تحت شعار : أنا والسلطان …. بديل بريس تنشر في حلقات كتاب (أنا والسرطان) الذي دون فيه الصحفي محمد شروق رحلته الشاقة والأليمة مع مرض السرطان… رحلة تحول فيها الداء إلى مريض يطلب الرحمة من روح رفضت الانصياع والموت. ومن جسد تحول إلى سجن لأخطر وأقوى أمراض العصر. بديل بريس التي واكبت حياة الكفاح والمقاومة التي عاشها خريج المعهد العالي للصحافة والموظف بقسم الاتصال بعمالة المحمدية. تؤكد على أن روح شروق أبانت على أن لكل إنسان روحا قادرة على أن تكون سلطان جسدها. وبإمكانها أن تطرد الّأمراض والأوبئة بعلاج الصمود والتحدي. وأن بالعزيمة لاشيء مستحيل، لأن الخالق أوصى بأن لكل داء دواء. ولأن الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء. فإن روح شروق استحقت أن تكون سلطان بدون تاج لكل مريض. وإن كتاب حياة وكفاح شروق استحق أن يحمل لقب القائد والقدوة لكل المرضى… فقد أشرقت شمس جديدة بنشر كتاب (أنا والسرطان). كتاب (أنا والسرطان) قام بتقديمه هذا البروفيسور عبد اللطيف ابن إيدار وأستاذ بكلية الطب والصيدلة عن جامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء ومدير مركز محمد السادس لعلاج السرطان وعضو اللجنة العلمية لمؤسسة للاسلمى للوقاية وعلاج السرطان. وأهداه مؤلفه محمد شروق إلى روح والده الذي ودعه ذات صباح حزين في 07 يوليوز 1991، وإلى أمه الغالية متعها الله بالصحة، وإلى رفيقة دربه زوجته التي تعيش معه رحلة المرض بصبر و عطاء، وإلى أبنائه وإخوته وأصهاره وجميع أفراد عائلته، وإلى جميع الصديقات والأصدقاء الدين اقتسموا معه آلامه وآماله، وإلى جميع المرضى بداء السرطان..شافاهم الله
تأكد الأمر: سرطان غزوي يخترقني
سألتها متلهفا: هل فتحت الظرف؟ هل قالوا لك شيئا في المختبر؟ قالت لي: لا. كنت أنتظر منها جوابا آخر بدل أن أعيش ساعات إضافية من انتظار قاتل. كنت أنتظر أن تزف لي خبرا مفرحا وأنا أتمعن في قسمات وجهها.. أحيانا يمكن أن تكون حروف الوجه أكثر تعبيرا وبلاغة من الكلام.. لكن قسمات وجهها كانت جامدة. انتزعت منها الظرف، فتحته بأصابع مرتعشة ومستعجلة، وشرعت في قراءته بسرعة.. تطارد عيناي السطور الهاربة. تجربتي القصيرة مع المرض أسعفتني في إدراك معاني بعض المفاهيم والمصطلحات الطبية. قرأت وأعدت القراءة بضعة. زوجتي هي الأخرى تنتظر على أحر من الجمر سماع نتيجة حاسمة وهي تمني نفسها بأن تطلق زغرودة الحياة. اكفهر وجهي، بلعت ريقي، كانت لغة عيني ناطقة فصيحة. كل شيء واضح في الورقة التي تؤكد وجود الورم وعلى النوع الغزوي الذي يهجم وينتشرinvasif maligne. دقت ساعة الحقيقة التي كنت أحاول تأجيلها.. أنا مريض بالسرطان أيها العالَم. كان علي في تلك اللحظة أن أختار بين إعلان الحرب أو رفع راية الاستسلام، فاخترت بدون تفكير أن أدق طبول الحرب.
شرحت لها ما قرأت وبأن الداء موجود. كان عمر ببراءته يأكل الحلوى ويلهو بجانب السيارة دون أن يعلم بأي شيء. ارتبكت للحظات وعجزت عن التفكير. انتهت مرحلة الشك وظهر اليقين. هاتفت صديقي الدكتور عثمان بعيد. قرأت عليه نص التقرير فأكد لي صحة ما استنتجته من التحاليل وقال لي: أنا أنتظرك بالمستشفى.
