يعم استياء كبير في صفوف أولياء أمور التلامذة ، وكذا مجموعة من الأساتذة حول واقع مادة الرياضيات المتردي، ودورها الخافت والضعيف في تنمية القدرات الذهنية للتلامذة. وخصوصا بعد عملية التعريب، والانتقال من التدريس بالمفاهيم العامة، إلى التدريس بالأمثلة والحالات الخاصة. أساتذة مرتبطون بالبرنامج الزمني، والدروس والمناهج المفروضة. يعانون من الاكتظاظ وعدم تجاوب ونفور التلامذة. يسارعون الزمن من أجل إنهاء المقرر السنوي. وإخضاع التلامذة لتقييمات (امتحانات) غير ذات جدوى. في ضل ما تفرضه الخريطة المدرسية من قرارات همها استمرار تواجد التلامذة بالمدارس لأكبر عدد من السنوات.. حيث تم إنجاح تلامذة إلى مستويات أعلى رغم فشلهم في التحصيل الدراسي. وحصولهم على معدلات دون 10 من 20. بل هناك من يتحصلون على نقط جد ضعيفة، قد تصل إلى الصفر في مادة الرياضيات. ومع ذلك يتم نقلهم إلى القسم الموالي.. ولعل الظاهرة تم رصدها من طرف المجلس الأعلى للتربية والتكوين، الذي انتبه في رؤيته الإستراتيجية، إلى ضرورة حث الأساتذة على استدراك النواقص لدى التلامذة، قبل البدء في تلقينهم دروس جديدة. عوض الكشف عن تلك النواقص خلال شرح الدروس. والتي قد تجعل التلامذة المتأخرين في التحصيل الدراسي السابق، غير قادرين على استيعاب الدروس الجديدة.
الرياضيات لتصنيف الأذكياء والتوجيه المدرسي
تلعب مادة الرياضيات بالمغرب، دورا كبيرا في تصنيف التلامذة، وتقييم ذكائهم. وتعتبر الفاصل الأساسي في عمليات التوجيه المدرسي، نحو الشعب الأدبية والعلمية والتقنية. إلا أن صعوبة التحصيل الدراسي للمادة بسبب ما سبق ذكره، وتخاذل بعض المدرسين في عمليات التقييم، يجعل عملية التصنيف جد غامضة. ويتسبب في الفشل الدراسي والهدر المدرسي لمجموعة من التلامذة. العديد من التلامذة الذين فشلوا في التحصيل لمادة الرياضيات وطردوا من المؤسسات التعليمية. نجدهم داخل ورشات إصلاح السيارات والمطالة واللحام والشركات.. يبدعون ويبتكرون..قادرون على تفكيك السيارات والأجهزة الالكترونية وإصلاحها بدون أدنى تكوين.. مما يؤكد سوء تقدير وقياس لذكاء هؤلاء التلامذة. وأن هنا خلل في هذه المادة العلمية، التي تعتبر أم العلوم. أما بخصوص التوجيه المدرسي. فإن معظم مجالس الأقسام، ترتكز على نقطة مادة الرياضيات من أجل الفصل بين التلامذة العلميين والأدبيين والتقنيين. وغالبا ما يتحول التوجيه نهاية السنة الثالثة إعدادي، إلى عملية فصل بين التلامذة المجتهدين (العلميين) وزملائهم الكسالى (الأدبيين). ويتضح هذا جليا بأقسام الجذوع المشتركة العلمية والأدبية بالثانوي التأهيلي. حيث معظم التلامذة الأدبيين ضعاف المستوى التعليمي. أكثر من هذا فإن التلامذة الموجهين إلى الشعب الأدبية. يؤمنون بأنهم لن يتمكنوا من استيعاب دروس مادة الرياضيات. وهو ما يدفعهم إلى إهمال تلك المادة التي تدخل سنويا ضمن المواد المدرسة لهم. فلا هم يحضرون ويتابعون حصصها المعتمدة أسبوعيا، ولا هم جادون في اجتياز الفروض والامتحانات الخاصة بها. ولا هم يخجلون من الحصول على نقط متدنية تصل حتى الصفر..
الدعم المدرسي والساعات الإضافية غير ذات جدوى
يعاني التلامذة المتعثرين دراسيا في مادة الرياضيات من غياب برامج وآليات التحصيل اللازمة سواء داخل المؤسسة التعليمية أو خارجها. فرغم أن الوزارة الوصية تفرض على الأطر التربوية، بناء على مذكرة وزارية، ضرورة إجراء حصص الدعم المدرسي. سواء في حدود ساعات العمل المقررة أسبوعيا، أو في إطار التطوع. فإن عمليات الدعم تعترضها موانع، متمثلة إما في النقص في الموارد البشرية أو في قاعات التحصيل. بالإضافة إلى أن أغلب المدرسين يلجئون خلال حصص الدعم المدرسي إلى إنجاز مجموعة تمارين. عوض التركيز على فرض استيعاب الدروس.. كما أن التلامذة لا يستفيدون من حصص الساعات الإضافية التي يجرونها بالمقابل المادي خارج أسوار مؤسساتهم. والأسباب تختلف بين ضعف الكفاءة للمدرس، والتركيز على التمارين، أو الاكتظاظ أو اختلاف المستويات أو الدروس.
الرياضيات حفظ وتطبيق واجتهاد
أجمع معظم أساتذة مادة الرياضيات، أن أخطر ما يمكن أن يعرقل التعلم لدى التلميذ، هو شعوره الزائد بأنه ذكي وعبقري، وأنه ليس في حاجة إلى استيعاب القواعد والخاصيات والطرق المنطقية لحل التمارين. مشددين على ضرورة أن يمتلك التلميذ رصيدا معرفيا في الرياضيات. وأن يعمل تدريجيا على تنمية وتوسيع دائرة هذا الرصيد. لتمكن من تسلق سلم الرياضيات بنجاح. وتأكد لهم أن التلميذ مطالب بالاستفادة من ملكوت الحفظ لديه. وأن له الخيار في أن يحفظ الدروس عن ظهر قلب، أو استيعابها عن طريق مجموعة من الأنشطة. قبل أن يمر إلى مرحلة التطبيق لما حفظه أو استوعبه من دروس. ثم الاجتهاد في حل تمارين تستوجب بالإضافة إلى الحفظ والتطبيب الذكاء والمهارة في الربط بين ما له من رصيد معرفي. ولهذا السبب فإن الأساتذة يعتمدون في تحرير الفروض والامتحانات على وضع مجموعة من التمارين، تزداد صعوبتها تدريجيا.. بعضها يتطلب الحفظ، وبعضها يتطلب التطبيق، وأخرى تتطلب الاجتهاد.. وهو تقييم يمكن من تصنيف التلامذة.
مصطلحات عربية دخيلة تنتهي صلاحيتها بعد الباكالوريا
معضلة أخرى تزيد من معاناة التلامذة. مرتبطة بتلك المصطلحات الدخيلة على قاموس اللغة العربية، والتي تم اختيارها لتدريس مادة الرياضيات، من طرف خبراء الترجمة، كبديل للمصطلحات الفرنسية واللاتينية. تلك المصطلحات التي ضلت حبيسة المواد العلمية المدرسة بالتعليم المدرسي بأسلاكه الثلاثة. ولم يتم توسيع دائرتها اعتمادها داخل وخارج المدرسة. بل إن تلك الكلمات الدخيلة قد تجد لها معان أخرى في مجالات الآداب والفنون والثقافة والعلوم الإنسانية و… كما أن التلميذ مطالب بنسيانها بمجرد ولوج الكليات والمعاهد والمدارس العليا. والبحث عن ترجماتها باللغة الفرنسية. قال خالد الصمدي كاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، إن لغة التدريس، منظور شمولي مندمج ينبغي أن يواكب بشكل دائم ومستمر.و ينبغي أن نختار اللغة المناسبة للتدريس، والتمييز بين اللغة العالمة ولغة التواصل. مشيرا إلى مركز التعريب الذي يقوم بمجهود كبير جدا في إصدار قواميس اللغة العربية فيما يخص المواد العلمية و معاجم المصطلحات. وأضاف أنه على اللغة العالمة أن تواكب عملية التعريب والترجمة وكل ما يتعلق بالمنشورات العلمية. وأنه أحيانا يكون تأخر كبير في ترجمتها من الإنجليزية إلى العربية . لأن المغرب يتعامل بلغة وسيطة وهي اللغة الفرنسية. حيث ينتظر حتى تتم الترجمة إلى الفرنسية لترجمتها إلى اللغة العربية. كما يجب على لغة التواصل أن تبسط في التدريس. واللغة العربية قابلة للانتقال من المستوى الأكاديمي المتميز إلى المستوى التواصلي البسيط بدرجات مختلفة ومتعددة . رافضا الوصول إلى الدارجة. كما أكد على ضرورة تعليم الأساتذة وتكوينهم فيما يتعلق بلغة التدريس. كما تأسف بسبب عدم تجديد الكتاب المدرسي أحيانا. كتب أنجزت سنة 2003 وتبقى مستمرة لعدة سنوات، علما أن المصطلحات العلمية والمعطيات تتغير. واعتبر أن مراكز المصطلحات العلمية تجتهد وتطور المفهوم وتخرجه في صيغته الجديدة، لكن المدرس والتلميذ لازال يعمل بكتب مدرسية قديمة. وختم الحديث تكنولوجيا الإعلام والاتصال. حيث لم يعد المصدر هو المعجم الذي قد يتم اقتناءه أو توزيعه من طرف المدرسة. وأن التلميذ يبحث عن الترجمة باستعمال أجهزة الكترونية (طابليت، هاتف، حاسوب). وقد يقع في خلط ما بين الترجمات. إلى ذلك أكد الصمدي أن هناك عدة منظمات معتمدة رسمية يعتبر المغرب عضوا بها. تهتم بمجال التربية والثقافة والعلوم كالمنظمة الإسلامية (الايسيسكو)، والتي لها دور كبير في توحيد المفاهيم والقيم والمصطلحات. والتي لا يستفيد المغرب من تواجدها مقرها بالمغرب.كما أن هناك المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة (اليكسو)، مقرها في تونس . من مهامها الأساسية الاشتغال على توحيد المصطلحات العربية. والمشكل أن منتوج هذه المنظمة غير مسوق بما فيه الكفاية بالمدرسة المغربية.
أستاذ يرد على أسباب تدني نقط مادة الرياضيات
كتب أحد المدرسين لمستوى الثالثة إعدادي ردا على استفسار كتابي توصل به من مدير المؤسسة حول أسباب تدني نقط مادة الرياضيات. أن السبب الأول يعود على طبيعة المادة البنائية والمتشابكة، ترتكز على ضبط القواعد البسيطة منذ التعليم الابتدائي. موضحا أن الوزارة لجأت إلى التعاقد مع المجازين في الفيزياء لسد الخصاص في أساتذة مادة الرياضيات بالنظر إلى قلة التوجه الرياضياتي بالجامعات. كما اعتبر أن السبب الثاني يعود إلى جدول الحصص الزمنية المقررة أسبوعيا، حيث يرغم الأستاذ على تدريس الرياضيات لكل المستويات التعليمية الثلاث. كما انتقد تصنيف التلامذة داخل كل قسم. مؤكدا أنه يتم جمع التلامذة النجباء داخل أقسام معينة. ويترك باقي التلامذة المتعثرين. وهو ما يبين الفارق في مستويات التحصيل بين الأقسام. وختم بانتقاد مسطرة النجاح في السنة الأولى والثانية إعدادي. حيث نجح تلامذة حاصلين على معدلات تتراوح ما بين 7 و9 من 20. وأن نقط مادة الرياضيات لهذه الفئة جد متدنية. مما يؤكد فشلهم في التحصيل لمادة الرياضيات. فكيف يمكنهم تحصيل دروس أصعب لمستوى أعلى ؟.
