الرئيسية / اقلام حرة / تجربةٌ انتُظر منها الكثير لكنها لم تُقدّم سوى القليل !

تجربةٌ انتُظر منها الكثير لكنها لم تُقدّم سوى القليل !

بعد مخاض عسير، مرّت به بلدان كثيرة والبعض منها ما زال يعاني من تبعاته السلبية؛ فلو عَلمت هذه البلدان أنّه سيأتي يومٌ تُجهض فيه ثوراتٌ أبَت أنْ تُقام إلاّ على دم الشهداء، لمّا فكروا أن ينبشوا رماد نارٍ لم تُحرق سوى أبنائها.

المغربُ كان أحد هذه البلدان التي عاشت أيضأ على إيقاعات النضال والحلم بغدٍ أفضل مما كان عليه حال الأمة من قَبل. تظاهراتٌ ورفعٌ لشعارات الحرية والكرامة والعدالة، وإعادة النظر إلى الثروة وكيفية تصريفها، بعدما عجز المواطن البسيط عن مُجاراة إيقاع الحاجيات المتزايدة، وبعدما فرّ حصان الأسعار بعيداً وترك عربة الأجور وراءَه.

بفطنةٍ من الجالس على عرش هذه البلاد، تمّ احتواء الوضع وامتصاص حماس الشارع، مَخافة أنْ تُعيد التجربة نفسَها كما في بلدان الجوار. في ظل هذا الوضع الإقليمي الذي لا يبعث إلا على هلع الأنظمة من صيحات شعوبها، لم تُعطَ الفرصة للطموح أنْ يكبُر ويصير كنظيره الذي لم يتورّع في مخاطبة الأنظمة بلهجة خشنة، ومطالبتُها بالتنحي لا بإقامة الإصلاح. رأى البعضُ في الفرار خارج الحصن حلاًّ، بينما اختار البعض الآخر المقاوَمة إلى آخر رَمق، حتى لوْ كلّفهُ الأمر الاختباء في أنابيب الصرف الصحي كالفأر.

خطابُ 9 مارس 2011، كما سبق وقلنا، احتوى الوضع، ولم يَدَع الوقت يَطول لتطول معه لائحة المَطالب. فالقصر كان ليُرخي حبل الحرية أكثر، لو طال أمد النضال، لكن مع شعبٍ حَمل في أيْديه فارغاتُ زيت وحليب يشتكي غلاء الأسعار، فلا تنتظر منه أنْ يُطالِبك بأكثر، لأنّه لا يعرف معنى الحرية والكرامة الإنسانية، وليست بمَقاس له. لهذا فُتح صنبور الحرية لبضع دقائق حتّى غطّت مياهُه قعر الصهريج ليُقفَل مرة أخرى إلى حين. تجلى ذلك في أنْ طلّقت السلطة العملية الانتخابية، ومدّت للشعب مفاتيح اختيار مَن يُمثّله في قبة البرلمان ومَن بإمكانه أنْ يُوصل صوته ويتحدّث باسمه.

على حدّ تعبير صناديق الاقتراع، فإنّ المغاربة انتقوْا بعناية مِن وسط قشّ من التجمعات الحزبية، التي تكاد تُعادِل عدد سكان هذه البلاد بلا فائدة تُذكَر. هذا الحزبُ الذي عُقدت عليه آمال كثيرة خصوصاً في ظل المناخ السياسي الذ أمطر إصلاحات دستورية مهمّة، وأعطى الحزب الذي أنصفته الصناديق دوراً أكبر مما كان، في التأثير في مستقبل البلاد والعمل على إصلاح أعطاب مجموعة من المجالات ولو نسبياً، كون القصر لم يسلّم جميع المفاتيح للحزب وحلفائه، بل ظلّت بعض المسائل بيَده، مثل الإعلام والسياسة الخارجية إلى غير ذلك.

 

هنا يمكن طرح بعض الأسئلة، لعلّنا نجد لها أجوبة قد تُساعدنا في تكوين مواقف تجاه هذه التجربة، سلباً أو إيجاباً: ما الجديدُ الذي حَملته هاته التجربة الحكومية الجديدة؟ هل صَدَقت ما وَعدت مَن ولَّوْها أمرهم به؟ وكيف تعامَلت مع الصلاحيات التي أعطاها لها الدستور الجديد؟ وماذا قدّمت للمرأة والشباب الذين كانوا في مقدمة مشروعها الانتخابي؟

كلّ ما يمكن القول، أنّ هذه التجربة الجديدة لها بعض النقاط المضيئة في مسارها الحكومي، تتجلّى في مباشَرة بعض الإصلاحات الجوهرية التي لا مناص منها، والجرأة التي دفعت بها إلى الخوض في أمور تستّرت عليها باقي الحكومات، يتمظهر هذا في إبداء النية والسير بعض الخطوات في مشروع إصلاح أنظمة التقاعد وصندوق المقاصة، لكن هذا لا يرقى إلى سقف الأحلام التي عُقدت عليها. فالنيّة وحدَها لا تطفي لنجاح عمل سياسي كان أو غيره، وَجَب العمل لإيجاد الحلول الفعّالة لتصحيح الوضع؛ فعِوَض أن تزرع الرّعب في ذهن المواطن كل يوم بالتهديد برفع الدّعم عن الثالوث المقدّس بالنسبة إليه (غاز البوتان والدقيق والسكّر)، رغم أنّ هذه القرارات في صالحه بالدرجة الأولى.