أول ما رآني قال لي الآن عليك أن تعود إلى الطبيب المختص في الأنكولوجيا. حملت ملفي الذي كان بالمستشفى وعدت إلى البيت. وللقارئ أن يتخيل وقع خبر مثل هذا يرهن حياتك لشهور أو سنوات أو لمدة لا يعلمها إلا الله في يوم رمضاني حار.. كان هذا أصعب يوم في حياتي.
اتفقت مع زوجتي على إبقاء أمر إصابتي بالداء في الكتمان على أساس إخبار الجميع بالتدريج. فليست هناك مصلحة في صدمة الأقرباء الأحباء. فأكيد سيصل اليوم الذي سيعرف فيه الجميع الحقيقة.
كنت أخاف على مشاعر الآخرين أكثر من خوفي على نفسي. أنا تقبلت أمر الله وقدره وكنت أشعر بالقدرة على تحمل المرض. كنت أفكر خاصة في أمي التي لن تتقبل هذا الابتلاء وفي الأخت الوحيدة المصابة بداء السكري. حاولت تأجيل مصارحتهما بالحقيقة أطول فترة ممكنة. فعلمهما بالخبر لن ينفعني بشيء وسيشكل لي مشكلا كبيرا.
فكرت في الموت وأنا دائما على يقين أن الذي يموت لا يتألم. فكل أحاسيسه تتوقف مع توقف نبضه ولكن الألم والحرقة والعذاب يبقى للآخرين الأحياء.
أنا لم أكن أتمنى الموت ولكن إذا جاءت سأرحب به وأشرب معه فنجان قهوة، ثم نغادر سويا، فالموت عنيد وسارق ولا يزورك إلا ليسلب منك أعز ما تملك.. الحياة. لم أكن أتمنى الموت من أجل أبنائي الثلاثة. لم أحقق لهم شيئا بعد، وهم في حاجة لي أكثر مما أنا في حاجة إليهم. كنت أتمنى أن أرى شيماء في يوم ما وهي تفتتح عيادتها كطبيبة جراحة للأسنان. كنت أمني النفس برؤية علي الذي يحمل اسم والدي وهو يعتلي مركزا اجتماعيا ومهنيا أفضل مني. آخر العنقود عمر الذي مازال في القسم الأول من الابتدائي وهو شبهي تماما، كنت أدقق فيه النظر فأستلهم منه القوة والصبر والأمل. شيماء وعلي وعمر… بكم سأحارب هذا الداء الذي غزاني وسأطرده.. من أجلكم ومن أجل أحبة آخرين سأصارع من أجل البقاء.
قابلت بالمستشفى الطبيب أورمشي الذي أجرى لي العملية الجراحية لأسلمه نسخة من نتيجة تحليل العينة. قال لي هذه هي الورقة التي كانت تنقص الملف. نصحني بالعودة إلى البروفيسور بني إيدر الذي ذهبت إليه في اليوم الموالي حاملا رسالة التأكيد.
وجدت قاعة الانتظار كما تركتها مملوءة بالمرضى أغلبهم نساء تتجاوز أعمارهم الخمسين سنة.
جاء دوري لأقابل الطبيب الذي كان قد توصل عن طريق الكاتبة بنتيجة التحليل. ربما توقع سؤالي عما وقع في الزيارة الأولى وعدم اقتناعه بوجود المرض. لم ينتظر وقال هذه المرة إن التحليل أكد وجود الداء وشرع في شرح ما يسمونه بروتوكول العلاج، أي تلقين فن التعايش مع قاتلك. قال: ستخضع لثلاث حصص من العلاج الكيماوي “الشيميو” وكل حصة تشمل ثلاثة أيام متتالية وهناك فترة راحة مدتها 21 يوم بين كل حصة وحصة. وستخضع أيضا لحصص يومية باستثناء يومي السبت والأحد للأشعة ومدتها شهران. نصحني أيضا بزيارة طبيب أسنان من أجل اتخاذ بعض الاحتياطات والإجراءات التي سأتعرف عليها في ما بعد. الطبيب أضاف أن كمية الدواء تزداد كلما ازداد الوزن. وقد كنت معنيا بهذا لأنني سأبدأ العلاج ووزني 110 كلغ.
