بقلم محمد وصيف
لم أكن لأكتب هدا المقال لولا تلك الإحصائيات التي تصنف نسبة العبودية في الدول العربية، ومن بينها المغرب.
مما جعلني أتذكر أيام زمان، زمن كنت مستخدما أو عبدا راقيا في إحدى شركات الأدوية، التي تجني الملايير بفضل عرق العمال المؤقتين.
كانت العبودية محددة في تسع ساعات من العمل اليومي الشاق، تتحول إلى اثني عشر ساعة مع زحمة المواصلات والساعة المحددة للغداء والقيلولة ،هدا ادى أضفنا إليهم ثماني ساعات للنوم لم يبق لديك من الوقت إلا أربع ساعات تقضي غالبيتهم في الاسترخاء في السرير، ومشاهدة بعض القنوات لاسترجاع الأنفاس.
الدولة بالطبع من المساهمين الرئيسيين في ترسيخ ثقافة العبودية، سواء بتحديدها لتسعيرة ما يسمى بالسميك، الذي لا يرقى إلى حجم الشركات التي تجني المليارات دون تخصيص نصيب معقول للمستخدمين، الدين هم أساس الشركة وتفضيلها لمنح العلاوات للأطر الدين يشتغلون اقل دون مجهود بدعوى الشواهد أو الدبلومات المحصلة على غالبيتها في الدول الغربية.
والسميك أو الحد الأدنى للأجور الذي تطبقه اغلب الشركات سواء كانت صغيرة أو كبيرة أو عملاقة ،لا يكفي إلا لقضاء أهم حاجياتك من مأكل أو مشرب أو تنقل، اما إن أردت الزواج فعليك أن تبحث عن عبدة أخرى في إحدى الشركات لتتقاسم وإياها مشاق الحياة في انتظار الحلم الأكبر وهو الترسم، لعل وعسى يضاف الى أجرتك ستمائة درهم في أحسن الأحول والشهر الثالث عشر وتصبح لك حقوق وواجبات ومحمي من الطرد التعسفي ، ويسمح لك بالاستفادة من القروض الطويلة الأمد او الترشح في النقابة .
الدولة أقرت تشريعات وقوانين في الورق فقط تهم هده الفئة من العمال المؤقتين، والتي لا تكابد نفسها عناء المراقبة والزجر للمخالفين، لأنها ببساطة تريد إرضاء المستثمرين ولو على حساب المستضعفين وحتى لو أرسلت ما يسمى بمفتش الشغل فالمحسوبية والرشوة هي الطاغية.
ولا يهم إن كانت الشركات تجني الملايير ولا تعطي نسبة من الإرباح إلا للأطر، حسب مناصبهم وشواهدهم الدين يعتبرون كشركاء للشركة رغم أنهم يعملون اقل.
أما العمل النقابي فحدث ولا حرج فكل ما يهم النقابي هو الإنخراطات والتفرغ النقابي، إذا توغل في سلم النقابة مع الحصول على بعض الامتيازات من الشركة وتوظيف بعض أقاربه ومعارفه.
ولن أنسى يوم عيد العمال الأول في حياتي، فعوض أن يضغط النقابي على المدير للحصول على بعض الحقوق للعمال خصوصا أن اغلبهم قضوا سنوات كعمال مؤقتين دون ترسيمهم، ومنهم من أكمل السنة العاشرة حمل معه باقة ورد للسيد المدير متمنيا إياه دوام الصحة والعافية. والكل فرح بعطاياه الهزيلة ، ليتحول فيما بعد الضغط على العمال البؤساء لشراء صور فاتح ماي، الذي قام بالتقاطها بنفسه متوعدا من لم يشتري الصور بالغضب وعدم الوقوف معه .
كل هذا جعلني أتذكر يوم استدعيت من إحدى الشركات بعدما وضعت سيرتي الدانية المليئة بالشواهد والدبلومات للقيام باختبار شفوي، لألتقي بمدير الموارد البشرية للشركة وأنا في أحلي حلتي ظنا مني أني سأحصل على عمل يليق بمؤهلاتي، لأجد نفسي محاصرا بسيل من الأسئلة الخارجة عن سيرتي الذاتية واضطر إلى مجاراته واستنتج أن كل ما يهمه أن يقتنع بأني مؤهل للأعمال الشاقة.
لأجد نفسي مرهونا في إحدى المستودعات المعزولة عن الشركة الخاصة بالكرتون ، وبعيد كل البعد عن دبلوماتي وشواهدي وأقبل عن مضض عسى أن أجد ما هو أفضل .
واكتشفت فيما بعد أن الشركة كانت في حاجة إلى خدماتي لأن الرئيس والمستخدم الوحيد في المستودع عجز عن التسيير بعدما تراكمت البضاعة في كل جنبات المستودع، لأجد نفسي أنا ومجموعة من العطاشة (مستخدمون بدون أوراق تبوثية يعملون ليوم أو أسبوع في أحسن الأحوال تستعين بهم الشركة عندما يتراكم عليها العمل تجدهم أمام باب الشركة كل يوم قد يعملون أو لا يعملون بمقابل بخس لن يتجاوز مائة درهم إن عملوا اثني عشر ساعة وهذه الطبقة ليست موجودة في قوانين الدولة وغير معترف بها) وهم أكثر بؤسا مني.
كان الرئيس يمضي اغلب الوقت جالسا في مكتبه متجولا في صفحات اغلب الجرائد المغربية مهمته الوحيدة هي الإمضاء عند استلام البضاعة من الموزعين وجلب الأوراق من الشركة، فيها الكم المطلوب ورقمه لتحضيره وتوزيعه للشركة لان المستودع كان مخصص في علب وورقة التعريف بالدواء وكرتون الدواء .
كان هم الرئيس الأساسي هو إرضاء الشركة، وعندما يجدنا في راحة حتى بعد يوم متعب يذهب مهرولا إلى الشركة لإحضار أوراق مواد الأسبوع القادم لتحضيرها وتوزيعها للشركة، فهو يكره أن يراك جالسا لما لا وهو لا يفعل غير الجلوس في مكتبه وفتح فمه لأنه كان مصابا بداء السكر.
وكان يحب أن يوفر في مواد المستودع حتى بتوزيعها ناقصة في بعض الأحيان ويتفاخر بدالك أمام إطارات الشركة للحصول على العلاوات وترقيات، وكان كثير الشكوى من الشركة ولم يكلف نفسه ولو لمرة واحدة الدفاع عن زميلي لترسيمه رغم انه امضي أكثر من عشر سنوات.
وتمر الأيام والسنوات ونحن على هدا الحال، لنكتشف متأخرين أن صديقنا الرئيس رغم كل هده الامتيازات والعلاوات كان لصا بارعا، حيث كان يعمد إلى توفير المواد ويتظاهر باستلامها من الموزع والإمضاء عليها حيث يحصل على مقابل منه لتعمد الشركة إلى فتح تحقيق مع كل من يعمل بالمستودع وكانت الإخبارية من حارس السيارات .
وأتذكر يوم استدعيت للتحقيق في مكتب مدير الموارد البشرية، الذي كان محاطا بأهم أطر الشركة كأنك في كوميسرية حيث مورس علينا جميع أنواع الضغط والتهديد همهم الوحيد هو توريط الرئيس وجعلنا كشهود بدون مقابل، وقد تصبح كشريك إن وصلت الأمور إلى المحكمة كانت خطة الشركة محكمة لكنها انكسرت أمام إنكارنا ورغم الإغراءات التي قدمتها لنا الشركة بالترسيم، والشركة بطبيعتها تتنصل من المسؤولية فنحن في الأخير مجرد مستخدمين مؤقتين لا ناقة لنا ولا جمل، ولن نحصل على شيء سوى الذل ونظرة العمال إليك كواش . مما جعلني انفجر في وجه الأطر وأطالبهم بعشرة ملايين سنتيم إن أرادوا شهادتي لأن الرئيس سيحصل من المحكمة على مائة مليون سنتيم كنهاية الخدمة، والطرد التعسفي لأنه ليس لديهم دليل أما نحن فكل مالنا هي دريهمات معدودة أجر شهر في السنة من السنوات التي قضيتها في الشركة، ورغم ذلك فقد استكبروا هدا المبلغ علي وبدءوا يعطوني وعودا زائفة وأرادوني مجانا، و تركتهم لوحدهم في مواجهة الرئيس بالمحكمة حيث حصل بسهولة على تسعين مليون سنتيم ،واستسلمت لبطالة طويلة كانت مفيدة لي في مساري واكتشفت متأخرا أنني تحررت من عبودية الشركات التي تقتل الطموح رغم أن التجربة كانت مفيدة في حد ذاتها.
ما يحز في القلب أن الدولة تركت الشركات أو الإقطاعيات تفعل ما تريد في العمال وتزيد من إدلالهم، بل قتلت حتى ذلك الحلم الذي يطمح إليه أي عامل مؤقت وهو الترسيم وذلك بتحويل هؤلاء العمال إلى شركات المناولة كأنهم سلعة، لتتنصل من مسؤوليتها تجاههم وتدفع للشركة الحاضنة بسخاء مقابل أي عامل سبعة ألاف درهم يحصل منها العامل على ألفين وخمسمائة درهم وانخراط في الضمان الاجتماعي قد يدفع أو لا يدفع، أما الباقي فتلهفه شركة المناولة، وكان يكفي أن تدفع نصف هدا المبلغ للعامل ليخدم بجد وتفاني، فإذا احتج أي عامل سيكون مصيره الطرد وليس لديه أي حقوق من الشركة الأم. فهو في الأخير تابع لشركة المناولة، التي تتكاثر كالفطر ولا نعرف من سمح لهده الشركات بالتكاثر وتجاوز ميادين كانت محددة لها في السابق كالحراسة والنظافة والبستنة وبعض قطاعات الخدمات، وجعلها تكسر السلم الاجتماعي بالزيادة في بؤس هده الطبقة التي تعتبر ركيزة من ركائز المجتمع بها يتقدم أو يتأخر
بل إن الدولة هي من شجعت شركات المناولة حيث يلاحظ تواجدهم في أغلب المباني الحكومية وحتى المدارس والمستشفيات، يشغلون حراس أمن والنظافة الخ.. من خلال صفقات أو طلبات عروض نعرف من يقوم بها، ومن و في الغالب له نصيب في الكعكة .
محمد وصيف
تحياتي الخالصة لك الرفيق كنت افكر ان اكتب مثل هذا المقال خاصة واما حديث التجربة في العمل داخل احدى الشركات بالرغم من انني احب العمل الحر لكن افعل ما بوسعي كي انسحب في اقرب وقت والجأ الى عمل حر يضمن مستقبلي مودتي اك سيد محمد