السياسية

بين ماكرون وتبون العشق الممنوع .. المكر الفرنسي وغباء حكام الجزائر وجهلهم بمنطق القانون!!

محمد عزيز الوكيل

عندما يندلع نزاع بين دولة واخرى، على اعتبار أن الدولتين معاً ذاتا سيادة غير مطعون فيها بأي صورة من الصوَر، فإن ملف النزاع يكون موضوعاً بالبداهة فوق طاولة الوزيرَيْن المكلفَيْن بالخارجية في الدولتين المتنازعتين، أو طاولة مديرَيْ الشؤون القنصلية، بحسب ترتيب الدرجة الدبلوماسية للنزاع، وترتيب ذوي الاختصاص في معالجته، وربما يصعد الملف إلى مدارج رئاسة الحكومتَين أو النظامَيْن إذا تم تكييفه سياسياً ودبلوماسياً كنزاع ذي علاقة بالأمن القومي مثلاً، وبالتالي يستوجب قرارات صادرة عن رئيسَي الدولتين أو الحكومتين…

هذا هو منطق القانون الذي تخضع له العلاقات والمعاملات بين الدول ذات السيادة غيرِ المطعونِ ولا المَشكوكِ فيها.

إلى هنا والموضوع واضح ولا غبار عليه، فما الداعي إلى الوقوف عنده في هذا المقال بعد كل ما ناقشناه في المقال السابق على هامش تصريحات السفير الفرنسي السابق والأسبق لدى الجزائر، كزافيي دريانكور؟

قبل أيام قلائل، وعلى إثر تصريح الدبلوماسي الفرنسي سالف الإشارة، خرج وزير “الداخلية” الفرنسي… نَعم وزير “الداخلية”، والأمر ليس مجرد خطإ في التعبير أو الكتابة، فتَحدّث عن واقعةِ رفضِ حكام الجزائر استقبالَ مواطنهم، المدعو “دوعلام”، الذي طردته سلطات فرنسا باتجاه وطنه الأم بسبب ما ارتكبه من جنح التحريض على الإقصاء العنصري، بل من جرائم الدعوة إلى العنف الجسدي والقتل في حق معارضين للنظام الجزائري مقيمين بفرنسا، وفي حق فرنسيين، من اليمين تحديداً، بعد أن تأكد للسلطات الفرنسية وكل المتتبعين بأن الرجل وأمثاله من المؤثرين كانوا مكلَّفين بتلك المهمة من لدن مخابرات عبلة، وأنهم تعمّدوا المناداة بممارسة العنف حتى ضد الفرنسيين، حِهاراً، وهم يُمجّدون ويَصفون بكل أشكال المدح والثناء حكامَ بلادهم، وخاصة الرئيس تبون ورئيس الأركان شنقريحة، مما أضفى صفة المشروعية على الإجراء الفرنسي بالترحيل، والذي أعتبِرُه شخصياً إجراءً فيه الكثير من التساهل والتماهي، لأن شخصاً مثل “دوعلام” ثبتت في حقه جريمة التحريض على القتل بالملموس، وبالثابت والموثَّق بالصوت والصورة، يُفترَضُ أن تتم محاكمتُه داخل التراب الفرنسي لأنه ارتكب جريمته فوق هذا التراب، وأن يحل عليه العقاب طبقا لأحكام القانون الجنائي الفرنسي، لا أن يتم ترحيلُه باتجاه البلد الذي وظّفه حكامُه للقيام بذلك الجُرم، حيث كان من الممكن لدى ترحيله أن يعيش بالجزائر حراً طليقاً دون أدنى متابعة قضائية، لأنه كما سبقت الإشارة كان بلا أدنى ريب مكلَّفاً من لدن الحكام أنفسهم ومخابراتهم الغبية بما قام به لا أقل ولا أكثر!!

