الرئيسية / تحقيقات / تحقيق … من يوقف ويعاقب هؤلاء الذين عبثوا بغابة ابن سليمان ؟: رئة العاصمتين الإقتصادية والإدارية في طريقها إلى الإختناق بسبب لوبي المقالع و تجار المخدرات ومالك الكولف

تحقيق … من يوقف ويعاقب هؤلاء الذين عبثوا بغابة ابن سليمان ؟: رئة العاصمتين الإقتصادية والإدارية في طريقها إلى الإختناق بسبب لوبي المقالع و تجار المخدرات ومالك الكولف

 

 

تدهور الغطاء النباتي وانقرضت جل الحيوانات المتوحشة والأليفة التي كانت تجعل من غابة ابن سليمان موطنا لها. بسبب التلوث ورمي الأزبال، والرعي الجائر، وقطع الأشجار والحرائق والسياحة العشوائية والحرائق، … فقد بات صدر  العاصمتين الاقتصادية والإدارية  يضيق شيئا فشيئا، وباتت رئتهما في طريقها إلى الاختناق…ولم يتبقى داخل الغابة التي مساحتها حوالي 57 ألف هكتار، سوى صنف الخنزير الذي تحميه جمعيات القنص، والذي يتلف سنويا محاصيل وضيعات الفلاحين… بعد أن تحولت إلى مطرح للنفايات و الأزبال بكل أنواعها وتحولت مجاري عيونها إلى أودية للمياه العادمة… أصبحت معقلا للمنحرفين وقطاع الطرق ومهربي المخدرات. وقل التجوال داخل مسالكها،  إلا من مدمني الخمور والمخدرات الذين يدخلونها من أجل اقتناء حاجياتهم من المخدرات والأقراص المهلوسة والخمور، أو من أجل قضاء النهار وأجزاء من الليل في الإدمان والفساد الأخلاقي والجنسي رفقة مومسات.

ثروات غابوية في طريقها إلى الفناء

غابة ابن سليمان (كانبولو أو القشلة… كما داعبها العديد عبر السنين)، لم تعد حكرا على ساكنتها، ولم تعد سهولها ووديانها وغاباتها موطنا خاص بالمواشي والرعاة. فقط أصبحت ورغم الإهمال الذي يطالها يوميا من الساكنة والمنتخبون قبلة للجمعيات المدنية النشيطة والمؤسسات التعليمية والأسر من العاصمتين والمدن المجاورة، وخصوصا في فصل الربيع. منتزهات غابوية  بجماعات المنصورية وموالين الغابة وعين تيزغة، اكتفى منتخبوها بنصب كراسي وموائد اسمنتية بها، وتكفلت الطبيعة بنسج كل ما يستهوي الإنسان وجعله مدمنا على زيارتها ومداعبة مزاياها الربانية. لكن  بطش الإنسان بالطبيعة زاد واستفحل ، فعلى طول الغابة المحيطة بالمدينة يتفاجأ الزائر بكتل من بقايا مواد البناء والمزابل العشوائية والبرك المتعفنة التي تحمل كل أنواع الجراثيم، وغير بعيد عنها يئن مواطنون ومعهم كل الكائنات الحية تحت وطأة غبار المقالع وعبث أصحاب الشاحنات الكبيرة المحملة بالحصى والأتربة، وتستمر المعاناة لتشمل شيئا فشيئا مناطق أخرى طبيعية كانت بالأمس القريب منتزهات (عين الدخلة، عين السفيرجلة، صخرة النمرة، مخيم النفيفيخ،… )،أو محميات القنص، وفي ضل غياب سياحة منظمة، يبقى الزائرون في تنافس مع العابثين، يتصيدون الأماكن الآمنة لقضاء اليوم بها، محملين بكل لوازم الأكل والشرب والإسترخاء، ويبقى ساكنة تلك المناطق عرضة للضياع بين عبث المفسدين وبين عدم القدرة على خلق أنشطة مدرة للدخل داخل منتزهاتهم. وتبقى الثروات الغابوية عرضة للتلف و الانقراض.

