محمد عزيز الوكيلي
مرة أخرى أعود إلى مسألة التمييز هذه، لأن التسطيح والمغالطة المبيَّتة قد طفح كَيْلُهما بكل دلالات الكلمة!!
“الفلسطينيون” شعب مغبون في أرضه، في حريته واستقلاله وسيادته إلى إشعار آخر… دولته مجرد كيان صوري يرأسه رجل لا تاريخ له… رجل يقضي لياليه الحمراء في بيت وزير للدفاع الإسرائيلي، هو صديق عمره، وهو صلة الوصل بينه وبين مصالح الموساد، ولذلك يحرص على زيارته والسهر معه في بيته كلما قام برحلة أو زيارة لأي بلد عربي أو مسلم، وكلما تلقّى من بلد الاستضافة مبلغا من المال تقتضي أصول العمالة أن يذهب به إلى حميمه، وزير الدفاع سالف الإشارة، ليقتطع منه نصيب الخزينة الإسرائيلية قبل ان تقع بقاياه في يد أحد أبناء الرئيس عباس، وهو ابن صار اسمُه أشهرَ من نار على عَلَم، بما يعرفه عنه الخاص والعام من المتاجرة بكل شيء، وحتى باللا شيء!!!
هذا عن رئيس دولة فلسطين، ولم يكن الأول ولا الأخير الذي انحرف بالقضية عن مسارها الأصيل، الذي انطلقت مشاويره منذ سنة 1948، إذ قد تناقلت وسائل الإعلام العربية والعالمية أنباء الإرث الثقيل الذي تركه المرحوم ياسر عرفات لزوجته وابنته، اللتان صارتا بين يوم وليلة من مقتله مسموماً أشهر من نجمات هوليود، خلال فترة من الزمن على الأقل، قبل أن يعمل كثيرون على الدفع بهما رويداً رويداً إلى دائرة النسيان درءاً للفضيحة!!!
فماذا عن رئيس تنظيم حماس؟
دعوني، فقط لا غير، أنقل عن إسماعيل هنية صورة موجزة من خلال موقفَيْن له متناقضَيْن وفي منتهى الغرابة، يهمنا أمرهما كمغاربة بشكل خاص:
الموقف الأول: وهو يزور المملكة المغربية، ويتصل بمسؤوليها وسياسييها، ويصرح فيها لوسائل الإعلام المفربية والدولية بأنه يمتنّ للمفرب ملكا وحكومة وشعبا على دعمه المستديم للقضية الفلسطينية، ثم وهو يعدد بعض أشكال الدعم التي بذلها المغرب بلا صخب، وبلا بهرجة…
منها الجهد المالي الوازن لبيت مال القدس، الذي يموّله المغرب بالدرجة الأولى، والذي يسهم فيه الملك شخصيا بالنصيب الأكبر من التمويل…
ومنها المستشفيات الثابتة والمتحركة، المدنية والعسكرية، التي أنشأها المفرب بأمر من الملك في غزة والقطاع، والتي يشرف عليها المفرب ماليا وإداريا وتقنيا ومهنياً، ويمدها بكل لوازم التجهيز التقني والتكنولوجي وبالموارد البشرية الضرورية…
ومنها أيضا الجسور الجوية لطائرات هرقل العملاقة، المحملة بين كل رحلة وأخرى بكل ما يحتاج إليه القطاع من تجهيزات، وأغطية، وملابس، وأدوية، ومواد غذائية وغيرها من ضروريات الحياة اليومية…
كل هذا لا يجد القيادي الفلسطيني إسماعيل هنية أدنى حرج في تعداده وتكرار إحاطته بعبارات ومشاعر الشكر والامتنان!!!