يجبُ إيجاد الحلول قبل إعلان هاته القرارات، لكي لا يكون الإصلاح على حساب المواطن البسيط، بالأخذ من جيْبه ومصّ دَمه وتكديس الأموال في جيوب الباطرونات والوُلاة والعمّال، إمّا بإلغاء الضرائب أو منح تعويضات عن السكن، وكأننا نعيش في زمن فاضت فيه علينا الأموال.

أما فيما يخص تعامل حكومة بنكيران مع الصلاحيات التي مَنحها الدستور إيّاها، فهي لم تتعامل معها كما يجب، تاركة إيّاها حبراً على ورق، إما خوفاً أو طمعاً في كسب ود القصر، خصوصاً بعد التطبيع النهائي والمتكامل مع المؤسسة المَلكية، فكلّ القرارات المصيرية والجادّة، ترجع فيها للوراء وتتبرّأ منها، لتُفسح المجال أمام المَلك ليتكلّف بها.

المرأةُ والشباب هُم المتضرّر الأول من هاته التجربة، ففي بعض القرارات الحكومية المثيرة للشفقة تارة، والمخيّبة للآمال تارة أخرى، يبقى الواحد منّا مستغرباً ومصدوماً أيّما صدمة. هل النهوض بأوضاع المرأة يكون بتشجيعها على الكسل والأمّية؟ ففي صدد الحديث عن المرأة، فإنّ الحكومة وقّعت على منح الأرامل تعويضاً بقيمة 1500 درهماً شهرياً، وأيّ أرملة ! يجب أنْ تتوفر على ثلاثة أطفال ويجب أن يكونوا مُتمدرسين. أليْس هذا ضحكاً على الذقون؟ ماذا ستفعل الواحدة بهذه القروش يا تُرى؟ هل تصرفها في أداء الكراء، أم في المأكل، أم الملبس، أم في تمدرس الأطفال؟

أما الشباب المجازون وذوي الشهادات الجامعية فسوف يتمّ تعويضُهم بـ1000 درهم إلى أنْ يجدوا عملاً في مدة لا تتعدّى ثلاثة أشهر. وهل هذه البلاد يحصل المرء فيها على فرصة عمل في مدة 3 أشهر، في ظل غياب شبه تام لفرص الشغل، وحالُ الجامعات التي تردّت أوضاعُها وأصبحت تُنتج أنصاف أميّين عوض أن تُنتج طاقات وقدرات بشرية بإمكانها أن تجد لنفسها مكاناً في سوق الشغل؟

إذا كانت للحكومة حقّاً نيّة النهوض بأوضاع المرأة والشباب فيجب التفكير في حلول عميقة وناجعة، تستطيع فعلاً تسوية أحوال هذه الفئة الحيوية، وهذا يكون بإعادة النظر في المنظومة التعليمية المتهالِكة وتصحيح الوعي ومحاربة سياسة الكسل والتواكل على الدولة في التصدّق عليها ببعض الدّريْهمات، هذه المرأة نعلّمها أولاً لنفتح أمامها أفُق التفكير والإنتاج، كيْ تُنقذ نفسَها ووطنها في نفس الوقت، والشاب يجب أن نوفّر له الجوّ والوسائل المنطقية التي ستساعده في بناء ذاته معرفياً ومالياً، لا أنْ نربط وعْيَه ومصيره باستنجاد الدولة في أنْ تجد له عملاً في الوظيفة العمومية. دورُ الدولة هنا في جلب الاستثمارات ووَضع اللبنات الأساسية لهيكلة القطاع الخاص وضمان حقوق وحريّات العاملين به.

صفوةُ القول إذن، أنّ النيّة الحسنة مقرونة دائماً بالعمل، وإذا سقطت التجارب الإسلامية تباعاً في كلّ من مصر وتونس لافتقارها للتجربة أو لظرف خارجي يعلمه الله، فكلّ ما على التجربة الإسلامية “المُمَغربة” على حدّ قول مُتزعّمها بالمغرب، هو العمل على تفعيل وُعودها وفي أقرب وقت ممكن؛ لأنّ الإيمان هو ما وَقر في القلب وصَدّقه العمل !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *