يبرز عدم التفات المؤسسات العمومية بما فيها الهيئات الحكومية لليوم العالمي لحرية الصحافة ليس فقط عدم الاهتمام بما يرمز له هذا اليوم عالميا ومغربيا بل يعكس الحالة السيئة لحرية الإعلام بالمغرب، عوض تأكيد التزامها بحرية الصحافة واحترامها؛ لاسيما وأن العالم يخلد اليوم أيضا الذكرى الثلاثين لإقرار الأمم المتحدة لهذا اليوم.
وكان المطلوب أن يكون يوم 3ماي فرصة لتطارح وتقييم أوضاع الإعلام، انطلاقا من الخصاص المهول في الحرية كأساس لاستقلالية الإعلام ومهنيته. ولا أدل على ذلك من استمرار اعتقال الصحافيين والمدونين والتضييق على العمل الإعلامي الحر، واحتكار مؤسسات الاعلام العمومي وتدجين الخاص منها، وحرمان الجمهور المغربي من إعلام يدافع عن حقوق الإنسان و يقدم خدمة عمومية مجتمعية تساهم بقوة في توفير شروط الانتقال الديمقراطي.
وقد وثق “مرصد حريات” التابع لمنظمة حريات الإعلام والتعبير-حاتم كمنصة لبرنامج تطبيقي للتوثيق والرصد الكثير من حالات انتهاكات وخروقات لحرية الإعلام والاعلاميين وحرية التواصل الرقمي.
ويلتقي ما رصدته منظمة حاتم من خلال مرصد حريات وما تطالب به مع خلاصات بياني النقابة الوطنية للصحافة المغربية ونادي الصحافة بالمناسبة، فقد دعت النقابة ل:” حماية حرية الصحافة من جميع أشكال التضييق المقترفة من طرف مختلف الجهات، وتؤكد أيضا و بالقدر نفسه، على حتمية الاهتمام بالأوضاع المادية والمهنية للصحافيات والصحافيين وجميع العاملين في قطاع الصحافة ” لأن “تكريس حرية الصحافة وضمانها، لم يعد يقتصر على الضمانات السياسية والحقوقية التي تبقى ضرورية، ولكنه يتطلب القضاء على جميع مظاهر الهشاشة الاجتماعية والمادية لدى الصحافيين، لأنه من شأن هذه الهشاشة أن تفقد الصحافيات والصحافيين استقلاليتهم وحرياتهم “.
بينما يجدد بيان النادي “طرح سؤال حرية الصحافة على أحوال الإعلام وسياقاته وتحدياته السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وهو سؤال مركزي تم لحد الآن التهرب من الإجابة عليه بشكل بناء لتوفير ضمانات قانونية وسياسية لممارسة إعلامية تنعم بالاستقلالية والمهنية “.
و قد أصدرت منظمة مراسلون بلا حدود خلال هذا اليوم 3ماي 2023 تصنيفها للبلدان حسب احترامها لحرية الصحافة، و قد سجل للأسف تراجع المغرب حتى عن السنة الماضية بتسع درجات من الرتبة 135 إلى 144 ، وإن كانت لنا في منظمة حاتم ملاحظات حول غياب الحياد الكامل و الانسجام التام في معايير ومؤشرات مراسلون بلا حدود لتقييم حالة حرية الصحافة على الخصوص بين بلدان المنطقة العربية ، والاشتباه في تأثرها بتأزم العلاقات بين باريس والرباط . فإن ذلك لا يمكن أن يبرر ما مس ويمس حريات الاعلام والتعبير بالمغرب، الذي حقق مكاسب في هذا الباب منذ بداية الاستقلال من غير المقبول إخضاعها للتراجعات؛ وهي مكتسبات جسدتها تضحيات جسام للعديد من فئات المجتمع وضمنها الصحافيين والصحافيات والمدافعين عن حقوق الإنسان والمناضلين الديمقراطيين.
وقد أورد تقرير مراسلون بلا حدود وقائع وحقائق سبق وأن نبهت للكثير منها منظمة حاتم منها مثلا إشارته إلى ” أن عزيز أخنوش … الذي أصبح رئيسًا للوزراء وهو رجل أعمال قوي يضاعف الضغوط والشكاوى القانونية ضد الصحافيين الذين ينتقدونه أو ينتقدون أفعاله، في السنوات الأخيرة … كما أن هناك عرقلة لعمل الصحافيين بسبب العديد من الخطوط الحمراء التي وضعت… وانضاف لقائمتها مؤخرا الفساد، الأجهزة الأمنية، إدارة جائحة كوفيد، وقمع التظاهرات.”
لذلك وغيره تطالب منظمة حريات الإعلام والتعبيرـ حاتم بالانكباب على إصلاح أوضاع الإعلام عبر تحسين مختلف مؤشرات حرية الصحافة في مختلف المستويات السياسية والتشريعية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
وإذا كان الجميع يتفق على أوضاع الهشاشة التي يعاني منها الحقل الإعلامي، فتجاوزها وتمكين المغرب من الإعلام الذي يستحقه يقتضي تظافر جهود كافة الديمقراطيات والديمقراطيين؛ ومن ثمة دعت منظمة حاتم ـ وهي تحيي العديد من الفعاليات والمكونات التي استجابت لدعوتها ـ لمبادرة من أجل ” حوار للجسم الإعلامي لمواجهة التراجعات التي همت ومست وتمس حرية الإعلام وحرية التعبير تتجدد كواجب لا يمكن أن ينوب فيها أحد عن أي أحد. ويلتقي جل المهنيين والمحللين والمتتبعين حول جملة من عناوين التحديات التي يجب رفعها ” وأحدها تطوير التنظيم الذاتي عبر المجلس الوطني للصحافة وضمان الديمقراطية والتعددية داخله وتمكينه من صلاحيات الدفاع عن الحرية والاستقلالية والمهنية بما فيها احترام الأخلاقيات.
ويمكن أن يستلهم الجسم الإعلامي المغربي أن إقرار اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي تحل اليوم الذكرى الثلاثين لاعتماده من قبل الأمم المتحدة استجابة لليونسكو، ناجم عن مسار ترافعي ومطلبي للصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان عالميا، ولاسيما دعوة عشرات من الصحافيًين الأفارقة التأموا بويندهوك بناميبيا، وبالضبط يوم 3 ماي 1991.
علما أن تخليد اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام حسب اليونسكو يتمحور حول “بناء مستقبل قوامه الحقوق: حرية التعبير محور حقوق الإنسان”؛ تأكيدا على وجود “علاقة وثيقة بين حرية التعبير، من جهة، وإعمال باقي حقوق الإنسان، من جهة أخرى… فالبلدان التي بلغ فيها إعمال حرية التعبير أعلى مستوياته، تضمن حماية أكبر للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية “.
عن المكتب التنفيذي
الرئيس محمد العوني