دخلت قضية الابتزاز والارتشاء التي أحد أطرافها خليفة قائد موقوف عن العمل بالمحمدية وعون سلطة برتبة (شيخ) لازال يزاول مهامه. مراحلها الأخيرة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، بعد 18 جلسة عمومية، كانت آخرها جلسة أمس الثلاثاء. حيث تم الاستماع إلى الضحية محمد الغنامي الذي كشف عن كل أطوار عملية الابتزاز التي تعرض لها من طرف الخليفة، والتي مكنت الخليفة من تلقي رشاوي بلغت حوالي ثلاثة ملايين سنتيم، ضمنها مبلغ مليون سنتيم تسلمه شخصيا عن طريق وكالة لتحويل الأموال. وخمسين لتر زيت الزيتون و30 ملغ من الزيتون. مقابل السكوت على ما اعتبره بناء عشوائي قام به المشتكي بمنزله الكائن بحي الوحدة. وقد أجلت إلى الجسلة رقم 19 التي حدد لها تاريخ يوم 28 ماي المقبل. حيث سيتم الاستماع إلى الخليفة ومعه صاحب شركة لتعليم السياقة، يعتبر من أبرز وسيط وشاهد عما جرى بين الضحية والخليفة.
ويسود الغموض حول تخلي محامي الخليفة خلال فترة جلسات المحكمة الابتدائية، عن متابعة الدفاع عنه في مراحل الاستئناف. وكذا حول ردود الخليفة وعون السلطة (الشيخ)، التي جاءت في معظمها متنافية مع ما صرحا بها لدى الشرطة القضائية وكذا خلال الجلسات الابتدائية. وهي الردود التي قد تعيد عقارب الساعة إلى وضعها الصحيح. وتنصف المشتكي. بعد أن تخلى (الشيخ) عن اتهام ابن المشتكي وزوجته بالاعتداء إليه. والتأكيد على أنه يجهل من قام بالاعتداء عليه لحظة اقتحامه مع الخليفة وأفراد من القوة العمومية (غير المرخصة) محل المشتكي. كما اعترف بتلقيه مبلغا ماليا مقابل الاعتداء الذي طاله، وأنه لم يتقدم بأية شكاية في الموضوع.
كما أن الخليفة وجد صعوبة في إقناع هيئة المحكمة والنيابة العامة بما تلقاه من رشاوي، وما قام به من عمليات حجز لزرابي المشتكي، وكذا محاولة دخوله منزل المشتكي. واصطحابه أفراد من أعوان السلطة والقوات المساعدة تابعين لعدة مقاطعات إدارية. وكذا عدم توثيقه لعملية الاقتحام وما يزعم بانه تعرض له من اعتداء.
وقد حاول محامي الخليفة الطعن في محضر قاضي التحقيق بابتدائية المحمدية. الذي كان قد استمع إلى تسجيلات تورط الخليفة، في عملية تلقي مبلغ 10 آلاف درهم من ابن المشتكي. والتي يعتبرها المشتكي عملية ابتزاز مكشوفة.
وكشف دفاع المواطن المشتكي محمد الغنامي عن الحكم الابتدائي الغيابي في الشكاية المباشرة التي كان قد تقدم بها المرحوم المحامي الحقوقي طارق السباعي. والذي برأ المشتكى به من تهمة الابتزاز. حيث انتقده واعتبره غير منصف. إذ كيف يعقل أن تدار الجلسات في غياب المشتكيان (محمد الغنامي وابنه). في غياب أي مبرر لعدم استدعاءهما. بعدما توفي المحامي واضع الشكاية.
وكان الراحل الرئيس السابق للهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب. وقف على أن ملف القضية لا يتوفر على التاريخ الذي أحيل فيه الملف من النيابة العامة على الجلسة الابتدائية العمومية. وهو ما كشف عنه أحد محاميي الضحية، وما أقرته القاضية رئيسة الجلسة بعد اطلاعها على الملف.. وهو خطأ لم يعرف بعد هل كان متعمدا، أو أنه بفعل فاعل..
وقد فاجأ الراحل طارق السباعي كل الحضور، بنسخة من شكاية مباشرة من أجل الابتزاز وضعها في نفس اليوم لدى رئيس المحكمة، وسلمها للقاضية رئيسة الجلسة. والتي وبعد أخذ ورد.. رفعت الجلسة مؤقتا للتأمل، قبل أن تعود وتعلن تأجيل الجلسة. في الوقت الذي كان الكل ينتظر أن تكون آخر جلسة ابتدائية.
شكاية السباعي، تقدم بها باسم المواطن الضحية محمد الغنامي وابنه، ضد الخليفة (ح، ع) . أكد فيها على أن التهمة تتعلق بالابتزاز، وليس الارتشاء كما تم تحويره من طرف النيابة العامة وقاضي التحقيق. موضحا أن الأفعال التي ارتكبها الخليفة منصوص عليها في الفصل 538. منتقدا قرار قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية الذي تابع المشتكى به من أجل الارتشاء والعنف. مؤكدا أن هناك حقائق تثبت أن المواطن الغنامي تعرض للتهديد والابتزاز.. وأن هناك أدلة وقرائن تؤكد ذلك. وأن وثائق الملف تؤكد أنه تم إجبار المشتكي على توقيع وثيقة تتضمن حقائق تترتب عنها عقوبة جنحية، وتندرج تحت طائلة القيام بالتهديد والابتزاز. موضحا أن القرص المدمج المرفق بالملف، تضمن استسلام المشتكي لابتزاز المشتكى به، وأنه صرح بأنه أعطاه كل ما طلبه ابتزازا. حيث طلب منه 50 ألف درهم، وهجم عليه بداره وحجز له زرابي زبنائه، ومارس عليه شتى ضروب الابتزاز مستقويا بسلطته كقائد. ورفض إرجاع الزرابي إلى أن مكنه من باقي الرشوة التي فرضها عليه.
