لن يختلف اثنان حول ضعف خدمات قطاع الصحة المدرسية داخل وخارج الزمن الكوروني. وتأثير ذلك سلبا على النمو الفكري والجسدي والنفسي للتلاميذ. و بات من الواجب إعادة النظر في البرامج الصحية المعتمدة سنويا داخل المؤسسات التعليمية العمومية، والتي تنجز بناء على مذكرات وزارية، أو جهوية، غالبا ما تكون غير ذات جدوى وفاعلية. مذكرات من المفروض تفعيلها بشراكة مع وزارة الصحة، ومديرياتها الجهوية والمحلية.. أو مع القطاع الخاص.. تبقى حبيسة اجتهادات موظفي الوزارة الوصية..بدون أدنى تأثير على واقع الصحة المدرسي المتردي.. فحوصات طبية تجرى داخل المؤسسات التعليمية بدون عتاد طبي وقاعات للفحص. مؤسسات يزورها ممرض فقط بدون طبيب لفحص مئات التلاميذ، و مدارس أخرى لا أحد يفحص تلامذتها.. بل إن الدفتر الصحي المدرسي الخاص بكل تلميذ، لا أحد يهتم به، لا من طرف الإدارة ولا من طرف المصالح المختصة، ولا من طرف الأطباء والممرضين الذين يفحصون التلميذ طيلة فترة دراسته.. دفتر صحي يقتنيه الأب أو الوالي من المكتبات، ويضعه رهن إشارة مدير المدرسة، عند التسجيل بالقسم التحضيري.. بهدف تتبع حالته الصحية.. يضل ضمن الملف المدرسي للتلميذ، ويسافر معه من المدرسة الابتدائية إلى التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي.. ويسحبه التلميذ فارغا عند حصوله على شهادة الباكلوريا، لكي يقدمه عند التسجيل بالكلية أو المعهد العالي..بعد أن يعرج به على طبيب لوضع ختم مزور عليه..
عندما نعلم أن حوالي 100 في المائة من الأطفال في سن التمدرس يلجون المدارس الابتدائية، وأن الوزارة الوصية تضع برنامجا سنويا من أجل الحفاظ على صحة التلاميذ.. يتضمن المعالجة والتطبيب والمصاحبة الطبية والتكفل بالحالات المزمنة في صفوف التلميذات والتلاميذ.. فإن الكل يتوقع أن كل الأطفال المغاربة في صحة جيدة. وأنه لا خوف على الأجيال القادمة من الأمراض والأوبئة.. وربما قريبا كنا سنطالب بتقليص عدد المستشفيات، وتوسيع شبكات الملاعب الرياضية والمركبات الثقافية.. لكن وللأسف فإن المنظومة التربوية الصحية بالمغرب، تعيش حالة موت سريري، تصعب معها كل محاولات الإنقاذ أو الإنعاش.
ضعف الخدمات الصحية بالتعليم المدرسي، يقابله غياب تام للمراقبة الصحية داخل المؤسسات الجامعية من كليات ومدارس ومعاهد. حيث تحتضن بعض الكليات آلاف الطلبة. (كلية الحقوق عين الشق بها أزيد من 23 ألف طالب وطالبة). والمفروض أن تحدث داخلها مراكز صحية بأطر طبية دائمة. كما هو معمول به وفق قانون الشغل بالشركات والمصانع.
ضرر آخر تفرزه خدمات الإسعاف اليومية للتلاميذ، بسبب الطرق والأساليب العشوائية وغير القانونية التي تسلكها إدارات المؤسسات التعليمية، وخصوصا الثانوية منها، من أجل إسعاف التلامذة المصابين بأمراض مفاجئة أو حالات غيبوبة أو الذي يتعرضون لحوادث وأخطار داخل الأقسام أو فضاءات المؤسسات الترفيهية والرياضية. حيث تتم الاستعانة في غالبية الأحيان بسيارات الإسعاف التابعة للوقاية المدنية. في ضل النقص الحاد في سيارات الإسعاف، الذي تعرفه الجماعات الترابية والمستشفيات، وتلاعب البعض بخدماتها. حيث يتم نقل التلميذ(ة)، بدون مرافق إداري (بسبب الخصاص أو الإهمال)،على متن تلك السيارة التي غالبا ما تكون بدون تجهيزات طبية. وتنتهي مهمة سائق سيارة الإسعاف ومن معه، بتسليم الضحية إلى الطبيب المداوم بأقرب مستشفى. كما يهاتف المدير ولي أمر الضحية عبر الهاتف. هذا الأخير الذي قد يتعذر الاتصال به، أو قد يكون بعيدا عن المدرسة. ليبقى الطفل في النهاية، وحيدا فوق سرير بالمستشفى يعاني من مرضه أو إصابته. وتبقى بعض الإجراءات الطبية عالقة إلى حين حضور ولي أمره. أو يتم تسريحه بعد تلقيه العلاجات الضرورية، ليجد نفسه وحيدا بالشارع العام بدون سند، في أوقات كان من المفروض أن يكون فيها داخل القسم يتابع دراسته. وهو ما قد يعرضه لحوادث وانحرافات كان يمكن تفاديها لو كان رفقة إداري أو ولي أمره. ويبقى الدفتر الصحي الذي يتواجد ضمن وثائق ملفه المدرسي بإدارة المؤسسة، الغائب الأكبر في العملية. والذي كان من المفروض أن يصاحب المريض أو المصاب لتوثيق الحالة وأعراضها. هذا المسار العشوائي الذي يرغم المريض أو المصاب على سلكه، جعل بعض التلامذة يتمارضون، أو يدعون الإصابة بوعكات صحية أو غيبوبة أو.. من أجل التملص من حصص التحصيل، والخروج إلى الشارع بترخيص رسمي من الإدارة. بل إن هناك تلميذات وخصوصا بعض نزيلات الداخليات، يجدن فيها فرصة الانسلال إلى خارج المؤسسة، من أجل لقاء أصدقائهن، أو القيام بسلوكات مشينة تزيدهن انحرافا وتبعدهن عن مساراتهن التعليمية. إن التلميذ(ة) يعتبر تحت مسؤولية إدارة المؤسسة التعليمية طيلة مدة حصصه الدراسية اليومية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال وتحت أية ظروف، السماح بخروجه خلال تلك الفترة، إلا بإذن من ولي أمره. هذا إن كان صحيحا معافى، فما بالك إن كان مريضا أو مصابا ؟