هناك بعيدا عن حماة الجنس اللطيف ورعاة الطفولة البريئة، تعيش نساء فقيرات خارج تغطية كل لوازم الحياة .. فتيات وأمهات ساقهن القدر إلى العمل بجانب الرجال . بين أحضان البؤس وأنياب الجهل واللامسؤولية تذوب شموع أجيال نسوية.. تغتصب في أنفسها وأجسادها ومستقبلها من أجل فتات المال والطعام.. لتحيى أسرهن المعوزة. أمهات نزف عرقا دما وشرفا وتذبل كالأزهار، حرسا على أبناءهن وبيوتهن، و فتيات صغيرات كتب عليهن الحرمان منذ طفولتهن والابتعاد عن أحضان ذويهن… أرغمن على العمل كخادمات بيوت، أو بائعات بالتجوال أو عاملات في الحقول أو .. ينتهي بهن المسار إلى الانحراف والمرض والضياع.. ساقهن اليتم و الحاجة إلى الشقاء.. بعضهن رماهن الآباء والأمهات منذ نعومة أظفارهن بعيدا عن الدراسة والتكوين والحضن الدافئ ، نحو عالم الشغل والتعذيب اليومي ليرفعن من مدخول أسرهن المالي.
أسر ميسورة تفضل تشغيل الفتيات صغار السن
تفضل الأسر الميسورة تشغيل الفتيات صغار السن لتفادي وقوع حوادث مخلة بالشرع بينهن وبين أحد الأبناء أو الأزواج، وإذا كانت بعض هذه الأسر تعتني بخادماتها وتقيم لهن مقاما محترما إلى جانب أبناءها، فإن معظم تلك الأسر يعامل أفرادها الخادمات بالعنف(عنف في اللفظ والعمل والتغذية والمبيت..وعنف جسدي وتحرش جنسي)، ينتهي بتحطيم شخصية الطفلة الخادمة التي قد تعرج إلى الانحراف أو قد تصاب بأمراض نفسية أو عضوية ، لتعود إلى أسرتها الفقيرة وتزيد من معاناتها.
وتكتفي بعض الأسر إلى الدفع ببناتها للعمل كخادمات في ساعات محددة بالنهار لضمان عودتها إلى المنزل يوميا ومراقبة أحوالها، ويصل معدل الأجر اليومي ما بين 20 درهما و50 درهما يوميا، تقوم خلاله الخادمة بطهي وجبة الغذاء والتصبين وتنظيف المنزل ورعاية الأطفال والرضع إلى حين عودة الوالدين العاملين.
كادت بشرى أن تذهب ضحية عملها كخادمة. قالت بحسرة وأسى : عملت لدى أسرة بمدينة ابن سليمان لأزيد من شهر مقابل أجر حدد في 40 درهم لليوم، كان كل شيء يسير على ما يرام، إلى أن حل أخ الزوجة ضيفا على الأسرة وبدأ يراودني عن نفسي، فكنت أرفض ولم أود إخبار أخته، لكنه في يوم هاجمني فصفعته، وتركت المنزل وعدت إلى أسرتي، وما عز في نفسي أن رب الأسرة التي كنت أعمل لديها، اتهمني بأنني سرقت مبالغ مالية وأمتعة تعود لزوجته، ليكتشف فيما بعد أن شقيق زوجته هو الفاعل. ليتنازل عن القضية، ويخفي الأمر عن الأمن والقضاء. سامحه الله، حرمني من رزقي وكاد يسجنني.
