هل البيئة هي فقط قوانين تتجدد كلما علت أصوات من داخل المنتظم الدولي، تدعو إلى سنها لنكون نحن أيضا على قدم المساواة من حيث التشريع ؟ هل ما جاء في التقرير العلمي الموضوعي “50 سنة من التنمية في المغرب” من حقائق علمية صادمة عن ما آلت إليه الموارد الطبيعية وما ستؤول إليه إذا ما استمرينا في التعامل مع البيئة بهذا العداء وهذا الإستنزاف؟ هل هو كاف ليوقفنا وقفة تأمل وتدبر حول ما فرطنا فيه من موروث بيئي في ظرف قياسي، وحرمنا منه الأجيال المقبلة؟ هل القوانين البيئية وعلى رأسها القانون الإطار للبيئة قادرة من خلال التفعيل، ومنح الوسائل والآليات الفكرية والمادية لإدارات المراقبة للبيئة على فرض ملامسة العناصر الأربعة، التي وصلت إليها القوانين المتقدمة في الميدان البيئي، ألا وهي الحماية، الإستصلاح بتفعيل مبدأ الملوث المؤدي، التربية والتكوين وتشجيع الإبداع والبحث العلمي ؟ هل المواطن والمجتمع المدني والإعلام والمسؤولون والمنتخبون، يقومون بما تستوجبه روح المواطنة والدين والمسؤولية تجاه الأجيال القادمة ؟.
أسئلة حاول المشاركون الإجابة عليها في الندوة العلمية، التي نظمت بمبادرة من جمعيتي قطوف للبيئة والثقافة، والمواطنة للمحافظة على البيئة والتنمية، أثناء مداخلة السادة: ذ خالد احديدو: باحث ومهتم بالبيئة، ذ محمد الخلطي: باحث ومهتم بالبيئة، ذ محمد أيت موحتا: إطار في إدارة المياه والغابات، ذ بوشعيب الحمراوي: صحفي مهتم بالمجال البيئي، ذ حسن أمغار مدير المرصد الجهوي للبيئة والتنمية بجهة الشاوية ورديغة، ذ محمد البنون رئيس قسم الإستعلامات، وذ عبد الكريم الزعزاعي رئيس الدائرة الأولى ممثلان عن الشرطة البيئية، ذ المكي المحجوبي ممثلا عن المجلس البلدي. خلصوا في الأخير أن القطاع البيئي هو صمام الأمان ليس للمغرب فحسب، وإنما للعالم بأسره، ويعتبر بمثابة الرئة التي يتنفس منها الكون كلّه، لكن يبقى مستقبله معرضا للخطر إذا لم يعالج بمنظور جديد، يأخذ بعين الإعتبار كل معطيات الواقع الإجتماعي والإقتصادي لهذا المجال، معتبرا كل مكوناته عاملا أساسيا في التنمية المستدامة.
ولهذا أجمع الأساتذة المتدخلون بضرورة تفعيل الترسانة القانونية التي يحظى بها القطاع البيئي، وطالبوا بتسريع مسطرة المصادقة على القانون الجديد الخاص بالساحل، التي لم تتم بعد، ثم تساءلوا عن من له اليد في تأخيرها، رغم جاهزية نصوص القانون منذ 2009، ونظرا لأهميته تساءل كذلك المشاركون هل سيُنتظر إلى أن يتم الإجهاز عن الشريط الساحلي بكامله قبل المصادقة والتفعيل؟ كما أكدوا على أهمية تكوين الموظفين في المجال نفسه، خاصة الموظفين التابعين للمجالس الترابية، وكذا عناصر الشرطة القضائية، مطالبين في الوقت نفسه بتفعيل القضاء البيئي، وتجاوز إكراهات تطبيق الأحكام القضائية، التي ينبغي أن تكون متناغمة مع الإنتهاكات الجسيمة التي يرتكبها أعداء البيئة، خاصة لوبيات المقالع الذين استولوا على بعض المحميات كالشريط الغابوي بشراط، الذي يصنف ضمن المواقع ذات الأهمية البيولوجية والإيكولوجية العالمية، وحاولوا الإجهاز على كل ما يتميز به من التنوع البيولوجي الحيواني والنباتي، هذا وألح الجميع على تفعيل الشرطة البيئية التابعة للوزارة الوصية، مع دعمها بالإمكانيات اللوجيستية والبشرية، حتى يتسنى لها توفير الحماية المطلوبة للبيئة.
