تحدثنا الأساطير أن كل سلاطين العالم يحيطون انفسهم بحاشية كبيرة توزع الادوار فيما بينها لخدمة مخططات السلطان والحرص على استمرار جبروته وسلطته وتحقيق نزواته ، ويلعب السحرة دورا بارزا في هذه الحاشية ، الذين توكل اليهم المهام الخطيرة ، والتطور التاريخي والفكري للبشرية جعل استمرار مهمة الساحر السلطاني متجاوزة ، وثم استبداله بساحر النظام العالمي الجديد الذي يستطيع سحر الشعب بأكمله وبالضمانات الكافية ، وهذا الساحر العظيم اسمه ( الاعلام) الفاسد طبعا ، الذي يستطيع اظهار الباطل حقا والعكس بالعكس بل واقناع الناس بذلك ، وهنا تحضر قصتان احداهما واقعية والأخرى مصطنعة ، فالأولى تقول :أن مهاجرا مغربيا فاجأ صديقا له يقوم بزيارة لأوربا لما أخبره بقراره القاضي بالعودة الى المغرب الذي عرفا تقدما كبيرا في جميع المجالات ويوفر لكل المواطنين كامل الوسائل للعيش الكريم ، عكس اوربا التي اصبحت تسير نحو الهاوية اذا قورنت بالنهضة المغربية . والصديق يسمع شاغرا فاه مستغربا ما يقوله المهاجر قبل أن يبادر بمقاطعته متسائلا في استغراب ، وأين لك بهذه الأخبار ، فكان الجواب بنوع من الثقة في النفس : إنني اتتبع باستمرار القنوات المغربية . فلم يجد الصديق بدا من الاستسلام لهستيريا من الضحك الذي لم يستطع توقفه الا بصعوبة ، فقال لصديقه : قبل مجيئ الى هنا كنت في حديث مع أحد الأصدقاء بالمغرب فأكد لي رغبته الملحة في الهجرة ، ولما سألته عن الوجهة التي اختارها : قال بحماسة : المغرب ، فسألته ألست انت اليوم في المغرب ؟ قال : إنه يرغب في الهجرة إلى “مغرب التلفزة” وليس إلى “مغرب الواقع” الذي يعيشه. هذه النكتة على بساطتها تعبّر عن الزيف الذي نعيشه يوميا، اعلام مؤدى من جيوب المواطنين ليعمل على استبلادهم بالتطبيل والتزمير لمجموعة من المصطلحات التي لا علاقة لها بالواقع المعاش ، ففي كل وسائل الاتصال – الا القليل – لا تسمع إلا : أن المغرب من أجمل البلدان ، والعام زين – مغرب التنمية المستدامة – معرب العدالة والمساواة وحقوق الانسان – الاستثناء المغربي – الديمقراطية المغربية – محاربة الفساد – محاربة الهشاشة – مغرب الثقافات – الأوراش الكبرى …… اعلام يزيف الواقع، وإن لم تكن كذلك فإنه على الأقل يجمّله، ويبالغ في (الزواق) لتختفي المساوئ،.. يشعل “الكاميرا” أمام أضواء القطار فائق السرعة ويطفئها أمام حافلات مهترئة لا تصلح لنقل البهائم، أما المناطق التي لا مواصلات فيها إلا ما يصفونه بـ”النقل السرّي” (رغم أنه علنيّ والجميع يعلمه وأولهم الدولة) فحدث ولا حرج عن ظروف اشتغاله…ان الاعلام المحترم ( السلطة الرابعة ) يحاول كشف الواقع على الاقل ان لم يساهم بقوة في تغييره نحو الاحسن ، وذلك بنقل المعاناة التي تفعل فعلتها بالأغلبية الساحقة من ابناء وبنات الوطن ،وفضح الفساد بكل اشكاله ، والكشف عن المستحوذين عن خيرات الوطن وايضا عن الطرق التي يستعملونه في ذلك . ففي المغرب يصعب الحديث عن الثروة واصحابها دون الحديث عن الجريمة بكل معانيها ( الحكرة – الاستغلال – الرشوة – المحسوبية – الريع …) صحيح ان التفاوت الطبقي موجود في كل بلدان العالم ، وهناك أغنياء جدا وفقراء جدا، وهم يعيشون في انسجام لأن كل واحد يأخذ حقه حسب جهده وعمله وذكائه. لكن التفاوت الطبقي في المغرب ليس مسألة طبيعية لأنه ليس ناتجا عن التفاوت في الجهد والعمل والذكاء، فهناك أغبياء كثيرين، تحولوا إلى أغنياء، ليس بفضل عملهم ومجهودهم، بل فقط بفضل نفوذهم وحسبهم ونسبهم وفسادهم وعلاقاتهم ،اكتسبوا ثرواتهم بوسائل النصب والاحتيال أو الاتجار في الممنوعات.وتحولوا الى أعيان المجتمع والنخبة الأكثر جدية والأكثر ذكاء، يتصرفون ا وكأن الله اصطفاهم لكي يكونوا أغنياء، بينما الجميع يعرف كيف حصلوا على تلك الأموال،لكن الاعلام – الفاسد طبعا – لا يفتأ يطبل لهؤلاء ويحاول ان ينسب كل كريمة اليهم ويخلق منهم اولياء صالحين بركاتهم يمكن ان تنقد الوطن من أي مكروه ، وناذرا ما يشير الى الاحتجاجات التي لم تنقطع في المغرب ليس في المدن فحسب كما هو مالوف بل امتدت الى الجبال والفيافي ، وإعلامنا(هم) إذا تكرم بالحديث عن بعض تلك الاحتجاجات يحاول بمكر كبير أن ينسب اليها كل كريهة ويربط حركتها بعوامل ارهابية او خدمة الأجندة الخارجية .لم تحاول هذه السلطة الرابعة يوما ان تصدرا حكما عادلا عن التوزيع غير العادل لثروات الوطن ، لم يقو ان يقول جزءا من حقيقة المغرب الغني بثرواته إذ تشير التقارير الدولية – والتي اطلع عليها اعلامنا بالتأكيد – أن الدخل الفردي المتوسط قد يصل إلى 1250 دولار امريكي ،وأن 10 في المائة من السكان يستهلكون اكثر من 15 مرة ما يستهلكه ذوي الدخل الضعيف، 10 ملايين مغربي لا يتعدى دخلهم اليومي 20 درهما ، الاجور تتباعد بين 1 الى 100 تقريبا . ميسورو الحال لا يتجاوزون 20 في المائة بينما 80 في المائة يعانون من ضعف الدخل ومن انهيار قدراتهم الشرائية. ناهيك عن عوامل التفقير والتهميش وتوسيع الهوة بين طبقات المجنمع .وهي مواضيع يمكن ان تكون مادة للاشتغال الاعلامي الهادف الى اداء دوره النبيل كسلطة رابعة تساهم في تطوير المجتمع . ونامل يوما ما ينقلب فيه السحر على الساحر