احذروا سماسرة الخادمات فقد زاد عددهم وتضاعف ضحاياهم
لم يكن الجيلالي الذي رمى بابنته فاطمة القاصرة إلى أحضان العمل في البيوت بالدار البيضاء، مقتنعا بمدى مشروعية ما فعل، ف(الزنان على الأذنين)، هو الذي جعله ينهار ويؤيد فكرة زوجته وأحد معارفه الذي أكد له أن ابنته ستعشق العيش بمنزل الأسرة التي ستشتغل عندها، وسيعم الخير على الجميع… مرت الأيام ليكتشف الأب أن قريبه ليس سوى سمسار مهمته تشغيل الفتيات بالمنازل مقابل مبالغ مالية تتفاوت حسب القدرة المالية لكل أسرة مشغلة، وليقف على أن ابنته الطفلة البشوشة التي أبعدها عن مقعدها بمستوى الثالث ابتدائي، باتت تشحت الابتسامة كل ما عانقها أو حدثها عن حالها. فسارع الأب إلى إخراج ابنته من قفص العبودية وأعادها إلى بيتها والدموع تكاد لا تفارق وجنتيه من شدة ما اقترف من ذنوب في حق ابنته البريئة. مثل فاطمة كثيرات أوقعن بهن سماسرة وآباء أنساهم طمعهم في الحصول عل المال، مصلحة ومستقبل بناتهن، ذقن العذاب ومنهن من يزال يقتات منه ومنهن من جاءهن الفرج متأخرا، لكن المذنبون وعلى رأسهم سماسرة الخادمات لازالوا ينشطون داخل القرى والدواوير والأحياء السكنية الهامشية، يجالسون الآباء دون الإفصاح عن هويتهم الحقيقية، ويقنعونهم بالتخلي عن بناتهن اللواتي يعشن على حسب قول أحد السماسرة: يعشن في الأوساخ والتعفن، وشغلهن خادمات يخرجهن من جحورهن ليجعلهن فتيات عصريات مرغوبات للزواج من طرف أبناء البوادي والمدن ويظفرن بأزواج ينتشلوهن من أوكار الفقر.
ليس الفقر وحده من اغتصب العديد من الفتيات في أنوثتهن وطفولتهن، وساقهن عن طريق سماسرة البشر للعمل خادمات في بيوت مغلقة يتذوقون داخلها مختلف العذاب والمرارة، فخديجة التي رحلت قسرا إلى مدينة الدار البيضاء لخدمة أبناء، انشغل عنهم والداهم في العمل وسنها لا يتجاوز السابعة، كشفت عن شجع والدها مدمن الخمور، الذي امتهن اللعب اليومي ب (الكارطة، الضامة،…) رفقة أصدقاء الشر من أبناء قريته، قالت خديجة : ما يهم أبي هو مبلغ 1000 درهم الذي يصله إلى منزله كل شهر. فقد تمنى كم مرة لو كان إخوتي الثلاثة كلهم بنات، لضمن عن طريق تشغيلهم خادمات راتبا شهريا يلبي كل نزواته في لعب القمار وشرب الخمر… ورغم ما قيل ويقال بشأن تشغيل الفتيات خادمات بيوت، فإن الكثير من الآباء يستبيحون لأنفسهم التصرف بمستقبل بناتهم وتسخيرهن في خدمات قذرة مقابل المال وخصوصا بالعالم القروي. أسر تشغل بناتها خادمات بالمدن المجاورة لها، بعدما أبعدتهن على المدارس بذريعة البعد أو الخوف من الانحراف أو ضعف الإمكانيات المالية.
قال الشيخ أمبارك الذي لم يعد يقوى على المشي طويلا، إن لديه أربع هكتارات، كان يزرعها سنويا، فتدر عليه محصولا مهما . يدعمه بين الفينة والأخرى بتربية المواشي، ليجمع مصروف يكفي أسرته المكونة من زوجته وبنتيه، لكن مع توالي سنوات الجفاف، انتهت به الأقدار ليدفع ابنته الصغرى لتعمل كخادمة مقابل أجر زهيد توسط له أحد السماسرة. محجوبة ابنة أمبارك لا يتجاوز سنها العاشرة، لم تلج المدرسة قط، قذف بها والدها لتعمل خادمة لدى أسرة بالبيضاء، مقابل راتب شهري بلغ 500 درهم يستلمه الأب شهريا. كما تحكي فاطمة الأرملة، التي دفعتها الحاجة إلى طرق أبواب السماسرة، حيث علمت لدى عدة أسر ميسورة كخادمة، بأجور مختلفة أغلبها لا يلبي حاجتها وطفلها اليتيم (أربع سنوات)، التي تسعى من أجل شق طريق له يقيه شر مد الأيادي. قالت فاطمة ونبرة الحزن تكاد تخنق أنفاسها: قاسيت الكثير في عملي، هناك العديد من الأسر الميسورة لا ترأف بنا نحن الخادمات، نعمل ما باستطاعتنا لكننا نتحمل خطأ كل فرد من أفراد الأسرة، قد ننظف مكان ما ليحل ابن أو زوجة ويلطخ المكان، فيوجه اللوم لنا، وقد يحاول الزوج أو أحد الأبناء العبث بنا، فنرفض، وربما نصرخ ونندد فنكون نحن المتهمين وهم الأبرياء، وشخصيا كدت أذهب ضحية ابن منحرف أراد اغتصابي لولى شهادة أحد الجيران الذي أكد لوالديه أنه رآه مرارا وتكرارا وهو يغازلني وأنا أدفعه.
