في حضن صاحبة الجلالة
(الحلقة 2) : قدَّر فهَدى
محمد الشمسي
كنت أستشعر ذلك التيار الشديد يدفعني نحو حضن صاحبة الجلالة دفعا، فكلما أقرأ مكتوبا في صفحة أجده لن يغلبني خطه وخط أفضل منه، سيما وهذه اللغة طوع بناني أصنع من أفعالها وأسمائها وحروفها ما أشتهي من الصور، وأكتب بها قصصا وروايات تملأ علي شخوصها وحدتي التي أعيشها في داخلي، وأسطر بها شعرا محملا برؤوس الحرقة وزفرات الفجع، حتى التقيت بطالبة يوم اجتيازي لمباراة المنتدبين القضائيين بكليتي في طريق الجديدة، أرشدتني الطالبة إلى ما كنت أصبو إليه، هناك معهد متخصص في التكوين الصحفي بدرب عمرـ تقول المتحدثة ـ وهو يناسب طموحك وجموحك، وجدت المعهد باهظ الثمن، مقارنة مع ظروفي وإمكانياتي، لكن نطفة الفكرة رميت في ذهني ولَقَحَت لَقْحا، ثم باتت علقة تدغدغني، فمضغة تهزني، كي أكسي عظامها من لحم صاحبة الجلالة، وما “أقسح” رأسي حين يعزم، فهو يقطع صلته بباقي الحواس، وقد لا يتوكل حتى، ولا يميز بين الربح والخسارة، وهو الذي لم يعد لديه ما يخسره، فلا بد من ولوج المعهد الموعود لاكتساب مهارة العمل الصحفي، فأن تنساب اللغة لينة مرنة بين يديك لا يشفع لك هذا وحده في الاستظلال بظل صاحبة الجلالة، ولأن صاحب الحاجة أعمى كما يقولون، فقد رتبت الخطة لدخول ذلك المعهد من الباب أو من النافذة لا فرق عندي، هي خطة أقرب إلى السير فوق حقل ألغام ، أتدبر مبلغا ماليا كقرض، و أفتح به حسابا بنكيا، واستصدر دفتر شيكات، وأقنع إدارة المعهد بقبول شيكاتي ضمانا لوفائي، ثم أستمر في تجارتي السائبة في السلع القادمة من شمال المملكة (الفنيدق) وأسدد من أرباحها أقساط المعهد، وأحرز شهادتي التي تعيد لي بعضا من كبريائي المخدوش، هكذا كانت حصيلة حساباتي، لا أراها سوى آمنة هادئة، كنت أفكر لوحدي، وطبعا (اللي حسب بوحدو يشيط ليه)، ولم أكن متوجسا من (حساب الكاشوش)..
ومرة أخرى يتحرك ذلك التيار الذي يسحبني نحو الصحافة سحبا، ويأتيني برياح أكثر مما أشتهي أنا وسفينتي، فقد أطلقت الدولة برنامجا تروم من خلاله دعم حاملي الشواهد الجامعية في حصولهم على تكوين ييسر لهم ولوجهم الى سوق الشغل، وأعلنت الدولة تكفلها بنفقات ذلك التكوين، شعرت حينها وكأن الدولة تكفر عن جريرتها معي، وأنها تمد لي يد العون والصلح لتنتشلني مما أوقعتني فيه بعدما خدعتني باحتجازي في أقسامها وجامعتها لسنين ولتسلمني بعد رحلة عمر شهادة وجدتها غير كافية لوحدها على تحقيق ما كنت أحلم بتبوئه من مناصب…
تدبرت أمر عقد تدريب صوري، وتخلصت من كوابيس الاقتراض والبنك والشيكات التي قد تعجل بدخولي لمؤسسة أخرى غير معهد الصحافة، وأصبحُ على ما فعلت خبرا في صحيفة، وأنهيت الوثائق المطلوبة مع (لانابيك)، وهاأنذا طالب من طلبة معهد الصحافة والإعلام..