سيموح العماري: الحقيقة المرة لتعريب الرياضيات
لقد عرف التعليم بالمغرب تطورا كبيرا مباشرة بعد الاستقلال حيث أقبل المغاربة على تعليم أبنائهم بشكل كبير وغير مسبوق ، ومع مرور الوقت أصبح تلامذة الطبقات الشعبية يصلون الى الجامعات والمعاهد العليا ولم تعد حكرا على أبناء الأعيان … ومن ناحية أخرى فقد أدت هذه الطفرة التعليمية الى الوعي المتزايد بالمطالب الشعبية وبالتالي انخراط الشباب في السياسة وفي المؤسسات ذات الطابع الاجتماعي والنقابي … ركوبا على موجة السبعينات …
لكن مع الأسف الشديد كانت في المغرب لوبيات تدِعي الوطنية وتتحكم في دواليب الأمور بشكل مباشر أو غير مباشر لكنها تعمل في الخفاء ضد مصلحة المغرب… هاته اللوبيات لم تستسغ أبدا أن يصبح أبناء الشعب أطباء … ومهندسين حتى لا يضايقوا أبناءهم … حين جاءت الفرصة لهِؤلاء واستولوا على وزارة التعليم أيام عز الدين العراقي ووجدوا الفرصة جد ملائمة لمحاربة المد الشعبي، لعبوا لعبتهم الجهنمية لضرب جميع مكتسبات الشعب مرة واحدة وبضربة قاضية… ففرضوا تعريب الرياضيات والمواد العلمية الأخرى على أبناء الشعب، تحت ” تغطيات مقدسة ” لتكميم الأفواه !!… وأرسلوا أبناءهم للدراسة في أمريكا باللغة الإنجليزية.
أضف الى ذلك أن كثير من هؤلاء الانتهازيين يمتلكون الآن مدارس خصوصية، ومن مصلحتهم أن يبقى الوضع على ما هو عليه لأنهم يبيعون البديل الذي يبحث عنه المغاربة وهو تدريس اللغات الأجنبية وتدريس المواد العلمية باللغتين العربية والفرنسية ، وهكذا فهم المستفيدون من أزمة التعليم التي يعيشها المغاربة ويربحون الأموال الطائلة على حساب الشعب وفي نفس الوقت يظهرون أنفسهم كمدافعين عن هوية الشعب وعن همومه لكي يربحوا سياسيا كذلك من خلال الانتخابات ليحكموا سيطرتهم على رقاب المغاربة فهم كما يقول المغاربة كالمنشار … طالع واكل … نازل واكل . وقد حاول وزير سابق وهو السيد الهلالي أن يتصدي لعملية التعريب حينما كانت على أبواب الوصول الى التعليم الثانوي ، حيث أكد في اجتماع رسمي أنه لا ينبغي أن نعود الى الفرنسية بل وجب علينا أن ندرس المواد العلمية بالإنجليزية لأنها لغة العلم … واعتقد الأساتذة والمفتشون الحاضرون في الاجتماع آنذاك أنه سيتم التراجع عن التعريب … لكن الغريب في الأمر أنه وبعد انصراف الوزير شرع المشرفون عن التأطير في الحديث عن التعريب وكأن الوزير لم يقل شيئا … والمفاجئة هي أن هذا الوزير “طار” بعد مرور أيام قليلة ولم يعد وزيرا واستمر مخطط التعريب ولا أحد تحدث عن هذا الرجل مرة ثانية…
مفتش ممتاز لمادة الرياضيات سابقا