عاملات الضيعات والحقول: نينجات تحت رحمة الإقطاعيين والمنحرفين
قد تستوقفك لوهلة، تلك الفئة من النساء والفتيات المتخفيات تحت أغطية ونقب. حيث لا ترى سوى أعينهن السابحات هنا وهناك، ينتظرن من يدعوهن للعمل الفلاحي.. هذه الفئة المعروفة باسم (النينجا)، يعرضن كل صباح أنفسهن وأجسادهن للشغل يوميا على طول مخارج عدة مدن وقرى، مرتديات ألبسة رديئة يواظبن على العمل الموسمي في الحقول والضيعات، يستفقن يوميا عند الفجر، فيقمن بتنظيف منازلهن، قبل أن يعددن فطور باقي أفراد الأسرة المنغمسين في سبات عميق. ويلتحقن بزملائهن في الحرفة، حيث يتوجهن قبل بزوغ أولى أشعة الشمس الحمراء، إلى مكانهن المعتاد (موقف أو زنقة أو شارع..)، ينتظرن قدوم أصحاب ضيعات (العنب، البطاطس، الطماطم…)، أو الحقول (القمح، الذرى، الخرطال…)، الراغبين في عاملات مياومات، حيث يتم التفاوض على الأجر اليومي، وطريقة العمل ومكان وفترة العمل قبل أن يتم نقلهن بطرق مهينة على شكل مجموعات، على مثن سيارات (صطافيط) من الحجم الكبير، أو شاحنات أو عربات مجرورة بجرارات أو أحصنة… في اتجاه مكان العمل. حيث يبدأن العمل تحت أشعة الشمس الحارقة أو السماء الماطرة دون كلل أو ملل وحتى غروب الشمس. مقابل أجور زهيدة تتراوح ما بين (50 و100 درهم). يقبلن بالعمل كآمات يتجرعن يوميا الألفاظ السيئة والتحرش الجنسي وغمز وهمس من طرف أصحاب الضيعات وأبنائهم. قد يصل إلى حد العنف الجسدي والاستغلال الجنسي. تواظب (النينجا) على التنقل بعيدا عن أسرتها، أملا في أن تتمكن من تغطية مصاريف الأكل والشرب والكسوة والتعليم. لكن تلك الحرفة التي كانت تقتنصها من وراء أعين المارة والأهل والأقارب، بارتدائها لباس النينجا الذي لا يبرز فيها سوى عينين براقتين ويدين خشنتين. لم تعد آمنة ولا ذات جدوى، بعد أن تعددت الأسباب واختلفت باختلاف روادها.
فتلك الأم أو الزوجة أو الفتاة التي آمنت يوما بقدسية وسمو (الشغل) وأدركت أنه السلاح الوحيد لكسب رغيف (حلال) غير ملوث، والتي اعتبرت أن العمل في الحقول والضيعات خير من الكسل والبحث عن الأموال بطرق مشبوهة. وجدت نفسها أمام إكراهات جديدة لم تكن يوما تتوقعها. فبالإضافة إلى ما عرفته الفلاحة العصرية من تطور، بات يفرض العمل بآليات متطورة والاستغناء عن اليد العاملة بجنسيها اللطيف والخشن. وجدت بعض النساء العاملات معيقات أخرى ، تمثلت في الفساد الجنسي الذي أدمن عليه بعض الإقطاعيين الذين يحاولون مرارا استغلالهن لتفريغ مكبوتاتهم الجنسية. وفرضها ضمن شروط العمل داخل ضيعاتهم. وهو ما جعل العديد من النساء يرفضن الاستمرار في مزاولة هذه الحرفة. كما أن هذه الفئة التي تستعمل نساءها لباس (النينجا) لكي لا يتعرف عليهن العموم من الناس، إما حفاظا على سرية عملهن أو لخجل بعضهن من جيرانهن وأقاربهن. وجدت داخل منازلهن أبناء وبناتا باتوا متذمرون من أعمالهن ومن طريقة لباسهن. ويطالبوهن بوقف العمل في هذا القطاع وبتلك الطريقة المهينة في نظرهم.
