المتأمل في واقعنا الاجتماعي يقف عند أعداد لا حصر لها من التناقضات تصل إلى حد الغرابة أحيانا ولا يستطيع المرء أن يجد لها تفسيرات موضوعية إن لم يكن من ذوي الاختصاص . وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكننا تعميم هذه التناقضات على الجميع ،لأن هناك نماذج كثيرة من الناس المتزنين ، الذي يساهمون في البناء والإصلاح ولولاهم لفسدت الأرض . لكن في المقابل نجد فئات كثيرة تسقط في مفارقات يمكن اعتبارها مظهرا من مظاهر أزمة القيم أو الهوية التي نتخبط فيها والتي يمكن تلخيصها أساسا في فساد الأخلاق ، التي ذهبت ريحنا بذهابها ، وما يترتب عن انهيار المنظومة الأخلاقية من التيه و الظلال والفراغ الروحي انتشار واللامبالاة وغياب الوازع الديني و موت الضمير الاجتماعي و اغتيال القيم الحضارية والتقليد الأعمى في القول والفعل في عطلة تامة للعقل ، فحتى احاديتنا اليوم تؤكد اننا نقول دون تفكير ، وهذه أمثلة في قاموسنا اليومي ( والله إلا راك فراسي غير نسيتك – ها هو جاي من و راك شوفو بلا ما دور – راني خدام كنقلب على خدمة – مازال ما تزوجت غير ضربت القاغيط – اليوم فقت بكريمع 6 غير رجعت تكيت حتى 11- السباط جا قدي غير صغير علي شوي .. ). نفس الشيء في سلوكاتنا التي لا تجد لها تفسير ، فأحدهم مثلا في سمر مع أصدقائه يطلب تأجيل تناول الخمر إلى أن يصلي العشاء – أو يتبجح بكونه أخذ رشوة غليظة ويقسم بالله وسيدي محمد بن سليمان أو بالقبلة أو بالجامع الكبير …أنه لم يأكل الحرام قط لأنه يخاف الله – طبعا يقصد لحم الخنزير
كما أنه لا يشرب الخمر في شهر شعبان أبدا لأن ذلك حرام، لكنه يسارع يوم العيد لشرب بعض قنينات الخمر للاحتفال بالعيد ، وهو نفسه تجده في المجالس ينتقد كثرة الخمارات و(الكرابة ) ووجود العاهرات ،بل لا يتحرج في وصف جميع إناث المغرب بالعهر ، إلا أمه فإن الجنة تحت قدميها ، وبالتالي فهي متقية ورعة ، بل لو نبهته إلى أنها واحدة من نساء المغرب وبالتالي ينطبق عليها ما عممه على نساء المغرب فإن ذلك سيكون سببا لاستعمل كل أساليب العنف اللفظي والمعنوي ضدك لأنك أهنت أمه ، ولا يزل لسانه وهو يلوم السلطات لأنها متواطئة مع الفساد ، لكن ما إن تمر إحداهن حتى يتلصص بها بإمعان النظر أو الغمز او باللمز ، ولا يعتبر ذلك تشجيعا للفساد الذي ينتقده. ولن يعدم جوابا إذا قاطعته وأكدت له أن سلوكه يتناقض مع قوله ، إذ يسرع بالجواب –الإطار- كل الناس كيديرو ، أو ما ارتكبه ذنب بسيط والله سيغفره له ، وقد يطلق العنان للسانه فيسرد على الجالسين ما يعتبره فتوحات رجولية قام بها في حياته ، من خلال مغامراته مع بنات الحي وزميلاته في المدرسة او علاقاته بالعاهرات دون أن ينسى ختم كلامه بالدعاء يطلب فيه الله المغفرة وأن يرزقه زوجة محجبة طاهرة . النقاش مع هذا النوع – وهو كثير للاسف الشديد – يصيبك بالقرف ، لأن له القدرة الهائلة على تفسير أي شيء الدين الرياضة السياسة الاقتصاد …– وطبعا القسم يلازمه حديثه دائما – ويلقي باللوم عن كل خطيئة عن الآخر إلا نفسة ، فإذا نبهته إلى أنه مشارك في ما يقع يصدح في وجهك بالعديد من
المبررات التي يختمها بقوله – الله كتب علينا هاذشي – تجده من الاوفياء للمقهى يجلس فيها لساعات طوال يناقش التفاهات ويغتاب هذا وتلك ويلعن الجميع وينتقد المهرجانات ويكون من السباقين لحضورها بل يرقص ويصفق ويصرخ بجنون في سهراتها . يكسر مع امثاله كل شيء بعد نهاية كل مباراة في كرة القدم السيارات والحافلات والكراسي .. بل وحتى عظام بعضهم البعض سواء انتصر فريقه او انهزم، فالكسر تعبير عن الفرح والغضب في نفس الان..
نعيب زماننا و العيب فينا … و ما لزماننا عيب سوانا .
لنا عودة للموضوع