انتظر طويلا قبل أن تستقبله مديرة البنك الجديدة الذي هو من زبنائه منذ أكثر من 15 عشر سنة. هذه المرة أكيد أن السيدة المديرة ستقوم بما يلزم لتحل مشكلة الحاج ..فقد اشترك في خدمة التوفير من " أجل تعاقد مريح " لكنه لم يسترح منذ أن تجاوز الستين بحثا عن معاش وفر له عبر هذه الخدمة البنكية من رفاهيته. فمع كل مدير جديد للوكالة يجد نفسه أمام صنم لا يفقه شيئا يبعثه على الوكالة الإقليمية ثم على الوكالة الجهوية ثم الوطنية ثم على شركة التأمين التي تجمعها اتفاقية بالبنك دون أن يجد حلا لمشكلته. أكيد أن هذه المديرة الجديدة لها من التجربة ما سيحل المشكلة نهائيا… يأتي دور الحاج بعد أن أنهت مجموعة من النسوة مراسيم "المباركة" على المنصب الجديد ربما سيعفيهن ذلك عن قوالب السكر إذا تمت المباركة في البيت. تقدم الحاج بخطى متدبدبة فكلمة مدير ترجف رجليه لكنه تسمر عند الباب كأنه رأى عفريتا!! فالمديرة الجديدة لم تكن سوى الموظفة التي كانت مكلفة بخدمة الزبناء بنفس الوكالة و التي يعرف الحاج أصلها و فصلها و مستواها الدراسي الذي لا يتجاوز الباكالوريا وكيف تم توظيفها. و يعلم يقينا أنه كلما سألها من قبل في أي أمر بنكي إلا و رفعت السماعة لتكلم مجهولا على الجانب الأخر من الخط ينتهي عادة "بما تنسنيش أخويا في هاذ الدوسي " فتعد الحاج إلى ما لا نهاية في حل الإشكال ,كما أن الابتسامة لم تعرف قط طريقا إلى شفتيها بل إنها منذ أن وطأت رجليها الوكالة و الملاسنات اليومية لا تفارق هذه الوكالة.
تسائل الحاج و معه نحن أيضا هل تموديريت هي فقط سد الخصاص منصب شاغر في وكالة أو في مصلحة إدارية أو في مؤسسة تعليمية أو في شركة شبه عمومية أو خاصة ؟ أم هي مهنة لها خصوصياتها و تتطلب تكوينا أكاديميا و ميدانيا ؟ لماذا لا نفتح المجال أمام آلاف الشباب من أبناءنا الذين يتابعون دراستهم الجامعية و دراستهم العليا في مهن تطبيقية تخص الإدارة و التسيير للرفع من مستوى التدبير – MANAGEMENT- و لإعطاء نفس جديد للمؤسسة عوض الإقتصار على وجوه ليس لها من الكفاءة إلا الأقدمية ؟ ألم يخلق هذا النوع من الترقية حزازات داخل الجسم المؤسساتي أثرت سلبا على المردودية بفعل نظرة عدم الاستحقاق التي غالبا ما تكون بسبب الظواهر النفسية أكثر منها علاقة بالكفاءة ؟.
كثير هي التجارب الفاشلة التي نتابعها يوميا داخل المؤسسات الكبرى و الحساسة و التي "نصر" فيها أن يتبوأ السياسي أو "قريبه" منصب الإدارة حتى في غياب المسمى و بحضور المسؤولية و في بعض الحالات ضد مبدأ التطوع كما هو الحال بالنسبة لبعض التعاضديات التي وصل الفساد و المحسوبية و الزبونية حدا يعرض صيرورتها و تماسكها و بالتالي يؤرق مضجع منتسبيها، أو في بعض المؤسسات العمومية التي رغما على ما تتكبده من خسائر تحت إدارة إطار ما فإنها تأبى إلا أن تكافؤه عن خيبته و عن خسائره إما بتعويضات ..أو بتكليف أخر في إدارة أخرى ربما يتمكن بتجربته في رفع خسارتها , و كأن هذا الوطن الذي خرج من كنفه علماء مثل المرحوم المهدي المنجرة و محمد جسوس و فؤاد العطار نائب مدير إيرباص للشرق الأوسط وغيرهم ، غير قادرة على إنجاب غير آل الفاسي و آل ..و آل ..و ورثتهم الكرام و الذين للأسف يوصي ببعضهم مشكورا السيد رئيس حكومتنا و يجد لهم مبررات لبريمات الخسارة التي يفرقونها يمينا و يسارا على مديرهم بصيغة التصغير . أما المتفوقين من أبناء الشعب فكلمة مدير تبقى مؤجلة…
وكثيرا ما أدت هذه الوظيفة إلى السجن رغم العلم و المعرفة حال الدكتور خالد عليوة الحاصل على دبلوم الدراسات العليا في المحاسبة و الاقتصاد و السيد توفيق الإبراهيمي التي على يديه خسر المغرب أسطوله البحري الذي كان و لسنوات عدة مفخرة لمغاربة الخارج … أما آخرون فقد فضلوا الهرب بجلدهم تحت جنح الظلام إلى خارج الوطن كمولاي أحمد الزاهيدي المغترب بالبرتغال و أحمد الصقلي و نعيمة هيام اللذان أطلقا جناحيهما لريح الأطلسي حتى رسوا بكندا .
و ليست السلبية قاعدة في هذه المهنة. فتجارب عديدة أكدت من خلال الواقع أن نجاح المدير بالتدرج يمكن حسب شخصية صاحبها أن تبصم قطاعا ما إذا ما سعى صاحبها لتطوير كفاءاته بعيدا على التكاوين التي غالبا ما يؤطرها أشخاص لا يجمعهم شيء بالجانب التطبيقي. و نحيي الكثير منهم خاصة في ميدان التعليم الذين نعترف لهم بالفضل على ما وصل له جيلي من خلال تفانيهم في هذه المهمة.
و في الأخير يوجه الحاج نداءه لكل من يعرف مديرا حقيقيا بالبنك المشهور يمكنه من استرجاع على الأقل رأس المال ، و له الأجر في ذلك.