كحال إحدى التلميذات التي أكدت للأحداث المغربية أن مشكلتها في مهنة أمها (النينجا)، قالت: أبي مياوم لا عمل قار له، وكثير المرض، وأمي تعمل في الحقول والضيعات المجاورة للمدينة، في البداية كانت أمي تغطي وجهها بمنديل (فولار)، ولا تظهر سوى عينيها، وهي عادة تسلكها معظم النساء العاملات، لكي لا يتعرف المارة عليهن. لكن مع مرور الزمن افتضح أمر أمي وأصبح الكل يعرفها، خصوصا بعد أن قل العمل، وأصبحت أمي وباقي النساء ينتظرن كثيرا في (الموقف)، أملا في الحصول على عمل، وأصبحت أمي مجبرة على مجالسة باقي النساء الملقبات (بالنينجات)، وضمنهن فتيات ساقطات يتلفظن بكلام نابي يحفز الرجال على مداعبتهن والجري ورائهن. وتابعت بتوتر: في البداية وبما أنني كنت أتابع دراستي بالمدرسة الابتدائية القريبة من منزلنا الصغير الذي ورثناه عن جدي من أمي، فقد كنت مرغمة على سماع كل ما يقال ويحاك في حق أمي الشريفة، وهي حكايات من وحي خيال أصحابها، لكن ومع مرور الوقت لم أعد أطيق الاهانات التي تقذفن بها بعض زميلاتي، عن سمعة أمي، وبعضهن يناديني ب(النينجا الصغيرة)، فصرخت في وجه أمي واستعطفتها من أجل البحث عن عمل آخر بعيدا عن النساء النينجات. لكن لا شيء من هذا حدث. وجاء الفرج بعد أن حصلت على الشهادة الابتدائية، وانتقلت للدراسة داخل ثانوية تبعد كثيرا عن مكان سكني، ولا يوجد بها زملائي وزميلاتي في الدراسة سابقا. فتبدلت حياتي اليومية وأصبح لي زملاء وزميلات يحترمونني، لكنني كنت مضطرة في عدة مرات إلى الكذب على بعضهم وخصوصا في العنوان ومهنة الأب، وأتجنب في الكثير من المرات الحديث عن الأسر والمستقبل والإمكانيات المالية لكي لا أجبر على الكذب كثيرا، وهو ما قد يفضح أمري ويعيد علي جحيم الأمس القريب الذي لازال يلاحقني.
