المغرب من بين الدول الأكثر انصياعا لسياسة المؤسسات المالية الدولية ؛والقيام بكل شيء من اجل توفير الموارد الضرورية لخدمة ديون تلك المؤسسات التي تجاوزت كل الارقام القياسية في عهد الحكومة السابقة ، لذا نجد الحكومات المغربية حاربت كل ما هو اجتماعي من اجل توفير الموارد المالية لتغطية مطالب الطبقة الناهبة للثروات من جهة وتوفير مطالب الصناديق المالية الدولية من جهة اخرى، هذه الاخيرة التي لا تتأخر في وضع الوصفات السهلة للدولة من اجل توفير فوائد الديون .ومن الوصفات المقدمة من طرف هذه المؤسسات ووجدت ترحيبا من الدولة المغربية ما يخص قطاع الوظيفة العمومية الذي اعتبر في نظر صندوق النقد الدولي الغول الذي يبتلع ميزانية الدولة ووجدت فيه الدولة المغربية الحائط القصير الذي يمكن القفز عليه بدون مشاكل . والمبرر المقدم في هذا المجال هو ( تقليص كتلة الاجور ) التي تعتبر ضخمة – في نظرها – انطلاقا من احصائية في المجال التي اعتبرت نفقات الموظفين تصل برسم ميزانية 2015 الى 65 مليار درهم ، أي ما يساوي 40% من مجموع نفقات الميزانية العامة او % 14,5 من الناتج الداخلي الخام ، هذا المبرر كاف لشن الهجوم العنيف على هذا القطاع بدأ بالمغادرة الطوعية مرورا بتجميد الاجور وابتلاع مجموعة من المكتسبات كالتعويضات والتنقل والمنح والسكن … مرور بتعطيل الترقية بل وحذف اشكال منها ( الترقية بالشهادات ) والثالوث الملعون في مجال التقاعد (سنوات عمل اكثر واقتطاع اكبر واستفادة اقل ) وصولا الى الحرمان من الترسيم وانتهاء الى التوظيف بالعقدة …
فاذا كانت مبررات الدولة للهجوم على الوظيفة العمومية تبدو واقعية من خلال الارقام التي تقدمها المؤسسات المالية الدولية ، فانها لا تعدو ان تكون سوى الغربال الذي يغطي الشمس ، إذ ان نسبة موظفي القطاع العام الى السكان في المغرب لا تتجاوز % 2,3، وهي نسبة جد ضعيفة مقارنة مع دول مجاورة كتونس %3,7 ، والجزائر %4,2 ، ومصر %6,2 … نفس الشيء بالنسبة لكتلة الاجور التي تصل في المغرب الى % 14,5 من الناتج الداخلي الخام ( 2015) وهي نسبة عالية مقارنة مع معدلها في دول أروبا التي تبلغ %5,5 ، وأمريكا اللاتينية %5,4 ، وإفريقيا باستثناء المغرب %7,5 ، وآسيا %8,2 .. وهذه ارقام صادمة حقا وتبدو مبررا كافيا لضرب الوظيفة العمومية . لكن المسكوت عنه هو توزيع الاجور في الوظيفة العمومية والتي تعتبر المصدر الرئيسي لهذا الخلل . فالقطاع يعاني من البيروقراطية البورجوازية ؛ المتشكلة من كبار الموظفين ؛ في الإدارة ، والجيش ، والأمن … وتكاد تمتص نسبة %65 من كتلة الأجور العامة.ناهيك عن الهامش الكبير الذي تتمتع به هذه البروقراطية في شكل تعويضات مختلفة الانواع * تعويض الإقامة والسكن ؛ مابين 20 إلى 30 ألف درهم ؛ * تعويض التنقل ، غير محدود يصل أحيانا إلى 5 ألف درهم/كلم ؛ * تعويض السفريات خارج المغرب ، والمنح .. غير محدود ؛ * تعويض البنزين ، 15 ألف درهم إلى 20 ألف درهم ؛ * تعويض عن القيام بمهمة ، غير محدود ؛ * تعويض استبدال سيارة الخدمة ، 500 ألف/سنويا ؛ * تعويض الحراسة ، من 10 إلى 15 ألف درهم هذا عدا الامتيازات التي يتمتعون بها كاستهلاك الماء والكهرباء والبنزين والخدم ، وفي أحيان كثيرة التملص من أداء مئات الملايين من الدراهم كضرائب ورسوم ، وجلب الهدايا … فإذا كان المرتب الشهري لموظف من الوزن الثقيل في حدود 300 إلى 400 ألف درهم ، فقد يرتفع أجره الكامل بإضافة التعويضات ليصل إلى ما بين 600 إلى 700 ألف درهم/شهريا . هناك أيضا التعويضات الجزافية بالنسبة لاستعمال السيارات الخاصة لضرورة المصلحة كما هو الشأن بالنسبة لمدراء الادارات العمومية ورؤساء الأقسام، والمكلفون بالدراسات وأعضاء الدواوين الوزارية ورؤساء المصالح. يضاف إلى كل ذلك التعويضات كتكاليف السفر داخل المغرب وتعويضات كتكاليف المهام بالخارج. وأيضا التعويضات الكيلوميترية والتي تقدم لمن يستعملون سياراتهم من أجل ضرورة المصلحة.في حين أن أجور موظفي السلالم محدودة ، وحتى تعويضاتهم جد هزيلة ، سيما أصحاب خارج السلم الإداري 11 والاستثنائي ، أما أجور السلالم 9 فما دون ، فليست لديهم تعويضات تذكر ، وهم يشكلون من %15 إلى %20 من كتلة الأجور ، في حين أن كتلة أجور الموظفين ؛ من العيار الثقيل ؛ تبتلع %65 من الكتلة العامة للأجور ، وهذا يظهر الفجوة السحيقة التي تفصل بين موظف من العيار الثقيل 700 ألف درهم ، وموظف السلم التاسع 7 ألف درهم ، أي 700 مرة!! . لفضح اكذوبة كثلة الاجور التي تتذرع بها الدولة اليكم هذه الارقام الفاضحة : أ- اجرة رئيس الحكومة : يتقاضى رئيس الحكومة المغربي 8 ألف دولار شهريا ، بينما رئيس حكومة الجزائر يحصل على 6 ألف دولارشهريا ، ورئيس الحكومة التونسي يقل راتبه عن 2 ألف دولار شهريا ،رئيس حكومة اسبانيا ( التي يضاعف اقتصادها اقتصاد المغرب ب 20 مرة ) أما في إسبانيا التي يضاعف اقتصادها اقتصاد المغرب ب 20 مرة ؛ فإن راتب رئيس حكومتها لا يتجاوز 6,3 ألف دولارشهريا .( ارقام تقرير التنمية الإنسانية العربية ) – ب- ، اسطول سيارات الدولة : المغرب يمتلك أسطولا من السيارات المملوكة للدولة ؛ يستفيد منها الوزراء ، والبرلمانيون ، والموظفون السامون ، يبلغ عدد السيارات المملوكة للدولة في المغرب 184 ألف سيارة ،بينما لا يتعدى عددها في الولايات المتحدة 72 ألف سيارة ، وكندا 26 ألف سيارة ، أما اليابان فليس لديها سوى 4 ألف سيارة ، وهذا يكلف للدولة ما يقارب 800 مليون درهم يوميا كفاتورة للوقود ، دون احتساب قسيمة إصلاحاتها ، وتجديدها ؛ حسب المجلس الأعلى للحسابات ؛ والمفارقة الغريبة أن سيارة الدولة لا تعمر ؛ في المتوسط ؛ أكثر من ست 6 سنوات ، حتى تنضم إلى حظيرة المتلاشيات .. !.ج- نسبة ثلاثة أرباع موظفي الإدارة العمومية تتقاضى أجورا لا تفوق 3 ألف درهم شهريا ؛د- الامتيازات المقدمة خارج التعويضات النظامية، حيث تقدم بعض الإدارات لمستخدميها تعويضات إضافية وامتيازات عينية والتي أصبحت مع الزمن تشكل جزء من الأجور. تلك هي حالة تكاليف الانتقال والساعات الإضافية والعلاوات القطاعية الخاصة ببعض الإدارات، وعلاوات أخرى تتغير حسب القطاعات وأنشطة الإدارات المعنية بالأمر. إن المشكل الأساسي الذي تطرحه التعويضات التكميلية المخولة للموظفين، يكمن في حجم انتشارها وعدم مساواتها بين مختلف الفئات وصعوبة تدقيق النتائج والمنجزات المحققة والتي تبرر الحصول عليها من طرف المستفيدين.
ومن بين الامتيازات العينية التي تخول للموظفين هناك السكنى الذي تقدمه بعض الوزارات أو التعويض عن القيمة الكرائية ثم السكن الإداري. ه- موظفون ينتمون إلى عدة فئات أجرية ، رغم انتمائهم إلى نفس القطاع ، فنجد ؛ على سبيل المثال ؛ أستاذا مدرجا في السلم 11 ، أو خارج السلم يشتغل بنفس المؤسسة إلى جوار زميله في السلم 9 ، وتكاد هوة التأجير بينهما تصل إلى 5 ألف درهم ، وقد تتجاوزها إلى أكثر من 10 ألف درهم في قطاعات أخرى ، و- محدودية التطور في الحياة الإدارية للموظفين والأعوان في سلالم الأجور . فبالنسبة للسلم 1 نجد الفرق فيما بين الرتبة الأولى وآخر رتبة يبلغ 24 نقطة ، و39 نقطة بالنسبة السلم 2 ، و55 نقطة بالنسبة للسلم 3 … وقد يصل إلى 80 نقطة في السلمين 10 و 11 .
دون ان ننسى ان الناتج الداخلي الخام والذي تقاس بها نسبة كتلة الاجور جد متدني كما انه غير مضبوط اذ ان ميزانيات ضخمة تمر تحت الطاولة ولا تخضع للمراقبة ولا تحتسب في الناتج الداخلي الخام ( الصناديق السوداء )
فاصلاح الاقتصاد يبدأ بالقضاء على الريع والسرقة والتهريب وترشيد النفقات ، والخلل الفظيع في اجور الوظيفة العمومية دليل على ان المشكل الأول في البلد هو انعدام حسن التدبير
ملحوظة :(موظفوا التعليم يشكلون حوالي 60 % من مجموع الموظفين الا انهم لا يتقاضون سوى حوالي 26% من نفقات الميزانية