أزيد من ثلاث عقود هي المدة الزمنية أو (العمر)، التي قضاها الأستاذ والمثقف المبدع الحاج عز الدين العراقي على رأس إدارة ما يعرف ب(دار الثقافة ابن سليمان) قبل أن ينهي مساره المهني بحصوله على التقاعد… فترة كان خلالها الإداري والأب والراعي والمدبر والباحث في التراث والهوية السليمانية… عمل بجهد وبدون كلل أو ملل.. وبوسائل بدائية وإمكانيات جد محدودة من أجل ترسيخ مفاهيم الثقافة والفن والإبداع والعمل الجمعوي. وتمكن من جمع شمل وشتات الكفاءات المحلية، وتخزين وصقل عصارتها. رسم الطرق والمسالك للعديد من الأطفال والمراهقين والشباب… وأعاد الحياة لثلة من الرجالات والنساء المثقفين والمقاومين والمؤمنين بأهمية الدعم والمشاركة والتطور…وجعلهم يواظبون على زيارة الدار (العراقية) والمشاركة في أنشطتها الثقافية والفنية والاجتماعية والإنسانية.تسلل التقاعد خلسة إلى ملف الرجل الذي كان في قمة عطاءه. ليوقف مساره ومسيرته الحافلة بالعطاء والسخاء. ويحرم رواد الدار من ذاكرة ومذكرات المدينة الخضراء.. تلك الشخصية العظيمة التي طوت وزارة الثقافة كتابها… لازال في جعبتها الكثير. ولازالت قادرة على إنعاش الذاكرة السليمانية، وتطوير أساليب توظيفها لتكون القدوة والقائد، ومن أجل ترسيخ مدرسة (العراقي)، وتمكين رواد الدار من مياه بئر ثقافية، ومضخة تراثية، يمكن أن يسقوا بها بدورهم وشتلاتهم باعتماد نظام قطرة قطرة
(goute a goute)
جاءت المبادرة من جمعية الأيادي البيضاء… مبادرة تكريم الحاج عز الدين العراقي. تلك المبادرة التي وإن اعتبرها كل من حضروا الحفل بخزانة بلدية المنصورية، (دار الثقافة مع وقف التنفيذ). أنها ذات قيمة عالية، فإنها أماطت اللثام عن جرح دفين في قلب هذه المدينة التي تأكل أبناءها. وتقتات من دماء وعرق مبدعيها ومثقفيها. ولا تؤمن بطرب وألحان منشديها وعاشقيها. إذ كيف يعقل ألا يتم تكريم هذا الهرم تكريما لائقا تدعمه العمالة والمجلس البلدي والوزارة الوصية والفعاليات المحلية والإقليمية، ورواد الدار السابقون، ويعدون بالمئات… برعوا في المسرح والغناء والرسم والتشكيل والسينما والكوميديا والدراسة …. ألا يستحق هذا الرجل أن يخصص هؤلاء و أولائك ساعة أو ساعتين من حياتهم، لرد الجميل لإنسان كان يدعم من ماله الخاص أنشطتهم وتداريبهم ورحلاتهم… في الوقت الذي كانت فيه وزارة الثقافة تقطر الشمع على السليمانيين. وتسخر من الأطفال والشباب وحتى البلدية التي بنت بناية الدار… لم تبادر تلك الوزارة التي تحل سنويا بالمدينة من أجل تنظيم المهرجان الوطني للزجل، حتى إلى منح المدينة، دارا للثقافة. وضلت منذ إنجاز البناية وحتى الآن. تعتبر تلك البناية (ملحقة ثقافية). بدليل أن كل الحاج العراقي ضل طيلة عمله بها مكلفا بالإدارة وليس مديرا. كما وهو الشأن بالنسبة للمسؤول الثقافي الجديد. ليست لدينا دار للثقافة، ونحن لم نجدا حرجا في كتابة دار الثقافة على واجهتها. كما لم نجد حرجا في تسمية خزانة بلدية المنصورية ب(دار الثقافة). وهي غير معترف بها حتى لدى المديرية الجهوية للثقافة. كما لم نجد حرجا ونحن نرى أن مدينة بوزنيقة التي تزخر بالطاقات المبدعة والواعدة، ليس بها دار الثقافة. علما أن الحاج عز الدين العراقي يستحق أن ينهي مساره المهني كمديرا جهويا للثقافة. وأن يخصص له تكريما يليق بالمثقفين الكبار. ويستحق السليمانيون ذكورا وإناثا، يقرئوا ذاكرة هذا الرجل النفيسة.