وأضاف السباعي في شكايته المباشرة أن الوسيط (ع.خ) أكد وساطته أثناء المناقشة، ونصحه بأداء الرشوة التي طلبها القائد(الخليفة). ولم يتوقف عن الاتصال به بالهاتف ليعطي ثلاثة ملايين رشوة.
وبرر طارق شكايته المفاجئة. بقصور أداء قاضي التحقيق. حيث أن قرار الإحالة لم يضمن مقتضيات الابتزاز و الثابتة ثبوتا شرعيا من خلال كل الوقائع التي نوقشت شفاهيا وحضوريا أمام المحكمة. وهو ما دعاه إلى المطالبة بإضافة الفصل 538 من القانون الجنائي. مبرزا أنه من حيث الدعوى العمومية، فإن الوقائع تؤكد ضرورة اعتماد الفصل 538. ومن حيث الدعوى المدنية التابعة، فإن العارض تضرر من الأفعال التي اقترفها المشتكى به .. ولم يطلب السباعي سوى درهم رمزي لجبر الضرر ..
وكانت المحكمة الابتدائية المحمدية قضت في هذا الملف، بسنة نافذة حبسا في حق الخليفة مع غرامة نافذة ألف درهم بعد أن أدانته بتهمة الإرتشاء. ونزلت بنفس الحكم على المشتكي المواطن (الغنامي)الرجل الأمي الذي أدانته بتهمة الإرشاء. علما أنه ضل يردد رفقة دفاعه بأنه كان يتعرض للابتزاز. بينما برأته هو وكل أفراد أسرته (زوجته، ابنه، صهره) من تهمة إهانة موظفين أثناء مزاولتهم لمهامهم، كما برأتهم من تعنيف الموظفين (خليفة القائد، الشيخ..). علما أن خليفة القائد كان قد اتهم زوجة المشتكي وابنه وصهره بالاعتداء عليه. بل إنه تلفظ في إحدى جلسات المحكمة، بتهمة (ساقطة) في حق الزوجة المحافظة. وقد تبث للمحكمة براءتهم التامة منها. وقضت في نفس منطوق الحكم بتغريم خليفة القائد مبلغ 10 آلاف درهم لكل واحد منهم. إلا أن المحكمة لم تقض بشيء بخصوص هذه التهمة الملفقة لابن المشتكي وزوجته وصهره. وقد تمت جرجرتهم لأزيد من سنة أمام مكاتب الأمن الوطني والمحكمة. خليفة القائد الذي تم إعفاءه من مهامه قبل أسبوع من طرف وزير الداخلية، وإحالته على المجلس التأديبي بخصوص ملفات فساد أخرى. في مقدمتها تهمة البناء العشوائي بالجماعة القروية الشلالات، التي سبق وتمت تبرئته منها قضائيا. مما يدعو إلى التساؤل حول من حقيقة ما يجري ويدور ..
وبرأت المحكمة بشكل يدعو إلى الجدل عون السلطة (الشيخ) الذي تسلم بدورهم مبلغ 3000 درهم من يد المواطن الغنامي، بعد أن ادعى أنه تم الاعتداء عليه من ٍطرف أفراد من أسرة المواطن المشتكي. علما أن نفس منطوق الحكم يؤكد براءة أفراد أسرة المواطن من تهمة إهانة موظفين عموميين ومن تعنيفهم. مما يعني أن مبلغ 3000 درهم ليس تعويضا عن الضرر. وعلما أن (الشيخ) لا يحق له التنازل ولا القبول بأي تعويض عشوائي، عن أي اعتداء طاله أثناء مزاولته مهامه. لأن الأمر يتعلق بالاعتداء على رجل سلطة.
نفس المحكمة قضت بعدم مؤاخذة المشتكي ابن المواطن الغنامي، الذي تحول داخل رفوف المحكمة إلى متهم بالمشاركة في الإرشاء، وقبلها إلى متهم بإهانة موظفين والاعتداء عليهم، علما أن لا أحد من الموظفين تقدم بشكاية لدى وكيل الملك بخصوص هذه التهمة الأخيرة. وحكمت عليه المحكمة بأربعة أشهر حبسا موقوفة التنفيذ وغرامة ألف درهم. كما تمت مؤاخذة المتهم الوسيط مالك سيارة تعليم السياقة، من أجل المشاركة في الإرشاء وحكمت عليه بأربعة أشهر موقوفة التنفيذ وغرامة ألف درهم نافذة.
منطوق الحكم الابتدائي لقي تنديدا شديدا من طرف المواطن الغنامي الذي اعتبره غير منصفا. وأكد أنه سيستأنف الحكم. وأن ثقته كاملة في القضاء المغربي، الذي سينصفه عاجلا أم آجلا. ولمح أحد المحامين بهيئة دفاع المشتكي أن الحكم كان متسرعا، وكأن جهات تسعى إلى التخلص من القضية التي عمرت طويلا بمحكمة المحمدية. مؤكدا أنه لا يعقل أن تحكم المحكمة بنفس الحكم في حق المشتكي والمتهم.. وأضاف أن الحكم يوحي وكأن تلك الجهات تسعى إلى جعل المشتكي يسعى إلى التنازل. وهو ما نفاه المشتكي في تصريح لبديل بريس. حيث أكد أنه لن يقبل بأي تفاوض أو مساعي في أية اتجاه. وأنه لا بديل من إنصافه من طرف القضاء المغربي.