هذا المثل الشعبي يعرفه الخاص والعام في كل بقاع الأرض، وبكل لغات العالم، لأنه ينم عن بخل في النفس والفكر والأخلاق، باستثناء بلد واحد لا ريب أن أهله يعيشون خارج السياق الإنساني، أو خارج هذا الكوكب!!!
بمجرد ما سمع العالم بنبأ زلزال حوز مراكش المدمر، وقبل حتى أن تشرع السلطات المغربية المختصة والمعنية في نشر الأرقام، أولاً بأول، حول الخسائر في الأرواح والأنفس وفي متاع الدنيا، سارع معظم دول المعمور إلى التعبير عن تعازيه لملك البلاد، وإبداء استعداده لتقديم ما يحتاج إليه المغرب المكلوم من مساعدات إنسانية، ودعم لوجيستيكي، وخبرات في تقنيات الإتقاذ وفي استخراج أكبر عدد من المطمورين تحت الأنقاض، لا فرق في ذلك بين كُبريات الدول وصُغرياتها، فضلا عن قرارات صادرة عن دول شقيقة تعلن الحداد مع المغرب، وتلغي مختلف تظاهراتها الاحتفالية، حتى تلك التي لها صلة بأعيادها ومناسباتها الوطنية، كما فعلت الجمهورية الموريتانية مشكورة، مؤكدة بذلك أنها تُعايشنا وتُشاركنا هذا المصاب الجلل…
كل هذا وقع في نفس اليوم الموالي لوقوع الكارثة… ما عدا في دولة واحدة من بين كل دول المعمور، انتظر رئيسها المسطول، إلى أن انقضى يومان على الواقعة، ليصدر بياناً ينضح بالنفاق والتشفّي، يقول فيه إنه متأسف لما وقع للشعب المغربي، وإن بلاده مستعدة لتقديم المساعدات “إذا طلبها المغرب”… فما الغريب في هذا السلوك المنافق؟
أولا: كان على الرئيس الجزائري أن يسبق كل الرؤساء والقادة الذين عبروا عن تعازيهم واستعدادهم لتقديم العون والسند، لأن بلده جار، وشقيق، وشريك في الدم، ولأن من باب المعاملة بالمثل أن يكون سلوكه مثل سلوك ملك المغرب إزاء حرائق الجزائر وكوارثها المختلفة؛
ثانياً: ليس من اللائق برئيس دولة أن ينشر بياناً مثل هذا عبر وسائل إعلامه الموبوءة، بدلا من توجيه رسالة رسمية مباشرة للعاهل المغربي، كما يفعل القادة الذين يحترمون أنفسهم ويحترمون نظراءهم، وإن كان الرئيس الجزائري في حقيقة أمره أصغر من أن يكون نظيرا لجلالة الملك، فشتان ما بين الرجلين، والقَدْرَيْن!!
كان عليه ان يعزي ملك البلاد أولا، قبل أن يبدي استعداده للمساعدة والدعم، ودون ان يستعمل ذلك التعبير الذي يدل على التشفّي: “إذا طلب المغرب ذلك”!!!
ثالثا: إنه ببيانه ذاك، تعمّد مخاطبة الشعب المغربي دون مؤسسته الملكية، منمًّا بذلك عن تجاهله لعاهل البلاد، أو عدم الاعتراف بشرعيته كما يروج لذلك إعلامه المرتزِق، من منطلق شعوره الدفين بفقدانه هو ذاته لشروط الشرعية، وهو الذي جاءت به أحذية العسكر من الخمّارات في حالة سُكر طافح يبدو من تصرفاته وتصريحاته أنه لم يفق منها بعد، وربما لن يفيق منها مدى عمره!!!
وأن يخاطب الشعب المغربي وحده مباشرة، فذلك سلوك لا يرتكبه إلا عربيد أو معتوه، والظاهر أن هذين الوصفين على درجة عالية من الواقعية!!!
رابعا: إن بيان رئيس الجمهورية، بكل ذلك الهُزال، والضحالة السياسية والدبلوماسية والأخلاقية، نشرته وطبّلت له “صحافة بودورو” كما يسميها معارضوه، وعنونت شطحاتها بالبونط العريض والمانشيتات الصحفية الطويلة: “الجزائر تجند إمكانياتها لتقديم كل ما يحتاج إليه الشعب المغربي متى طلب ذلك”… وهلمّ نفاقاً وتشفِّياً، لأن الذي ينعقد لديه العزم على مساعدتك لا يسألك رايك، بل يحمل ذلك بطائراته وشاحناته وعلى أكتاف شبابه ويخترق الحدود بلا سابق إشعار، وهو موقن بأن المغاربة سيستقبلونه بالأحضان ليس بدافع الحاجة، وإن كانت الحاجة قائمة وحاضرة بالفعل، ولكن بدافع الخلق المغربي الكريم، وكذلك الامتثال لدعوات ملك ما فتئ يمد يده لرأب الصدع وإنهاء الخلافات والأزمات بين الجارين الشقيقين.
فالملك في المغرب يعبر عن مكنونات صدور مواطنيه، ومواطنوه يبادلونه ذلك بلا أدنى رياء ولا مغالاة… لكن أنّى لرئيس دولة من ذلك النوع أن يفقه في هذه المعاني الراقية، فبالأحرى أن ننتظر منه أن يتماهى معها ولو في الظاهر، وقد بدا للعالم أنه لا يضمر ولا يُبدي إلا شرا مستطيراً لن يلبث أن يأخذ بتلابيبه… والأيام بيننا!!!
خامسا: اعلنت وزارة الخارجية الجزائرية فيما يشبه مجاراتها لبهلوانيات رئيس الدولة، بأن الجزائر ستفتح أجواءها لتمر المساعدات اللازمة إلى الشعب المغربي المتضرر من الزلزال، لكن بالله عليكم، لمن ستفتح الجزائر أجواءها؟ إذا كان ذلك في وجه طائرات مختلف دول العالم فالأجواء الجزائرية لم تُقفَل في وجه هذه أساساً!!
فالدولة الوحيدة التي أوصدت الجزائر مجالها الجوي أمام طائراتها هي المملكة المغربية تحديداً… وهذه الأخيرة ليست في حاجة لسماء الجزائر كي تنقل المساعدات والمؤن من مختلف اصقاع المملكة إلى المناطق المتضررة والمنكوبة… فما معنى هذا، غير كونه ضحكاً على الذقون ومحاولة يائسة وبليدة وغبية لتبرئة ذمة مصابة بكل الأدران، بعد أن وجد الرئيس الجزائري نفسه في موقف بالغ الحرج أمام أنظار العالم، الذي وقف ينظر إلى ما سيفعله هذا الرئيس في هكذا أزمة…
وليت تلك القذارة وقفت عند ذلك الحد، إذ نجدها مستمرة عبر هجوم محموم ومستديم على المغرب حتى في عز الكارثة!!!
يؤكد ذلك التحامل المستديم، ما لا تزال تنشره وسائل الإعلام في ذلك البلد الغريب من أكاذيب، ليس آخرها ما جاء به أحد المواقع التابعة “لمخابرات عبلة”، والذي بث عنوانا كبيرا عريضا يدعي فيه “أن السلطات المغربية تمنع مواطنيها من دفن موتاهم من ضحايا الزلزال”… وهذا لن يصدقه إلا شعب غُيِّبت قواه العقلية، ورِينَ على قلبه وفهمه ووعيه، كشعب الجزائر المغبون في حريته وفي جميع حقوقه ولا شعب غيره!!!
وليت هذا السلوك المَرَضي اقتصر على النظام الجزائري دون سواه، بل نجده وقد عشعش في مخيال جيل الجزائر الراهن، الذي خرصوا على تربيته منذ طفولته الصغرى على اتخاذ المغرب وشعب المغرب عدواً، “كلاسيكيا” كما سمّاه حارس بوابات الجمهورية الخامسة الكابران السعيد شنقريحة، إلى درجة دفعت بعشرات من ذلك الشباب المسطول إلى التجمهر على الجانب الآخر من الخط الحدودي بين وجدة ومغنية، حاملا معه أدوات الموسيقى والمكبرات الصوت، لينطلق في احتفالية محمومة ومصحوبة بزغاريد ساقطات الجزائر، أمام المغاربة المكلومين والبالغة تأوهاتهم عنان السماء!!!
ليس النظام وحده إذَن، على هذا النحو من السقوط والتردّي، بل عموم الشعب ايضاً، إلا من رحم ربك!!!
نهايته، رحم الله ملكا ترك فينا قولته الشهيرة والبليغة والحكيمة: “ليعلم العالم مع من حشرنا الله في الجوار”!!!
_____________
محمد عزيز الوكيلي
* إطار تربوي