أما الموقف الثاني، وهنا موطن الغرابة، فبمجرد مغادرته للديار المغربية، نجد صوره وتصريحاته وهو يتبختر في صحبة كبرانات النظام الجزائري، الذين لا يدعون الفرصة تمر دون اختطافه بمجرد مغادرته للتراب المغربي، وملء جيوبه بدولارات الشعب الجزائري، المحتاج إلى كل سنتيم يُصرَف من مقدَّراته على غيره من شعوب الأرض، ويستغلون ذلك لدفعه دفعاً مبرحا إلى زيارة مخيمات الذل والعار في تيندوف المحتلة، وأخذ صور له مع المرتزقة الجاثمين على صدور ساكنة تيندوف المحتجزين بقوة السلاح والنار، والإدلاء بالمناسبة بتصريحات تمجّد نضال الشعب الصحراوي، والأكثر من ذلك والأفظع، “تشبيهه للشعب الصحراوي بشعب فلسطين المغبون في ارضه وحريته واستقلاله”… وهلمّ عبثاً وحربائية!!!
هذا الرجل، ورئيس دولته، والرجلان معاً من نفس الطينة، لا يشبهان في شيء نوعين آخرين من الفلسطينيين:
النوع الأول، يشكله الشباب المغرر به والمغسول دماغه منذ طفولته الصغرى، من مقاتلي حماس المتمنطقين لكل أنواع الأسلحة، وقد تدربوا على استعمالها وأعمارهم لم
تبارح الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، وربطوا جباههم بأحزمة كتبت عليها عبارات الشهادة، استعدادا للموت بمجرد صدور أول إشارة من لدن القائد هنية ومن معه من المتحصنين في مخابئهم المصنفة في خانة الخمس أو الست نجوم!!!
هؤلاء الشباب المساكين، لا يملكون أدنى قدرة على فهم ما يدور حولهم، فهم مجرد قنابل موقوتة، ومحض “أجساد ميتة مع وقف التنفيذ”… وبالتالي فلا يد لهم فيما وقع وفيما سيقع أو لا يقع… ينتظرون حتفهم فحسب، وحتفهم معلق على رأس لسان القيادي الذي سيصدر عنه الأمر بالانطلاق عبر سماعات الهواتف، ومن بعيد منتهى البعد، لأن هؤلاء القادة لا يمتلكون الشجاعة ولا الجراة على النظر في أعين هؤلاء الشباب المساكين وهم يصدرون إليهم الأمر بالانطلاق، أو بالأحرى، الأمر بالانتحار والانفجار!!!
النوع الثاني: هم الفلسطينيات والفلسطينيون البسطاء، الذين تظل صرخات الاستغاثة تصدر عنهم تباعا، جيلا بعد جيل، منذ اواخر أربعينات القرن الماضي إلى غاية يومه… وما زالوا يطلقون نفس الصيحات ونفس الأنات المبكية والمفجعة، لأنهم ليس لهم في هذه الحياة سوى دور واحد: وهو تلقّي وتحمّل نتائج وعواقب غباء ومكر القادة الفاسدين، وتهوّر الشباب الأموات، المغرر بهم، الذين يشكّلون الوسيلة والأداة، والذي يكونون هم ايضاً، جيلاً بعد جيل، على أهبة الاستعداد للقيام بهجمات لم يُبدوا رأيهم في جدواها، لأنهم لم تتم تربيتهم ولا تحضيرهم أصلا لطرح أي سؤال حول الموضوع، لكونهم بكل بساطة لا يملكون حتى مجرد القدرة على طرح السؤال لجهلهم المُقيم بكل الأسئلة!!!
مرة أخرى… أرجو أن يتفهم القارئ هذا الإصرار على التفريق بين “فلسطينيين” و”فلسطينيين آخرين”، لأن الفارق صارخ فكراً وفعلاً ونتيجة…
ورجاءً أن يتفهم القارئ أيضاً ما معنى أننا نتألم ونشارك “فلسطينيين بسطاء” مآسيهم وأوجاعهم ومآلاتهم السوداء الكالحة… ونرفض في الوقت ذاته ما يفعله “فلسطينيون آخرون” لا ينتمون إليهم إلا بأدبيات الكلام… ولا شيء آخر غير مجرد الكلام!!!
____________
محمد عزيز الوكيلي*
* إطار تربوي.