قرويات لازلن يعتمدن المنجل للحصاد وكسب الرزق
في مثلث جبلي غابوي يربط العاصمتين الاقتصادية والإدارية بإقليم الخميسات، وفوق أراضي زراعية تئن تحت رحمة الشمس الحارقة، تثير انتباهك مجموعة من النساء يحملن المناجل، يحصدن المحاصيل الزراعية بدلا من آلات الحصاد التي لا يمكنها ولوج تلك الأراضي المرتفعة والمسالك الوعرة. عاملات موسميات يتدفقن على جماعة بئر النصر، أفقر جماعة بجهة الدار البيضاء/ سطات… ينتظرن بلهفة وشوق حلول موسم الحصاد للتفرغ للعمل الشاق تاركين أمتعتهن وأطفالهن داخل أكواخهم ومنازلهم الصفيحية المتواجدة بمناطق جد بعيدة،غير آبهين بقساوة الطبيعة وهزالة مدخولهن اليومي الذي يكلف عشر ساعات من العمل ويكلف بعضهن التنقل لمسافات طويلة ، راجلين أو مستعملين وسائلهن الخاصة من دواب أو مستغلين وسائل النقل التي يمتلكها أصحاب المحاصيل الزراعية. متزودين بالماء والخبز والشاي وما تيسر من كرم أصحاب الأرض، يقضين النهار في العمل والاستماع لأغاني ومواويل بعضهن، وحكايات عن مآسيهن… فئة الحصادة ذكورا وإناثا لا تقتصر على منطقة بئر النصر بإقليم ابن سليمان وامتدادها بإقليم الخميسات وخنيفرة وخريبكة، بل إنها مجموعات منتشرة بعدة مناطق قروية جنوب وشرق وغرب وشمال البلاد، تنتظر سنويا مزارعي الأراضي الجبلية لدعوتها إلى حصد محاصيلها، بأجور تزيد وتنخفض حسب العرض والطلب. بل إن بعض المزارعين أنفسهم يضطرون إلى وقف العمل بأراضيهم، والخروج رفقة زوجاتهم وأبناهم وبناتهم للعمل في مزارع وضيعات أخرى، لضمان مصروفهم اليومي، قبل العودة لإنهاء حصادهم و(دراسهم).
نساء يأتون من مناطق بعيدة للعمل في الحصاد
يفضل القرويون البسطاء بدء حصاد الشعير لتجنب سقوط الحبوب، حيث ينطلق موسم حصاد الشعير مبكرا، بداية من منتصف شهر ماي، وعلى مدى حوالي نصف شهر. يتم التعاقد شفويا مع أحد الوسطاء أو السماسرة أو مباشرة مع مجموعة من النساء عازبات كن أو عوانس أو متزوجات، أعمارهن تتراوح ما بين30 و60 سنة، يتم جلبهن من منطقة بئر النصر، أو من المناطق المجاورة لها على متن شاحنات و(صطافيطات وبيكوبات)، وخصوصا من منطقة زحيليكة بإقليم خنيفرة ومن مناطق الرحامنة ودكالة عبدة وغرباوة …، وهي مناطق بعيدة على منطقة بئر النصر بمسافات تزيد عن 80 كلم، كما يقوم أصحاب الأرض ونسائهم بمساعدة النساء العاملات في عملية الحصاد التي تعتمد على (المنجل). يتوجب على (الحصادة ذكورا وإناثا) النهوض باكرا ليصلوا إلى مكان العمل قبل الساعة السادسة صباحا حيث يبدأون الحصاد اليومي، الذي يتسمر حتى حدود الواحدة زوالا، وهو موعد تناول وجبات الغذاء ثم العودة في حدود الساعة الثالثة زوالا لاستئناف عملهم إلى غاية الساعة السادسة مساء. ويبقى يوم السبت من كل أسبوع عطلة للجميع ومناسبة للتسوق من السوق الأسبوعي (سبت بئر النصر). وتتقاضى النساء والرجال على حد سواء أجورا يومية تتراوح ما بين 50 و100 درهما، وهو أجر يصعب تدبيره من طرف أصحاب (الغلة)، لكن بسبب ندرة الحصادة يرغمون على الأداء. وتستقبل الجماعة القروية بئر النصر حوالي 200 حصادا وحصادة كل صيف، يضافون إلى حوالي 300 حصاد وحصادة من أبناء وبنات المنطقة. وتستمر مدة الحصاد طيلة شهري ماي ويونيو ويوليوز، تليها عملية (الدراس) من أجل فرز الحبوب عن التبن، والتي تدوم إلى غاية منتصف شهر غشت، تستعمل فيها قوائم الخيول والدواب. ويتراوح ثمن (الدراس) ما بين 60 و70 درهم لليوم.