أهم ما طلبه الطبيب هو استكمال ملف طبي قبل بداية العلاج، ويتضمن الملف تحاليل دموية وأشعة للصدر والإيكوغرافي وصورا للجسم كله تبين هل وصل المرض إلى العظام وهو ما يعرف بـ”سانتيغرافي”. سألني أيضا عن التغطية الصحية، فتكاليف العلاج باهظة.
بعد أسبوع، عدت إلى الطبيب حاملا ملفا متكاملا والحمد لله كانت جميع التحاليل والكشوفات مطمئنة خاصة عدم وصول الداء إلى العظام. وهنا لن أتكلم عن مصاريف الملف المتراكمة.
سلمت الملف للطبيب وطلبت منه إن كان بالإمكان تأجيل بداية العلاج إلى ما بعد يوم عيد الفطر الذي كان على بعد أيام قليلة. لم يعترض واسترسل في الشرح، الحصة الأولى من الشيميو حدد لها أيام 06،07 و08 غشت 2014. والحصة الثانية أيام 27،28 و29 من الشهر نفسه. وسيتحدد موعد الحصة الثالثة في ما بعد. نصحني أيضا بأكل أي شيء في النصف الأول من الراحة بين الحصتين وبأكل ما هو مطبوخ فقط في النصف الثاني نظرا للنقص الكبير في المناعة الذي سيسببه العلاج الكيماوي.
سألته: هل هناك نظام للأكل
أجاب بدبلوماسية: لا.. كل ما طاب لك
وهو يدرك تماما أن الشهية ستنعدم خلال الأيام التي تلي العلاج الكيماوي. في خضم الأيام الصعبة ووسط التعب وانعدام شهية الأكل، كنت أتذكر كلامه وأبتسم.
في محاولة للاطمئنان. قلت للطبيب: سأطرح عليك سؤالا محددا.. هل الداء في مراحله الأولى؟
قال بابتسامة رضا: نعم.
ابتسمت بدوري وأنا أتنفس الصعداء: الحمد لله..
ودعته على أمل اللقاء به مباشرة بعد العيد.
خرجت من مكتب الطبيب واعدا نفسي بأن أعيش بقية أيام شهر رمضان بشكل عادي جدا. فلم تكن تبدو علي أي علامة للمرض. حرصت على الذهاب إلى العمل والكتابة الصحافية والجلوس مع الأصدقاء في المقهى وزيارة العائلة والذهاب إلى المسجد وممارسة الرياضة في الغابة والبحر ومشاهدة التلفزيون وقراءة الصحف.. ممارسة حياة عادية جدا بمعنويات مرتفعة في انتظار ما سيأتي.
غرفة بدون رقم
عالم الطب يتطور كل يوم وبفضل نساء ورجال يكدون ويجتهدون في الدراسة والبحث وأخص بالضبط خلية محاربة داء السرطان، يحرمون أنفسهم من الكثير من متع الحياة من أجل أن يخففوا عنا الألم وأن يسهلوا أمر علاجنا.
في هذا السياق، تم منذ أزيد من 15 سنة اختراع أسلوب جديد في تمرير الدواء إلى الجسم وهو عبارة عن “غرفة” أو “صدفة” توضع عبر عملية بسيطة في أعلى الصدر. وتستعمل خاصة في العلاج الكيميائي.
في الماضي كان يمرر الدواء عبر الوريد، لكن كثرة الاستعمال تضعفه، ينتفخ ويمرض ويطرح حينها مشكلا خطيرا على اليد كلها وأيضا على تمرير الدواء إلى الجسم.
وتظل هذه الغرفة داخل الجسم طيلة فترة العلاج وبعدها حتى يتأكد الطبيب من الشفاء التام حينذاك يمكن نزعها. وتعطى للمريض شهادة يدلي بها في أماكن التفتيش، وخاصة في المطارات لأنها تثير إشارة ومنبها في ممرات المراقبة.
قبل موعد الحصة الأولى للشيميو “العلاج الكيميائي” يوم الأربعاء 06 غشت 2014، كان علي أن أجري عملية تركيب الغرفة يومين قبل هذا الموعد. لكن حصل ما لم يكن في الحسبان. لقد كنت طيلة فترة تشخيص المرض بصحة جيدة وكنت أستعد للشروع في العلاج بنفس الوضع الجيد. في يوم الأحد، أي ثلاثة أيام قبل البداية في العلاج، شعرت بصداع في الرأس سرعان ما تبعه ارتعاش وحرارة في الجسم وحمى. تبرد لم أشعر به طيلة حياتي.. استيقظت في الليل وجسمي يرقص من شدة البرد ضاعفت الغطاء لكن بدون جدوى.
في هذه الحالة، كان علي أن أذهب إلى المصحة لتركيب الغرفة وكنت مصرا رغم كل شيء على عدم التأجيل لأنه سيضطر الطبيب إلى تأجيل مواعيد حصص الشيميو.
مباشرة بعد الخروج من المنزل، وكنت حينها في فيلا أصهاري بواد مرزك بدار بوعزة نواحي مدينة الدار البيضاء حيث قضيت هناك ما يزيد عن 40 يوما وسأعود إلى هذا الموضوع. بعد خروجي من المنزل أصابني الغثيان فقلت في نفسي: سمعت أن الغثيان يكون بسبب الشيميو وأنا بدأت بالتقيؤ قبل ذلك.
المهم قاومت ولم أتراجع وتوجهت رفقة زوجتي إلى المصحة رغم الصداع والحمى والرعشة التي انتابت جسدي. وصلنا إلى المصحة لم ننتظر كثيرا، استقبلتني إحدى الممرضات ووجهتني إلى إحدى الغرف استعدادا للعملية. جاء دوري كان الطبيب شابا بشوشا لطيفا شرع مع بداية العملية التي لم تستغرق أزيد من 15 دقيقة في طرح بعض الأسئلة بلغة فرنسية رصينة عن نوعية عملي وعن مقر سكني بهدف تحويل الانتباه وعدم التركيز على العملية، محاولة لخلق جو مريح بواسطة نقاش من لا شيء وحتى ينسى المريض سبب وجوده بين يدي طبيب جراح تماما كما وقع خلال العملية الأولى.
وبما أنني أشتعل في مجال التواصل والصحافة، فإن الأمر يبدو لي عاديا وممتعا ومشجعا للآخر للدخول في نقاشات متنوعة. وجدت أن الطبيب ابن حي سباتة، ولما عرف أنني ابن حي البرنوصي قال لي إذن نحن جيران. ولكم أسعد عندما أجد ابن حي شعبي في مركز مهني واجتماعي ممتاز مثل هذا الطبيب الشاب.
مرت العملية بسرعة وكان علي أن أغير الضمادة كل يومين، علما بأنني ما زلت أحمل ضمادة أخرى نتيجة العملية الأولى. وهكذا صرت أعالج موضعين للجرح بجسدي إضافة إلى الأدوية التي اشتريتها من أجل مداواة حالة الحمى.. كميات من الدواء ووقاية من الماء الذي يجب ألا يصل إلى مكان العمليتين. في تلك الفترة الصعبة، غاب النوم عن جفوني بسبب الصداع القوي في الرأس وحالة التبرد القصوى. كنت أقول في نفسي يا ربي كنت في أحسن حال وفي الفترة التي يجب أن أكون في كامل قواي قبل اقتحام عالم العلاج الكيميائي ها أنذا أصاب بكل هذا، لا نوم ولا راحة ولا أكل..
كنت أعالج الجرحين في البيت وأذهب إلى المستشفى العمومي لتغيير الضمادة في انتظار بداية الشيميو.