وفي ذات السياق جاءت مداخلة الأستاذ الصحفي بوشعيب الحمراوي، الفائز بجائزة أحسن تحقيق لسنة 2013، مستدركا ما غفل عنه الربورتاج أثناء التقديم، حينما أثار مجموعة من المقالات مدعومة بصور تعبر عن الواقع البيئي بإقليم بنسليمان، ومدى جسامة الإنتهاكات التي رصدها من عين المكان، كإستعمال المياه العادمة للسقي بمنطقة التصفية المتواجدة بعين سفيرجلة، والأضرار البيئية والصحية التي تسببت فيها مقالع الأحجار المتواجدة بعين تيزغة والشراط والزيايدة، وسبق أن قام بنشر تلك المقالات في العديد من الجرائد الوطنية، لكن الصمت المطبق للجهات المسؤولة، وعدم تحريكها لمساطر المتابعة في حق المعتدين، جعل المهتمين بالقطاع يتساءلون عن أسباب هذا السكوت، ومن يقف وراءه رغم فظاعة الجرم؟
الندوة العلمية التي أقيمت مساء يوم الثلاثاء 03 يونيو 2014 بقاعة العروض بدار الشباب، عرفت عقب نهاية مداخلات الأساتذة، مشاركة متميزة للحضور من المجتمع المدني، ساهمت في إغناء النقاش وفتحت شهيته، جعلت الجميع يستمتع باللحظات الأخيرة من الندوة، خاصة عندما تناوب الأساتذة على أجوبة أسئلة المتدخلين، التي كانت مجملها تصب في الإتجاه القانوني، فكلهم كانت لهم الجرأة على التجاوب، وصبروا منذ إنطلاق الندوة إلى آخر فقرة منها، وهي فقرة التصريحات التي أدلوا بها جميعا لهبة زوم الشريك الإعلامي للندوة، بإستثناء نائب رئيس المجلس البلدي الذي غاب بعد أن حضر كممثل عن المجلس البلدي في الندوة، خلق الإستثناء بعد أن أخد الكلمة الإفتتاحية للندوة، وبعدها بقليل انصرف في غفلة من الحضور، وهو ما اعتبره المتتبعون، تهرب من المسؤولية وعدم الجرأة على المجابهة والتجاوب، وتكريس لسياسة عدم إنفتاح المجلس البلدي على المجتمع المدني، وعزوا ذلك إلى تورط المجلس البلدي في العديد من النقط السوداء البيئية المتواجدة بالمدينة، كالوضع الكارثي الذي تعرفه مجزرة المدينة، رغم أن رئيس مجلسها البلدي، هو في نفس الوقت رئيس للجمعية الوطنية لتصدير اللحوم الحمراء، فالمفروض أن تكون مجزرة مدينة بوزنيقة مثلا يحتذى به، وكان الحضور ينتظر بشغف كبير، جواب نائب الرئيس على عدم إنجازهم لمجزرة عصرية نموذجية في أفق سنة 2015، كما هو مسطر ضمن المخطط الجماعي للتنمية (2011 ـ 2016)، ثم النقطة السوداء الأخرى المتمثلة في الصفقة الخيالية التي حصلت عليها شركة أزون، حيث قفزت في ظرف سنتين من خمسمائة مليون سنتيم، إلى مليار ومائة وتسعة وسبعون سنتيم، مقابل ضعف الخدمات التي تسديها للساكنة فيما يخص معالجة النفايات، وهو ما يطرح العديد من علامات الإستفهام؟؟؟.
حدث آخراعتبره المتتبعون إستثناءً في الندوة، وهو تمثيل بعض القادة الأمنيين للشرطة البيئية، بحيث لم يروا في ذلك جدوى مادامت الشرطة البيئية غير موجودة أصلا!
تجدر الإشارة أن الندوة كانت من تنشيط الإعلامي خاليد جموحي عن جريدة هبة زوم الإلكترونية، تخللتها بعض الأخطاء على المستوى التنظيمي، تسببت في إرباك النسق العادي الذي كان مرتبا لها، كتغييب الكلمة الإفتتاحية الترحيبية بإسم الجمعيتين، وتعويضها بكلمة ممثل عن المجلس البلدي، حتى ظن البعض أنه هو من افتتح الندوة وبالتالي لم تحسب كلمته كمداخلة، بالإضافة إلى عدم إحترام السقف الزمني المحدد للندوة، الذي أثر بشكل سلبي على نسبة الحضور، وأقلق شيئا ما الأطر العاملة بالمؤسسة، ثم تغييب حقيقة الواقع البيئي لمدينة بوزنيقة أثناء تقديم الربورتاج.