مشاكل تعيق عاملات الحصاد وتحد من عطاءهن
ولعل ما يعيق العاملات في مجال الزراعة البورية التقليدية على امتداد آلاف الهكتارات الجبلية الوعرة بالجماعة القروية بئر النصر، قلة الماء وانعدامه ببعض المناطق وكثرة الحرائق التي تلحق الغابات الكثيفة بالمنطقة، وهي غابات في معظمها غير محروسة، تشكل خطرا كبيرا على الساكنة بسبب الخنازير البرية التي تهاجم محاصيلهم الزراعية، وكذا تجار المخدرات الذي يعبرون المنطقة ولصوص المواشي الذين زاد عددهم في الأشهر الأخيرة. كما أن مجموعة من العاملات في مجال الحصاد، تعفنت أياديهن بسبب الجروح والقروح التي تصيبهن أثناء عملهن بالمنجل. ويصاب بعضهن بالضربات الشمسية (السالمة، مينانجيت)، إضافة إلى خطورة تعرضهن للسعات العقارب والأفاعي التي يتضاعف عددها وحجمها خلال فصل الصيف بالمنطقة. وفي ضل غياب مستوصف في المستوى يمكنهن من التداوي باستمرار،وفي غياب أدوية ضد هذه الأمراض الفتاكة وضد سموم الأفاعي والعقارب، وبعدهن عن مقر المستوصف الصغير الذي يديره ممرض تخجل النساء من محادثته في أمور تعتبرها (حشومة وعيب)، ويعتبرها أزواجهن أحد الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى تطليقهن. تبقى هذه الفئة من النساء عرضة لشتى الأمراض والهلاك. كما أن بعضهن يصاب بخيبة أمل نتيجة سلوكات المزارعين أصحاب المحاصيل الزراعية، الذين يفضلون تأدية أجرهن بالتقسيط لضمان استمرار عملهن، فيما يحاول بعضهم استغلالهن جنسيا أو ابتزازهن بهدف الحصول على خدمات أخرى منهن.
زوجات عاملات يغتصبن في شرفهن ويتكتمن حفاظا على شمل أسرهن
شكايات عدة فضلت صاحباتها كتابتها بالحبر السري والرموز المشفرة على وجوههن. عاملات متزوجات بريئات يتعرضن في ظروف غامضة للاختطاف والاغتصاب.. ربات بيوت وعاملات بشركات وضيعات وحقوق .. فقدن طعم الحياة الزوجية في كنف أزواجهن الشرفاء، حيث يربطهم بهن كل الحب والإخلاص والعفة… فقدن روح الحب والدعابة مع بناتهن وأبنائهن… اختفت من ملامحهن الابتسامة والرشاقة والشموخ، وتخلين عن دورهن الأسري.. فأصبحن محبطات مكتئبات ومنعزلات خائفات…خارج تغطية ما يجري ويدور من حولهن…. متزوجات ذنبهن الوحيد أنهن شمرن على أياديهن، وخرجن من منازلهن للعمل، فوجدن أنفسهن مختطفات بالقوة أو مستدرجات إلى منازل وأوكار واسطبلات و.. من طرف ذئاب بشرية كانت تتربص بهن… ساقهن القدر إلى حيث (اللا شرف) و(اللا رحمة)، فتعرضن للاغتصاب من طرف منحرفين أو مرضى جنسيا أو أقرباء لهن أو جيران… أو زملاء لهن في العمل أو أزواج زميلات أو صديقات لهن…جرائم اغتصاب الزوجات تضل في معظمها بلا عقاب، رغم استفحالها بالمدن والقرى. ورغم حالات العود التي يصر على ارتكابها بعض المنحرفين ممن تأكدوا من صمت ضحاياهم خوفا من الفضيحة ومن تفكك وتشرد أسرهن… متزوجات أصبحن مستباحات لهؤلاء المنحرفين وشركائهم، بعد أن عمدوا إلى تصويرهن في مشاهد مخلة بالحياء، ومنهن من أصبحت تصرف على مغتصبها من راتبها الخاص أو من مصروف بيتها مقابل الابتعاد عنها، وعدم مطالبتها بممارسة الجنس معه. فالمجرمون يعلمون مسبقا أن ضحاياهم يعجزن عن كشف حادث الاغتصاب لأزواجهن، خوفا من الطلاق وتشريد الأسرة والأطفال، كما يعجزن عن كشفه لأقرب الأقرباء وأحب الأحباء. ويبقى اللجوء إلى القضاء أمرا مستحيلا خوفا من الفضيحة و(العار). لتضل جرائم الاغتصاب كالسرطان تنخر أجسامهن وعقولهن وجوارهن. وتبقى الزوجات المغتصبات يحتضرن في صمت. ويبقى التفكك الأسري أبرز مآل لهذه الفئة التي لا تجد من منفذ لخلاصها سوى طلب الطلاق أو الموت؟؟..
صعوبة اللجوء إلى القضاء
الزوجة المغتصبة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتقدم بشكاية للشرطة أو الدرك الملكي أو حتى لوكيل الملك أو الوكيل العام للملك مباشرة. وأول ما تفكر فيه الزوجة الضحية هي النظرات الأولى للطرف الذي ستقدم له شكايتها، والتي غالبا ما تكون نظرة شك بحكم طبيعة عمله، وقد تكون نظرة احتقار أو استباحة أو …والطرف القضائي الذي سيستمع إلى شكايتها يكون في الغالب رجلا أمن، وليس امرأة مثلها تستطيع البوح لها بكل وقائع حادث الاغتصاب وتفاصيله الدقيقة التي تتطلب من الطرف القضائي طرح أسئلة مباشرة أو استنكارية للوقوف على كل ما جرى منذ لحظة اختطاف الضحية أو استدراجها وحتى لحظة تحريرها. هناك متزوجات أو غير متزوجات سبق و تقدمن بشكايات في الموضوع ، فمارست عناصر الشرطة والدرك الملكي عليهن عنفا نفسيا، وأثقلتهن بأسئلة جد محرجة ومستفزة من قبيل (كيفاش زعما عتا جا واغتصبك… وأنت زعما ماكتعرفيهش..). كما أن أسئلة الطرف القضائي لا تراعي حرمة المرأة المتزوجة ولا حساسية وضعها، وتضرب في العمق تقاليد المرأة المغربية وخصوصية أنها متزوجة وربة أسرة. وبعضهن يتعرض للاستباحة من طرف بعض المنحرفين الذين لا يقتنعون بأنهن ضحايا اختطاف واغتصاب.
المغتصبون بعيدا عن قبضة العدالة
بعيدا عن قبضة العدالة، تبقى فئة كبيرة من هذه الذئاب البشرية المتخصصة في نهش أعراض الأسر باغتصاب رباتها العفيفات. فلا الضحايا يتقدمن بشكايات في الموضوع، ولا المجرمون يكفون عن التربص لهن. أربع زوجات بالمحمدية سبق وتم اغتصابهن من طرف ذئب بشري. وضل حينها يصول ويجول أمام أعينهن، يلاحقهن بنظراته الاستفزازية، ويقضي يومه في متابعة خطواتهن منتشيا بجرائمه. هن زوجات لأسر فقيرة يبحثن يوميا عن عمل كخادمات، لضمان مصروف أسرهن. يأتي المجرم على متن دراجة نارية، للبحث عن عاملة للنظافة، وعندما تعجبه المرأة، يوهمها بأن أسرة ثرية غابت عنها خادمتها، وهي في حاجة عاجلة ومؤقتة لبديلة لها، من أجل تنظيف منزلها. يتم استدراج الزوجة التي وجدها الأنسب لإفراغ غرائزه الجنسية. يصطحبها بإذن زوجها أو في غيابه إلى مكان منعزل أو منزل فارغ ليغتصبها بالقوة. تحكي إحدى الضحايا أنه جاء إلى حيها يسأل عن خادمة اسمها فاطنة تعمل لدى أسرة فرنسية بدرب مونيكا، ولما خرجت مجموعة من النساء الفقيرات، بحثن معه على فاطنة التي أوهمن أنه يقصدها، فاقترحت إحدى السيدات عليه، أن تصطحبه زوجة ابنها لتعمل بدلا من الخادمة التي ادعى أنها توجد بنفس الحي. . ولما لمح الزوجة سلم مبلغ مائة درهم لحماتها، وحملها معه على متن دراجته النارية وطفلها الصغير في حضنها، واختلى بها خلف السوق الممتاز مرجان، حيث أرغمها على ممارسة الجنس معه، كما أرغم طفلها على مشاهدته وهو يغتصب أمه. وعمد إلى إزالة كل ملابسها الداخلية والخارجية وتركها عارية في الخلاء رفقة طفلها الذي كان حينها في ربيعه الثالث.