الرئيسية / بديل تربوي / الحلقة الأولى من ظواهر تربوية : تلميذات يستعرن من مهن آبائهن وأمهاتهن .. كذبن في هويتهن وعناوين منازلهن تجنبا لإهانة وذل محيط لا يرحمهن ..

الحلقة الأولى من ظواهر تربوية : تلميذات يستعرن من مهن آبائهن وأمهاتهن .. كذبن في هويتهن وعناوين منازلهن تجنبا لإهانة وذل محيط لا يرحمهن ..

ارتأيت في هذا الركن التربوي الذي اخترت له عنوان (ظواهر تربوية)، أن أعالج أسبوعيا ظاهرة تخص التلامذة والطلبة .. قد تتعلق بالدراسة أو التكوين او السلوك أو المحيط… أملا في أن  أساهم قدر الإمكان في معالجتها أو المساهمة ولو بقدر بسيط في لفت الاهتمام إليها… أتمنى أن يلقى هذا الركن استجابة وتجاوب المعنيين والمهتمين والمسؤولين. وأن نعمل معا على توسيع نطاق المشاركة والمناقشة…. بوضع تعليقاتكم في المكان المخصص لها بالجريدة. او بعث بحوث علمية أو ميدانية على البريد الالكتروني للجريدة من أجل نشرها…

 

الحلقة الأولى حول موضوع تنكر بعض التلميذات لوضع أسرهن المتردي :  تلميذات يستعرن من مهن آبائهن وأمهاتهن .. كذبن في هويتهن وعناوين منازلهن تجنبا لإهانة وذل محيط لا يرحمهن ..

 

 … خديجة  قوتها ممزوج بالذل والهوان و فاطمة ينادونها  بالنينجا الصغيرة وأحلام  تطلب السماح على  كل ما تفعله في الخفاء ورقية خسرت الدراسة و العرسان  وراضية  كرهت اسمها ولم تعد  راضية على عمل أمها (الكسالة)…

 

 

 

 

 

 

بين ضمير قاصر لم يستفق بعد من غفوة الأحلام ، وشهوة نفس صغيرة حصدت كل القيم والتقاليد التي عاشت الأسر المغربية ترسخها في الأبناء والأحفاد، تعيش مجموعة من التلميذات المنحدرات من أسر فقيرة حالات انفصام في الشخصية مقصودة تهدفن من وراءها طمس الوضع المزري  لأسرهن والمهن الحقيقية لوالديهن، وتحاولن تقديم أنفسهن لزميلاتهن وزملائهن بمظاهر مزيفة (عناوين مزورة لمنازلهن ومهن أو وظائف وهمية  للأب أو الأم، وروايات طويلة عن أمجاد الأسرة والأقارب وطموح الأسرة الكبير، واستعدادها للدعم المالي والمعنوي من  أجل مستقبل أبناءها وبناتها..)، توحي لهن المظاهر المبتدعة من طرفهن، بأنها الجسر الذي ييسر التواصل ويوطد الاحترام وسط محيطهن، وأن الإفصاح عن حقيقة وضعهن الاجتماعي قد يجعلن أضحوكة الشارع والمدرسة، وتكون سببا في احتقارهن وفضحن أمام أقرانهن.

موضوع تنكر بعض الفتيات لوضع أسرهن المتردي، أو بسبب مهنة أو وظيفة لأحد الوالدين يجدن فيها نوع من الاحتقار أو الإهانة لهن، طرحته بديل بريس على العشرات من التلميذات من عدة مدن مغربية، فعبرت الفئة المناهضة لفكر طمس حقيقة الأسرة والأبوين عن مدى فظاعة التنكر لحقيقة الوالدين، بينما كان لفئة المتنكرات لأسرهن أجوبة اعتبروها كافية لتبرير تصرفاتهن الغامضة اتجاه أسرهن، وهي تصرفات تهدد مستقبلهن.

 

 

 

 

خديجة من المحمدية (16 سنة)

قوتها ممزوج بالذل والهوان داخل محيط لا يرحم

 

لم أعد أطيق الذهاب إلى الثانوية وملاقاة زميلاتي وزملائي، ولا حتى التبضع أو التجوال رفقة أمي. فكل ساكنة الحي يعرفونها خادمة بيوت تتنقل بين الأسر، ينادونها ب(الشريفة) أو (الحاجة)، وهذا شرف كبير لأمي الأرملة، لكن ما إن يقتربون منها حتى يطلبون منها إن تلتحق بهم في اليوم الموالي من أجل تنظيف الملابس وغسل الأواني أو إعداد وجبات الغذاء…فيبتسمون في وجهي ويختمون كلامهم مع أمي بعبارات تختلف بين( آش خاصك آ الشريفة)، أو (غير ما يكون غير خاطرك)، وكلما مرت الأيام، كلما زادت معرفة الناس بي، وأصبح القليل منهم من يناديني باسمي، فكل من وجه التحية إلي يناديني (كيدايرة آبنت الشريفة)، وأنا أعلم أنهم ينادونني في داخلهم ب(بنت الخدامة) و(يستهزئون مني)، بل إن العديد من الشباب، باتوا يلاحقونني وفي نيتهم أنني لقمة صائغة يسهل استدراجي للفساد. وأخاف أن يتسرب خبر مهنة أمي إلى داخل الثانوية التي أدرسها ومحيطها الذي لا يرحم.

إن مهنة أمي أصبحت تشكل لدي كابوسا حقيقيا، شل حركاتي اليومية، وحرمني من مرافقة أقراني، فأنا اقضي معظم أوقاتي عند بعض أقاربي بالأحياء المجاورة، ولن أنكر بأنني كذبت عدة مرات في الاسم والعنوان وهوية الوالدين، أملا في أن أجد لنفسي صورة غير التي تلازمني كلما دخلت الحي الذي أقطن فيه.

صحيح أن أمي تكد وتجتهد من أجل قوت يومنا أنا وأشقائي الثلاثة، وهو قوت يستعصي توفيره( في هذا الزمان)، وأنا أقدر لها هذا كل التقدير، لكنه قوت ممزوج بالذل والهوان داخل محيط لا يرحم.

أحلام من الدار البيضاء (18سنة)

الله يسامحني على كل ما أعمله في الخفاء

 

قد يقول الناس أن أمي عاملة شريفة تعمل رفقة العديد من النساء والرجال داخل معمل، وأنه لا داعي لاحتقار عملها والتنكر لها، لكن وضعي كتلميذة في مقتبل عمرها فقدت الأمل في الدراسة بعد رسوبي عدة مرات بالسنة الختامية للباكالوريا آداب عصرية، لا يمكن أن أقبل بأن أعيش في كنفها وأصرف معها راتبها الهزيل الذي لا يكفينا حتى في التغذية ومصاريف كراء المنزل وفاتورتي الماء والكهرباء. كرهت أن أعيش يوميا وأنا أتابع ما تعيشه باقي الفتيات من رفاهية، ألبسة نظيفة وراقية وحلي وترفيه يومي، وأنا أتضور كل يوم جوعا في انتظار عودة أمي وتدبير ما يمكن تناوله من وجبات خفيفة لا تسمن ولا تغني.

أظن أن الله يسامحني على كل ما أعمله في الخفاء بعيدا عن أعين أمي وكل معارفي، فكل ما أصبوا إليه هو عيشة راقية شبيهة بعيشة باقي نسوة المدينة.

واعترف أنني ما إن التقي بزملائي في الدراسة  أو أشخاص غرباء حتى استوحي من خيالي مجموعة أسماء ومهن راقية لأسرتي، وأنسج عناوين وأوضاع اجتماعية وهمية لأكسب بها ودهم، واستمتع بيومي رفقتهم كفتاة (محترمة)، أعيش يومي وأترك باقي الأيام (على الله). 

 

فاطمة من بوزنيقة (15 سنة)

ينادونني بالنينجا الصغيرة

 مشكلتي في مهنتي والدي الفقيران، أبي مياوم لا عمل قار له، وكثير المرض،  وأمي تعمل في الحقول والضيعات المجاورة للمدينة، في البداية كانت أمي تغطي وجهها بمنديل (فولار)، ولا تظهر سوى عينيها، وهي عادة تسلكها معظم النساء العاملات، لكي لا يتعرف المارة عليهن، لكن مع مرور الزمن افتضح أمر أمي وأصبح الكل يعرفها، خصوصا بعد أن قل العمل، وأصبحت أمي وباقي النساء ينتظرن كثيرا في (الموقف)، أملا في الحصول على عمل، وأصبحت أمي مجبرة على مجالسة باقي النساء الملقبات (بالنينجات)، وضمنهن فتيات ساقطات يتلفظن بكلام نابي يحفز الرجال على مداعبتهن والجري ورائهن. في البداية وبما أنني كنت أتابع دراستي بالمدرسة الابتدائية القريبة من منزلنا الصغير الذي ورثناه عن جدي من أمي، فقد كنت مرغمة على سماع كل ما يقال ويحاك في حق أمي الشريفة، وهي حكايات من وحي خيال أصحابها، لكن ومع مرور الوقت انتقلت إلى مؤسسة إعدادية، لم أعد أطيق الاهانات التي تقذفن بها بعض زميلاتي، عن سمعة أمي، وبعضهن يناديني ب(النينجا الصغيرة)، فصرخت في وجه أمي واستعطفتها من أجل البحث عن عمل آخر بعيدا عن النساء النينجات. لكن لا شيء من هذا حدث. وجاء الفرج بعد أن حصلت على الشهادة الإعدادية ، وانتقلت للدراسة داخل ثانوية تبعد كثيرا عن مكان سكني، ولا يوجد بها زملائي وزميلاتي في الدراسة سابقا. فتبدلت حياتي اليومية وأصبح لي زملاء وزميلات يحترمونني، لكنني كنت مضطرة في عدة مرات إلى الكذب على بعضهم وخصوصا في العنوان ومهنة الأب والأم، وأتجنب في الكثير من المرات الحديث عن الأسر والمستقبل والإمكانيات المالية لكي لا أجبر على الكذب كثيرا، وهو ما قد يفضح أمري ويعيد علي جحيم الأمس القريب الذي لازال يلاحقني.

 

رقية من ابن سليمان (17)

بسبب عمل أمي خسرت الدراسة و العرسان

أنا لا أستعر من عمل أمي التي تبيع (البغرير) كل يوم ابتداء من فترة الزوال وحتى المغرب قبالة المدرسة التي تعلمت فيها لمدة ستة سنوات، فهي تعمل من أجل دعم مصروف البيت، ومساعدتي والدي الجندي المتقاعد، الذي يتلقى راتبا شهريا هزيلا لن يمكن الأسرة من مصاريف التغذية والألبسة والتعليم، لكن المحيط لا يرحم، والأسر عندنا تعطي اعتبار لمهن ووظائف الأسر التي تود مصاهرتها، وبسبب عمل أمي خسرت تعثرت دراستي، وتبخر أملي في العديد من العرسان اللذين ما إن عرفوا بحالتي الأسرية حتى صرفوا النظر عن موضوع الزواج بي، وهو ما جعلني أفضل العيش خارج المدينة عند خالتي،  في انتظار (ولد الناس)، فبسبب فقر الوالدين لم يكن بإمكاني إتمام دراستي، ولم يعد لي من سبيل للنجاة سوى أن يدق عريس باب خالتي، (طالبا راغبا)، وبعدها نجد الطريق الصحيح للقاء والدي دون أن يؤثر وضعهما المالي وعمل أمي على قرار عريسي المرتقب أو أسرته.  ربما أكون خاطئة في تقديري للأشياء، وان من يرفضني بسبب عمل أمي لا يستحقني، لكن الشاب ورغم مستواه الثقافي أو الأخلاقي فهو يتأثر دائما بكلام والديه وإلحاحهما، وناذرا ما سأجد أما و أبا متفقين على أن لا حرج في أن يتزوج ابنهما ابنة بائعة البغرير إن كانت صالحة.

 

راضية من المحمدية (16 سنة)

كرهت اسمي لم أعد راضية على عمل أمي (كسالة)

بدأت أكره مناداتي بإسمي راضية، فأنا لم أعد راضية على ما أعانيه من توتر نفسي وحرمان من حقي  التجوال داخل المدينة، بسبب عمل أمي (كسالة) في حمام الحي، فخلال طفولتي  كنت دائما موضوع سخرية زميلاتي في الدراسة، لا يحلوا لهن الكلام إلا في حضوري… همزات وغمزات عن النظافة وضرورة الاستحمام في (الحمام البلدي حيث توجد أم راضية، ذات الفكين الصلبين والساعدين القويين)، يتغامزن ويتهامسن، ومنهن من يقترح علي التكوين في مجال (تكاسليت) عوض متابعة دراستي، مستعملين المثل المغربي الشائع( قلب البرمى على فمها طلع لبنت لامها). كبرت وكبرت معي كل الإهانات والاستخفاف الذي يطالني من كل من التقيتهم كبارا وصغارا، فقررت الابتعاد عن أصدقاء وزملاء الأمس. وانتقلت إلى مؤسسة بعيدة عن سكني، اخترت لنفسي هوية جديدة  تقيني معاناة الأمس، وتؤهلني لحياة جديدة ولو وهمية، حملت شعار (البحث عن السعادة) دون اعتبار للطرق والأساليب، أوهمتهم الكثير أن الاسم الموجود على البطاقة الوطنية للتعريف ليس هو الاسم المتداول لدى العائلة، وأعدت بناء تفاصيل جديدة لحياتي وعنوان جديد لمنزل  الأسرة، ونسبت نفسي لأسر وعائلات راقية تحمل نفس لقبي.

بل إنني تمكنت من إعادة بناء هيئة جديدة، جعلتني غير معروفة للعديد من زملاء وزميلات الأمس، وبعضهن  تحدث إلي في بعض المناسبات ولم يكتشف هويتي الحقيقية التي يعرفنها سابقا.              

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *