يستمر مسلسل العبث بصحة ومال وكرامة المستهلك المغربي، من طرف اللوبي الاقتصادي الفاسد. الذي تغلغل و تجذر بدواليب عدة قطاعات عمومية وخاصة، بتواطؤ تام مع بعض المحسوبين على الأجهزة الحاكمة في البلاد.. مسلسل الاستنزاف الذي أنهك الاقتصاد الوطني، وتسبب في إفلاس عدة شركات ومقاولات، تنتجه طينة فاسدين من منتخبين وممثلين للسلطات والقطاعات العمومية المعنية والأمن والقضاء… يستمر الوضع المتأزم للمستهلك المغربي، بين أسواق الظلم والتدليس والتدنيس المفتوحة في وجهه بدون أدنى مراقبة، وبين أبواق الوهم والتحسيس المناسباتية التي تنهجها القطاعات المعنية (جمعيات، وزارات، مجالس منتخبة)، فقط من أجل رفع اللوم عليها… والنموذج ما تواظب عليه وزارة الصناعة والتجارة الغارقة في سبات عميق طيلة السنة. فكلما حل اليوم الوطني للمستهلك، المحدد بتاريخ 15 مارس من كل سنة تصرف الأموال من أجل تنظيم ندوات ذات مواضيع عامة ورتيبة، فارغة من أي نقذ ذاتي و لا لشركائهم المطالبين بحماية المستهلك … عوض استغلال ذلك اليوم للاستماع إلى مطالب المستهلك المشروعة، في مقدمتها توفير الجودة في الإنتاج، ومراعاة مداخيله المالية.. وعوض تقديم تشخيصات حقيقية وتقارير سنوية للمشاكل والإكراهات التي يتضرر بها المستهلك وجيبه، وعوض تقديم الإرشادات والبدائل… نجدها تواظب على جعل المستهلك مذنبا أو متهما.. أو تلميذا في حاجة إلى التعلم والتوعية والتثقيف والتحذير .. أو قاصرا في حاجة إلى الوصاية والحجر… أدمغة ممثلي الوزارات المعنية، ودكاكينها الجهوية والإقليمية. ومعها كل الأكشاك المفتوحة يوميا على الصعيد المحلي والإقليمي و الجهوي (مكاتب الصحة وحفظ الصحة والمراقبة .. )، التابعة للجماعات والغرف الترابية ووزارات (الداخلية، الصناعة والتجارة، الفلاحة والصيد البحري، المالية…).. لا تعرف معنى الإنصات لنبض الشارع المغربي الذي يغلي بفعل التعفن الغذائي والبيئي. ولا تعير اهتماما لأسعار المواد الاستهلاكية ومستوى جودتها.. ولا لحالات التسمم والتلوث الأرضي والبحري والجوي والأوبئة المتنوعة التي تتسبب فيها معامل لا تحترم دفاتر التحملات، ومنتجات صناعية لا تخضع للمراقبة، ولا تصنع بالمعايير والشروط اللازمة للإنتاج. ومنتجات يتم إنتاجها بدون تراخيص وباستعمال مواد أولية فاسدة أو ممنوعة، داخل مستودعات سرية وأقباء (caves)، وضيعات فلاحية. بالإضافة إلى عمليات تسويق مواد استهلاكية منتهية الصلاحية، سواء للتغذية أو التجميل أو التداوي أو للتخدير كخمور (الماحيا…) والمخدرات، وحبوب الهلوسة المعروفة اختصارا ب(القرقوبي) والتي تعتبر الشيء الوحيد الذي يدخل من الجزائر إلى المغرب بأمان وأمن وسلام..
ومنتجات أخرى غير صالحة أصلا للاستهلاك البشري ( ذبائح الكلاب والحمير…). أو تلك التي لا يحل استهلاكها لاعتبارات عقائدية ودينية ونجدها من المكونات الأساسية أو الداعمة لعدة مود غذائية…
لقد تفشى الفساد والعفن في الإنتاج المحلي، وخصوصا المهيأ للتسويق الوطني. كما تفشت عمليات تقليد بعض المنتجات الوطنية والدولية ذات الجودة، وإغراق الأسواق المغربية بمنتجات شبيهة بلا جودة ولا ضمانات لصحة وسلامة المستهلك، وبمنتجات (مضروبة) أو أشرفت مدة صلاحيتها على نهايتها… تعرض بأثمنة جد محفزة، وعمليات جدب واستمالة. وذلك بإيهام المستهلك أنه أمام (هميزة) أو (فرصة تخفيض استثنائية). وتنطبق عليه مقولة (القانون لا يحمي المستهلكين). والمفروض أنه تحت حماية الدولة والدستور وقوانينه الإجرائية..تلك القوانين التي لم تعد أوتارها تطرب المستهلك.
لوبي الفساد لا يضرب فقط المنتجات الاستهلاكية الخاصة بالأفراد من مواد غذائية وخدماتية وعلاجية وتجميلية و…. ولكنه أصاب ويصيب حتى المنتجات الاستهلاكية الخدماتية الخاصة بالمجموعات… حيث الغش والتلاعب بأموال المشاريع الخاصة بالسكن والبنية التحتية للمدن والقرى، من طرق وقناطر وشوارع وصرف صحي وشبكات للتزود بالماء والكهرباء والهاتف ومرافق عمومية ومساحات خضراء.. مما يؤدي إلى انهيار المنازل والقناطر وتدهور الطرق والشوارع وقصور الخدمات الصحية والتعليمية والرياضية …، وإتلاف المساحات الخضراء.. تلكم مواد استهلاكية مشتركة ذات مصلحة عامة، وممولة من جيوب المواطنين. لكن تستنزف أموالهم، بسبب ضعف جودتها ومدد استهلاكها القصيرة…
لكن واقع الحال يؤكد أنه لا أمل قريب من أجل إنصاف المستهلك. ولا بوادر تطمئنه بأن هناك من يقاوم من أجل وقف نزيف صحته وسلامته وماله.. أسواق غارقة بمنتجات مجهولة المصدر، ومشاريع سكنية وتجارية بعدة مدن وقرى تحت رحمة لوبي الفساد.. بعضها عالق، وبعضها انهار وخلف وفاة وخراب مستهلكين ذنبهم الوحيد أنهم أدوا من أموالهم التي بالكاد تدبروها، من أجل اقتناء سكن أو محل تجاري أو خدماتي. و مشاريع بنيوية نهبت أموالها…
فحتى جمعيات حماية المستهلك المفروض أن تكون منتشرة بالمدن والقرى. نجد أنها تعمل تحت وصاية وزارة الصناعة والتجارة. وأن أعضاء بعض مكاتبها المركزية تتجنب تأسيس فروع مهيكلة بكل المدن والقرى، إما خوفا على مقاعدها. أو تجنبا للدخول في صراعات مع جهات تدعمها ماليا. بدليل أن هناك عدة فروع جمعيات وطنية، أجهضت مباشرة بعد إحداثها، أو أنها ضلت نشيطة على الورق ورهن إشارة مندوبيات الصناعة والتجارة، التي لا تجد حرجا في نشر إعلانات وتعليق لافتات تتحدث عن أنشطة مناسباتية، تنظم بشراكة مع فاعلين محليين وهميين…
وفي الوقت الذي تتحدث فيه وسائل الإعلام بمختلف منابرها المكتوبة والمسموعة والمرئية والالكترونية عن فضائح الاعتداء على المستهلك فردا وجماعة.. وتشير بالأصبع إلى المفسدين والمتواطئين معهم… يمر اليوم الوطني للمستهلك دون أن تبادر تلك الجمعيات مركزيا ومحليا إلى وضع تشخيصات وتقارير سنوية، تتحدث فيها بالتفصيل عن واقع المستهلك والمنتج بالمغرب، وحتى على الصعيد الجهوي والإقليمي.. يمر دون أن تبادر كل الوزارات المعنية ومرافقها الجهوية والإقليمية بإنجاز تقارير وطنية ومحلية عن المستهلك والمنتج في قطاعاتها…
فما هو إذن دور مكاتب حفظ الصحة التابعة للبلديات والمقاطعات ومندوبيات ومديريات الصحة والفلاحة ؟، وما هو دور مصالح التغذية وحماية المستهلك والمنتج بكل الوزارات المعنية ؟؟… وما هو دور مثلها من المصالح داخل الأجهزة الأمنية ؟؟؟ .. إن لم تبادر إلى وضع برامج شهرية ودورية وسنوية من أجل ضمان سلامة وصحة المنتوج والضرب من حديد على أيادي الفاسدين… وكيف للمستهلك أن يطمئن لتلك الجهات الحامية لمواده الاستهلاكية، إن لم تبادر تلك الجهات إلى الاستجابة لنبض الشارع، الذي يئن تحت رحمة المرض والأوبئة والتلوث والسموم.. وإن لم تنجز تقارير سنوية تنشرها إعلاميا… يتم اعتمادها من أجل إنجاز مخططات لمواجهة هذا الإعصار المدمر…