الرئيسية / اقلام حرة / العنف المدرسي : تلاميذ تركوا “القلم” و أشهــروا “السلاح” …

العنف المدرسي : تلاميذ تركوا “القلم” و أشهــروا “السلاح” …

تميزت سنة 2017 عن سابقاتها بظاهرة سرقت الأضواء في أكثر من مناسبة ، ويتعلق الأمر بالعنف الممارس في الوسط المدرسي الذي طال عــددا من رجال ونساء التعليـــم في إطــار مشاهد مقلقــة ومؤسفـــــة انتهكت فيها كرامـــة الأستــاذ (ة)  وهتك فيها عرض المدرسة العموميــــة من طرف تلاميــــــذ متهوريـــن تركوا القلم وأشهــروا الســلاح وجنحــوا إلى الإجــرام …

عنف بـدا كآلة حصاد ضربت عددا من رجال ونساء التعليم في مشاهد تقاطع فيها القلق والتنديد ، اندلعت شرارته في ورززات من خلال واقعة الأستاذ الذي تعرض إلى وابل من اللكم والرفس من طـرف تلميذ داخل حرمة القســــم أمام مرأى ومسمع شردمة من التلاميذ اختاروا أن يلعبوا دور "المتفرج" بدل فض النــــزاع وضمان أمن وسلامة مدرسهم ، ليصل العنــف منتهاه مـــــــع واقعة الاعتداء الهمجي الذي طال أستاذة الدار البيضاء (الحي المحمدي) باستعمال شفرة حلاقــة ألحقت بهـــا ضررا بليغـــا على مستـــوى الوجــه ، في واقعة مؤسفة عكست بعمق واقعا مخجلا لمدرسة عمومية فقدت رمزيتها ووظائفها التربوية ولمدرس (ة) نزلت قيمته الاعتبارية إلى مستوياتها الدنيـــا…

 

في كل حالة من حالات العنف ، تعالت أصوات الرفض والتنديد ، و اجتاحت أمواج الاحتجاج والاستنكار مختلف مواقع التواصل الاجتماعي حيث انتشرت أخبار الوقائع وصور الضحايا كما تنتشر النيران في الهشيــم ، وخرجت الجهات الرسمية بتصريحات إدانة و مذكرات محتشمة تحاول إخفاء شمس العنف بالغربال ، تبدو كقطرة ماء يراد لها أن تخمد نيران عنف آخد في الامتداد والانتشار، وعقبها تخرس الأصوات وتتوقف محركات الإدانات ويتراجع منسوب التعاطف والتآزر مع الضحايا …

                   

 وإذا كانت الأضواء تركز على هؤلاء الضحايا في زمن الوقائع أو الاعتداءات وكأنهم أبطال هوليــود ، فإن التجارب أبانت ولا تزال تبين أن الأضــواء سرعان ما تخفت بعد الوقائع قبل أن تتلاشى نهائيــا ، وكأنها تترقب حالات عنف جديدة من أجل التوهج من جديد ، ذلك أن كل الضحايا تحملوا ويتحملــون بمفردهم تبعات "العنف المادي" الذي طالهم من طرف تلاميذ جانحيـن ، وهنا لا بــد من إثارة ما يتركه هذا العنف من جروح نفسية تحتاج ولا شك في ذلك إلى زمن قد يقصر وقد يطول من أجل الرحيل حسب حدة الاعتداء ، جروح تتعمق في ظل تناقل أخبار الضحايا وتقاسم صورهم عبر مختلف وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعية ، بل وتمتــد دائرة الأزمات النفسية ، لتشمل الأسر والأقارب ، خاصة الأطفال المتمدرسين الذين يمكن استحضار عمق معاناتهم النفسية في المدرسة والحي والشارع ، وهم يتعايشون مع واقع العنف الذي طال آبائهم أو أمهاتهم …

 

لكن المتغير الذي يغيب عن الأذهان أو على الأقل لا يجد المتابعة الضرورية ، هو  أن رجال التعليم / "الضحايا" يجدون أنفسهم مضطرين لسلك المساطر القضائية في مواجهة التلاميذ المعتدين بكل ما يترتب عن هذه المساطر من أتعاب ومعاناة وأوجاع ، بدء بمرحلة تقديم الشكايات في مواجهة الفاعلين أمام الشرطة القضائية مرورا  بمواجهة مطالب الصلح من جانب أسر التلاميذ الفاعلين ثم وصولا إلى مرحلة المحاكمة وما تقتضيه من دفاع وحضور للجلسات إلى حين النطق النهائي بالحكم ، ليتوقف مسلسل الطيـــــــــــش والتهور بالـــــــــزج بالتلاميذ / الجانحيـــــــــــــن في السجن …

 

هـــــــــي إذن ، نهايـــــــــة مأساويــــة لتلاميذ تركــــــــوا "القلم" و حملوا" السلاح" ، في وجه مدرسين كــان يفترض إحاطتهم بما يكفي من الاحترام والتقديـر، في لحظة تهور غاب فيها العقل والتبصر ، كما غاب فيها تقدير خطورة الأفعال المرتكبة وما قد يترتب عنها من عقوبات سالبة للحريـــة ، وكلما انتهت فصول قضية بحكم الإذانة في حق الفاعل الذي لن ينفعه أسف ولا ندم ، إلا وامتدت دائرة الألم والآهات إلى أسرته التي تجد نفسها مجبرة على التأقلم مع مناخ قاس ومؤلم ، وبين التلميذ(ة)/الجانح(ة) وأسرته ، هناك مدرس(ة)/ضحية(ة) يصعب عليه التكيف مع مناخ العنف… في ظل "حقيقة مرة ومؤلمة " لابد وأن يستوعبها كل تلميذ(ة) قبل الإقدام على أي تصرف مجنون أو حركة طائشة قد تقوده إلى ما وراء القضبان في لحظة "غضب" أو " تهور" …

 

خلاصة القول ، فكل حالات العنف المدرسي التي شهدتها سنة 2017 ، واكبتها  احتجاجات ووقفات تنديدية وإضراب وطني ومسيرة من أجل الكرامة،وتخللتها تصريحات رسمية لم تراوح دائرة الشجب والتنديد، و عقد لقاءات ومحاضرات تلقي الضوء على الظاهرة ، وجميــــع هذه الردود والتحركات بدت وتبدو كمن يحاول إخفاء الجمر الحارق بالرماد الساكن أو كمن يحاول حجب شمـــس الحقيقـة بالغربــــال ، وعلى مستـــوى واقــــع الممارســــة ،لم تتخـد أية إجراءات جريئــة وملموســـة من شأنها احتواء الظاهرة وإيقاف النزيـــف ، والوضع يبــدو ساكنـــا سكون ما قبل العاصفـــــة في انتظــار أن تعود "حليمة" العنف إلى حالتها القديمة ، لتعود معها نفس الأصوات وتطل نفس التغريدات عبر مختلف المواقع الاجتماعية ، في مشهد "درماتيكي" يبدو كمسلسل طويل في طور التصويــر، أو كحرب ليس فيها إلا "الكر" و "الفر" ، لذلك ستظل دار لقمان على حالها ، ولن تبارح أزمة العنف المدرسي حدود الاحتجاج والإدانة والاستنكار في ظل غياب الإجراءات الفاعلة والناجعة التي من شأنها القطع مع واقع التسيب والتهور …

 

 

-أستاذ التاريخ والجغرافيا بالسلك الثانوي التأهيلي ، باحث في القانون الخاص .

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *