الرئيسية / كتاب البديل / الفساد في بلدنا يغني .. (منتصبَ القامةِ … مرفوع الهامة أمشي …)

الفساد في بلدنا يغني .. (منتصبَ القامةِ … مرفوع الهامة أمشي …)

الفساد هو العدو الأول للتنمية والديمقراطية والحرية، وهو الحاجز الأساسي الذي يقف صامدا أمام أي تغيير نحو الأحسن .والكل في بلدنا يصرخ من موقعه بضرورة محاربة الفساد في مختلف إشكاله بعد أن بلغ درجة لا تطاق .رغم الاختلاف الكبير في نوايا المنادين بمحاربته ،فاستشراء الفساد هو الذي أوجد حركة 20 فبراير التي كانت عبارة عن تجمعات ولدت خارج الرحم الحزبي التقليدي، وإن حاولت بعض الأيادي "المحترفة" تلقفها والركوب عليها..
اليوم وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على هذه اللحظة التاريخية المفصلية، نتساءل : ماذا فعل الفساد؟ هل تراجع؟ هل غير تكتيكاته فقط؟ هل نجح الرأي العام في التحول إلى سلطة معنوية مؤثرة في مواجهته؟

المؤسف جدا هو أن الواقع اليومي يشهد بأن الفساد أصبح يتجول في الشارع بوجه مكشوف ورأس مرفوع وقامة منتصبة وعلى لسانه مطلع قصيدة الشاعر سميح القاسم .."منتصبَ القامةِ أمشي.. مرفوع الهامة أمشي".. 

فلم يعد الفساد يتستر وراء مبررات ولا المفسدون يتحرجون من ممارسة فسادهم أمام الملإ، ولم يعد الفساد مجرد "تكييف" قانوني لجريمة ما، بل صار عنوانا بارزا في مختلف المجالات… ، حتى أضحى لدى الكثير من المواطنين أمرا مألوفا وميؤوسا من إصلاحه، نظرا لتجذر بنيته سواء في دواليب الدولة أو حتى في عقول المواطنين ،بدءا من الرشوة والاختلاسات واستغلال السلطة، والنفوذ وتزوير الوثائق والتلاعب بالقانون، وتهريب الأموال وتبييضها وإبرام الصفقات المشبوهة، وغير ذلك من قائمة مظاهر الفساد الطويلة.الذي بسط نفوذه على كل المجالات الحياتية,

 
1-
ففي المجال الأخلاقي لم تعد الدعارة منبوذة بل صارت بعض العائلات تعتمد على دخلها لتحقيق "تطلعاتها الطبقية" بلا حرج . و الدعارة لم تعد حكرا على ضحايا ظروف اجتماعية معينة، بل تحولت إلى "نشاط" مدر للدخل وفق تراتبية "طبقية" تميز بين أنواع الزبناء.. بناء على مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية وجنسياتهم أيضا..بل هناك آباء أصبحوا يستغلون "مواهب" أطفالهم (حتى الذكور) في هذا المجال للحصول على العملة الصعبة من منحرفين ضاقت بهم بلدانهم الأصلية فحلوا بالمغرب و"أعجبوا به" بما أن المال يفتح كل الأقفال فيه.. بما في ذلك "أقفال السراويل"..

2- وفي المجال السياسي صار الفساد ميزة ولم يعد عيبا، بل إن المفسدين في هذا المجال أصبحوا يتحدون الرأي العام صباح مساء، وما جرى أخيرا من شراء الذمم وتوظيف كل شيء من اجل الظفر بالمقعد يشهد على ما وصل إليه الفساد في هذا المجال، دون الرجوع إلى الكوبل الوزاري وسيارات الكات كات وتوظيف أبناء المسؤولين والكراطة وبيت النوم والشوكلاطة …والتحالف بين الألحاد والصوفية …..

 
3-
في المجال الاقتصادي،فأي نجاح في المجال الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق دون اعتماد " شراء الرضى " أولا ثم ما يتبعه من سرقة وغش وترام على الملك العمومي والإعفاء الضريبي واحتكار الخدمات. فالفساد صار قرين النجاح، 

4- وفي المجال الإعلامي فالإعلام الرسمي المرئي منه والمسموع يقوم بهمته في مجال تجهيل الشعب والترويج للفساد وتبريره والدفاع عن المفسدين كما ان اغلب الصحف ( إلا القليل) مشتراة وتقول ما قيل لها بل تنخرط في خاط الأوراق وفي تحويل الباطل حقا,

5- وفي المجال الثقافي تحول الفساد إلى " ثقافة" ذات جذور وقواعد إلى درجة أن بعض المهرجانات "الثقافية" المدعومة بسخاء من القطاعين العام والخاص أصبحت تضاهي في "عائداتها" مردود رخص الريع التي يطالب الجميع بإلغائها..كما أن المهرجانات ( الثقافية ) التي تقام على طول نصف السنة تقريبا اختزلت الثقافة في (موازين) مغرب الثقافات وفي الشيخات والخيل,

6- وفي المجال الفني، يكفي أن نستحضر ما يروج هذه الأيام من فضائح ربط النجومية بغرف النوم، وانحدار مستوى الفن والفنانين إلى أسفل سافلين، لندرك أن الفساد لم يخطئ هذا الميدان المؤهل تلقائيا لاستشراء هذا الوباء فيه..بل تحول (إلى التصريح بالممتلكات )أكثر مما هو فن إلا من رحم ربك وقليل ما هم ..ولم تسلم بقية المجالات من هذا الوباء الذي أعجب بالبلد واستقر فيه كمواطن من الدرجة الأولى يسجل حضوره المتميز في كل المجالات .ورغم كل هذا لا تنفك الأبواق تردد ( المغرب أجمل البلدان ) ربما لأن الكل يسرق منذ زمن بعيد ورغم ذلك لا زال واقفا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *