تعني العدالة الاجتماعية تحقيق أكبر قدر من المساواة في توزيع الثروات الاقتصادية و الاجتماعية في مجتمع ديمقراطي.والعدالة الاجتماعية ليست مفهوما حديثا بل هي قيمة إنسانية تعود أصولها إلى الأزمنة العريقة ،فقد اكدت عليها جميع الدينات السماوية قبل ان تعمل الفلسفة الحديثة على التعميق في تفسير دلالتها واهمية سيادتها في المجتمعات ، وكل التفسيرات التي اعطيت لها تتفق على انها تعني المساواة والتضامن واحترام حقوق الإنسان وكرامته, والعدالة في توزيع الدخل و الثروة .
فهل ينعم المغرب بنوع من العدالة الاجتماعية ،وهل ما تدعيه العديد من الجهات في هذا المجال حقيقة ام إدعاءات مغرضة تهدف الى التمويه ودغدغة العواطف وقلب الحقائق ?اذ لا تفتأ هذه الابواق تزيف الواقع وتظهر البلاد كانها توفر لابنائها كل ضروريات العيش بل تضمن لهم كل اشكال الرفاهية ، وفي هذا الصدد يحكى أن رجلا مغربيا أخبر صديقه برغبته في الهجرة، فلمّا سأله إلى أين الوجهة، أجابه أنه يرغب في الهجرة إلى المغرب. فردّ صديقه متعجّبا: ألست في المغرب الآن؟ كان جوابه أنه يرغب في الهجرة إلى "مغرب التلفزة" وليس إلى "مغرب الواقع" الذي يعيشه.هذاالواقع الذي لا تفتأ التقارير الوطنية منها والدولية تفضحه بما في ذلك الخطاب الملكي في الذكرى 15 لعيد العرش الذي اكد فيه ان الفوارق الطبقية جد كبيرة في الوطن ، وقد كشف التقرير الأخير للبنك الدولي حول الفقر وأسبابه ان : 13 مليون مغربي يعيشون على عتبة الفقر ، ويصارعون من اجل البقاء ، وأن خمسة ملايين نسمة بالمغرب (15 في المائة من السكان) يعانون الفقر بشتى ألوانه ، فيما يعيش 25 في المائة على عتبة الفقر أو تحت خط الفقر، أي ما يقارب 8 ملايين مغربي. وأكد كذلك أن 2.5 مليون طفل لا يذهبون إلى المدارس، و أن 83 في المائة من النساء القرويات أميات.بينما يستحوذ 20 في المائة من الاسر الغنية على اكثر من 80 في المائة من الناتج الوطني . كما اشار نفس التقرير الى ان المغرب يحتل المرتبة 130 في تقرير التنمية البشرية .فهذه المعطيات وحدها تؤكد أن المؤشر الأول لقياس العدالة الاجتماعية (مؤشر الفقر ) ضعيف في المغرب بالرغم من كل ما يقال من ان المجهودات تبذل في هذا المجال كمحاربة الهشاشة والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغيرها .
. . صحيح ان التفاوت الطبقي يوجد في كل بلدان العالم ، فدائماهناك أغنياء جدا وفقراء جدا، ولكنهم يعيشون في انسجام تام لأن كل واحد يأخذ حقه حسب جهده وعمله وذكائه.والكل مقتنع بالمستوى الذي يعيشه على اعتبار ان ذلك التفاوت طبيعي ، لكن في المغرب هذا التفاوت ليس طبيعبا لأنه ليس ناتجا عن التفاوت في الجهد والعملوالمؤهلات والذكاء، فهناك أغبياء كثيرين، تحولوا إلى أغنياء، ليس بفضل عملهم ومجهودهم ومؤهلاتهم، بل فقط بفضل نفوذهم وفسادهم وعلاقاتهم .لذا تجدهم يتبخترون ويتباهون بما استولوا عليه من ضيعات ومقالع ورخص واموال وقصور .. او ما راكموه من ثروات بوسائل النصب والاحتيال والتهريب والاتجار في المخدرات ..ويتعامل معهم الجميع على انهم من اصحاب الحل والعقد في الوطن ومن اعيان المجتمع ويتصرفون كأن الله اصطفاهم دون غيرهم لكي يكونوا أغنياء،.
كل هذا يفرض تطوير وتفعيل البرامج الاجتماعية بما يضمن الولوج العادل إلى الخدمات الأساسية خصوصا التعليم والصحة والسكن والشغل ، ويكرس التضامن وتكافؤ الفرص بين الأفراد والفئات و الأجيال و الجهات، و هذه البرامج يجب ان تكون ملزمة في محاورها الكبرى بعض النظر عن تعاقب الحكومات ، بدل العبث الذي نعيشه الذي يكمن في التغير في البرنامج بمجرد تغير الوزير المشرف على قطاع اجتماعي ما .كما ان العدالة الاجتماعية لا يمكن ان تتحقق دون القضاء على الامتيازات واقتصاد الريع ، وتطبيق عدالة ضريبية ، لأن الضريبة اليوم لا يؤديها الا الموظفين بينما تدعي الفئة الغنية الفقر والافلاس للهروب من اداء الضريبة ، والحكومات عاجزة عن استخلاص الضرائب من الاغنياء بينما تملك الجرأة الزائدة في تحرير الاسعار وجعل الفقراء ضحايا الارتفاع المهول في ضروريات العيش ، لا بد من إعادة النظر في النموذج التنموي بالمغرب، بحيث يحقق الرفاه لجميع شرائح المجتمع ويضمن نوعا من المساواة وتحقيق نوع من العدالة بين كل طبقاته.