لكن الذي يهمنا في هذا الموقف ليس قرار ترحيله بالذات، بل المكيدة الفرنسية التي حاكتها مخابرات فرنسا بمكر شديد وبإحكام، لأنها كانت تعلم مسبقاً أن حكام المراديا الأغبياء سيرفضون السماح لمواطنهم دوعلام بالدخول إلى التراب الجزائري، وبذلك تكون المخابرات الفرنسية قد جرتهم من حيث لا يشعرون إلى توجيه ضربة قاصمة إلى أذنابهم المقيمين بفرنسا، إذ تبيّن لهؤلاء، بعد فوات الأوان، أن النظام الغادر الذي وظّفهم وجنّدهم لنشر البلبلة داخل الدولة والمجتمع الفرنسيَيْن لا يجد أدنى حرج في التنكّر لهم، بل وفي رفض السماح لهم بالعودة إلى وطنهم، حتى بعد أن أبدت دولة الضيافة رفضها لبقائهم فوق ترابها، وبعد أن عرضت بعضهم على أنظار العدالة الفرنسية، وطوّحت ببعضهم الآخر خارج الحدود بطريقة مُهينة ومخزية!!

لقد كانت من نتائج هذا المكر الفرنسي العجيب، أنّنا شاهدنا بأم الأعين وقفاتٍ احتجاجيةً صاخبةً وغاضبةً أشدَّ الغضب لعملاء النظام الجزائري من الجزائريين المقيمين بفرنسا أنفسهم، وهم يسبّون حكامهم، ويجهرون باعتذارهم للمجتمع الفرنسي، الذي كانوا قبل ساعات قليلة يُناصِبونَه العداء ويتلقّون مقابل ذلك رواتبَ تافهةً من أسيادهم عن طريق قنصليات الجزائر!!

بيد أن الأهم من كل ما سبق ذكره، أن الذي بادر إلى الرد على بهلوانيات النظام الجزائري لم يكن وزير الخارجية ولا أي مسؤول في هرم الدبلوماسيا الفرنسية، وهذا ما يقتضيه منطق القانون الدولي كما سبق القول، بل كانت المبادرة من لدن وزير الداخلية بشحمه وعظمه، والذي لا يرى القانون ولا العرف الدبلوماسي أي علاقة له بالموضوع، لأن الأمر دبلوماسي وقنصلي بكل المعايير، فأين السبيل إلى حشر وزير الداخلية أنفه فيه لولا وجود سرٍّ خفي ولكنه في الآن ذاته لم يعد يخفى على أحد من العالَمين، وهو أن فرنسا ووزير داخليتها ما زالا يَعتبِران الجزائرَ دولةً “مستقلةً مع وقف التنفيذ”، وبالتالي “مقاطعةً فرنسيةً لما وراء البحار” كما كان شأنُها وتوصيفُها طوال 195 سنة، بحساب كل من تاريخ الاستقلال المفترَى عليه (63 سنة) وفترة الاستعمار الرسمية (132 سنة)… وبذلك، تقول فرنسا لكل العالم من حولها “إن الجزائر لا تزال خاصّتي”، وإن تدبير أحوالها لا يزال من اختصاصات وزارة الداخلية وصلاحيات الدولة الفرنسية… فياله من مكر بلغ أشُدّه في وقت يعاين فيه العالم بمنتهى الدهشة والذهول سلوك النظام الجزائري تجاه أمه البيولوجية منذ أبرام اتفاقية إيفيان، التي تؤكد بنودها على أن الجزائر مازالت فرنسية وستظل كذلك إلى يستيقظ شعب الجزائر من غيبوبته، التي يبدو أنه أثخن فيها حتى النخاع، وربما يستفيق منها أحد أجياله الثلاثة أو الأربعة القادمة… هذا كل ما في الأمر!!
مَن يرى غير ذلك فليُنوِّرني مشكوراً!!
_________

محمد عزيز الوكيلي

إطار تربوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى