قبل سنتين نشرت الصحيفة الأمريكية ( نيويورك تايمز)، خارطة جديدة للشرق الأوسط. بين فيها صاحب المقالة (روبن رايت)، كيف أن الصراعات القبلية والعرقية والطائفية والدينية، ستؤدي إلى إحداث عدة دويلات. وأبرز الصحفي أن خمس دول بالشرق الأوسط تعيش مخاضا عسيرا، سينتهي بولادة 14 دويلة فوق ترابها. وخص الصحفي المستبصر كل من السعودية، التي قال إنها ستنقسم إلى خمس دويلات. وهي : دويلة في الشمال، والثانية في الغرب وتشمل مكة والمدينة المنورة، ودويلة في الجنوب على الحدود مع اليمن، ودويلة في وسط البلاد سماها وهابستان وشملت العاصمة الرياض، والدويلة الخامسة هي الدمام الواقعة في الشرق وغالبيتها من الطائفة الشيعية. كما قسم سوريا إلى ثلاث دويلات، وهي : علويستان، وكردستان السورية، وسنيستان السورية. كما قسم ليبيا إلى ثلاث دويلات، حيث أعادتها إلى ما كانت عليه في العصر الروماني، وأعاد ظهور إقليم تريبوليتانيا الذي يضم العاصمة طرابلس والأقاليم المجاورة لها، و إقليم سيرينايكا الذي يشمل بنغازي والشرق الليبي، وإقليم فزان بالجنوب والجنوب الغربي للجماهيرية السابقة. وأعاد اليمن إلى ما قبل الوحدة سنة 1990 ، وقسمها إلى يمن شمالية عاصمته صنعاء ويمن جنوبي عاصمته عدن. و قسم العراق إلى كردستان العراق وسنيستان العراق وشيعستان العراق.
.. وطبعا فهذا الصحفي لا يهدي. ومقالته لم تكن نتاج حلم .. وأسماء تلك الدويلات، ليست كلمات أطلقها في الهواء من وحي خياله.. بل إن معلوماته بناها على تحريات دقيقة وواقع لا شك أنه استقاه من داخل مطبخ صناع القرار العالمي، الذين يقتاتون من تلك الصراعات، ويؤمنون بمنطق (فرق تسود). ويجدون فيها ملاذهم للتدخل في شؤون تلك الدول، واستنزاف ثرواتها. وبناه على حصاد الربيع العربي، الذي لم يترك خلفه سوى الدمار والخراب والحروب الأهلية واللاستقرار. وترقب الشعوب ما تفرزه المفاوضات والمبادرات التي تنسج خارج بلدانها.. وطبعا فهذا الصحفي يدرك جيدا أن صناع القرار العالمي ومهندسي تلك الخارطة، هم من يدفعون في اتجاه هذا التشكيل الجديد.. الذي تعثر بسوريا. لأن واضعي الخارطة، لم يشركوا باقي قوى العالم، وخصوصا روسيا والصين واليابان و…
مجموعة من الدول زلزلت أنظمتها وكسرت، وأعدت ثرواتها كوجبات طازجة، وضعت على طبق من ذهب، في انتظار أن يتم تناولها على مهل بالشوكة والسكين. في مقدمتها العراق وليبيا واليمن وتونس ومصر .. منها ما تم جبر أنظمتها أو تغييرها مؤقتا، ومنها ما تزال جريحة بدون قيادة..وكان من المفروض أن يعرج (الماستر شاف) إلى موائد (التغلاق ديال بصح) بالسعودية ودول الخليج وباقي دول المغرب العربي، بعد تناول وجبة (السمك) بسوريا… لكن وجبة (السمك) السوري، كادت تفقد (الماستر شاف)، حاسة الذوق والكلام.. بعد أن علقت أشواكها بحنجرته. وعلق معها برنامجه الغذائي كاملا.. وبات ينتظر تدخل أطباء جراحين من أجل إنقاذه ما يمكن إنقاذه بدون خسائر فاضحة.. ويمكن القول أن (بشال) الذي خيب آمال الأسود بافتراسه الأبرياء، كان بالفعل ثعلبا ماكرا. استطاع أن يحرك الصراع الخفي بين صناع القرار. وإخراجه إلى العلن. ليصدق عليهم المثل المغربي المعروف(ما شافوهمش وهم يسرقون.. لكن شافوهم وهم يتقاسمون الغنيمة)… خارطة صناع القرار، لها امتدادات أخرى فضلوا عدم الكشف عليها للصحفي..لكي لا تقع الفتنة بينهم. فكلما زاد حجم الكعكة المراد تقسيمها، كلما زادت الصراعات بينهم حول كيفية التوزيع..
الخارطة ليس واقعا حتميا لما تفرزه ميادين العرب وشوارعهم من عنف وشغل. ولكنها عصارة حلم صناع القرار..ونتيجة مخططات عاشوا ينفذون في مراحلها اتباعا فوق أراضي تلك الدول..مستغلين قوما جسدوا ما سبق وحذر منه الشاعر والمرشد والاديب أحمد شوقي في بيتين شعريين من قصيدته (قم للمعلم وفه التبجيلا)، حيث قال : وإذا أصـيبَ الـقومُ في أخلاقِهمْ .. فـأقمْ عـليهم مـأتماً وعـويلا .. وإذا الـنساءُ نـشأنَ فـي أُمّيَّةٍ … رضـعَ الـرجالُ جهالةً وخمولا).. إذ تحولت الشعوب العربية إلى حطب، يستعمل في إشعال نيران الثورات مجهولة الأهداف والمرامي.. أنظمة فاسدة وشعوب ضالة لا يمكن أن تنتج أنظمة بديلة..ومتربصون يتغذون ويستدفئون من شعوبها وثرواتها..
احتجاجات وغليان في الشوارع، تتحول إلى مجازر ومقابر .. فتنة نائمة قد يوقظها جندي أو شرطي متهور أو محتج .. وقد يوقظها قناص من خلف نافذة عمارة أو فوق سطحها.. والأغرب أن تجد من يغذي تلك الفتنة، ويناولها أقراص مضادة للنوم… إما بالدعم المادي أو الإعلامي أو حتى إيفاد قناصة أجانب كما وقع ببعض الدول العربية، لاغتيال بعض المحتجين.. جنود أجانب محترفين يأتون من أجل زرع فتنة (مستوردة) لا تعرف للنوم سبيلا…