانوية حتى من ولوج الثانوية التي يكون داخلها تلامذته يجتازون الامتحانات.. ؟؟
المدير التربوي تحت رحمة مالك المؤسسة
يعاني المدير التربوي (المرادف لمدير المدرسة العمومية) من هيمنة وحجر المدير المؤسس أو مالك المؤسسة، المعروف ب(مول الشكارة). والذي لا يكتفي بالتدخل في شؤون ومهام المدير التربوي، وفرض ما يريده داخل المؤسسة، بل يصر على لعب دور المدير التربوي حتى في علاقته مع المديرية الإقليمية للتعليم أكاديمية التربية والتكوين. كما أن بعض المسؤولين الإقليميين والجهويين للتعليم، يتجاهلون المدير التربوي. ويفضلون التعامل مع المدير المؤسس الذي لا علاقة له بكل ما هو تربوي.
غياب تمثيلية أولياء أمور التلامذة بالقطاع الخاص
تتغاضى معظم مؤسسات التعليم الخاص عن تأسيس جمعيات آباء وأولياء أمور التلامذة. لتفادي ما قد تتعرض له من انتقادات رسمية وتكتلات قد تعرقل أهدافها ومراميها. وبالمقابل فإن إدارات تلك المؤسسات تستفرد بكل أب أو أم على حدة وإرغامه على القبول بتنفيذ قراراتها التي غالبا ما تكون صادرة عن مالكيها البعيدين كل البعد عما هو تربوي صرف. كما يجعلها تستفيد ماديا من تنظيم أنشطة موازية ورحلات استكشافية وسياحية.. بل إن هناك مؤسسات تعليمية فتحت محلات بقالة داخل فضاءها في غياب أية مراقبة أو حماية للتلامذة.