مقالع الأحجار تقتل الطبيعة والحياة

 

 وتبقى مقالع الأحجار والحصى المتواجدة بمحيط الغابة، أكبر أداة للتدمير والإتلاف للطبيعة والحياة. فلن تحتاج إلى مرشد أو خبير لتقف على الكارثة البيئية التي حلت بالمنطقة الغابوية المحاذية لدوار الكدية في الجماعة القروية عين تيزغة أغنى جماعة داخل تراب إقليم ابن سليمان..  وتكفي الإشارة إلى أن زيارة واحدة للمنطقة،  تجعلك تسارع الزمن من أجل الوصول إلى منزلك، وتغيير ملابسك وحذائك، والاستحمام، كما قد تضطر للبحث عن عيادات أطباء العيون والجلد والحساسية، لتفادي مضاعفات مرضية بسبب انتشار الغبار المتطاير في كل مكان. من أفواه مقالع الأحجار والأتربة تحاصر ساكنة الدوار ليلا ونهارا، وتقتل ببطء الإنسان والحيوان والطبيعة. فما إن تطل الشمس وتجف مياه الأمطار حتى يغطي الغبار سماء و أرض المنطقة، وما إن تهب الرياح حتى تصبح المنطقة كثلة من الغبار الحاجب للرؤية والخانق لكل كائن حي، وتعلن حالة الطوارئ بالمنطقة، وتلجأ الأسر إلى إحكام إغلاق نوافذ وأبواب غرفها وقراءة ما تيسر من القرآن والصلاة من أجل سلامة أطفالها وشيوخها. فيما تبقى أشجار الغابة وكل نباتاتها عرضة للتلف.

 وتساءل الضيوف وأصحاب الأرض في تصريحات متفرقة لبديل بريس عن صمت المسؤولين بالمياه والغابات، أمام الإتلاف التام للآلاف من الهكتارات على طول وادي شراط، و طالبت الجهات الرسمية والجمعيات المهتمة بالبيئة وحقوق الإنسان، بتدخل العاجل لإنقاذهم وإنقاذ  مواشيهم وأراضيهم الفلاحية، والغطاء الغابوي الذي أصبح مكسوا على مدى أزيد من عشرين كلم ، بغبار المقالع ،مما نتج عنه هجرة الطيور ، وكل أنواع الحيوانات ” الأرانب ، الخنازير، .. ” ، علما أن المنطقة كانت مصنفة من قبل ضمن المناطق الخاصة بالقنص وتربية الوحوش . يذكر أن ملف المقالع عرف سيل العديد من المداد، وأننا تطرقنا للملف في العشرات من المقالات، كما تلقت كل الجهات المعنية شكاوي المواطنين، وتم التطرق إليه داخل قبة البرلمان، لكن لاشيء تغير. علما أن أصحاب المقالع هم شخصيات نافذة مدنيا وعسكريا  تجاوزاتهم فاقت عدم احترام دفتر التحملات، لتصل إلى  خرق قوانين السير من طرف شاحناتها التي تعبث بالطرقات والبشر وتحمل شعار (ممنوع اللمس).  بل إن مصادر جد عليمة كشفت  أن  عامل الإقليم السابق  تعرض للتهديد من قبل  بعض أصحاب المقالع، بعد أن قرر وقف تشغيل مصنع صناعة الزفت غير مرخص وملوث بالمنطقة.

 

 

غابة ابن سليمان موطنا للعصابات ومهربي المخدرات

قلة الحرس الغابوي بعد تطبيق الهيكلة الجديدة للمندوبية السامية للمياه والغابات، جعل من غابة ابن سليمان، موطنا خاصا لعصابات السطو على السيارات على طول الطرق الرابطة بين المدينة ومدن بوزنيقة والمحمدية وسيدي بطاش والرباط عبر عين تيزغة. وقطاع الطرق الذين يعترضون سبل المارة القرويين الذين يتنقلون يوميا من قراهم إلى المدينة أو إلى الأسواق الأسبوعية بالضواحي. كما جعل منها مهربو المخدرات بالجملة طريقا سريا للتنقل إلى كل جهات المملكة، باستعمال مسالكها الوعرة، وخصوصا بغابة الخطوات التي أصبحت شبه ممنوعة على ساكنة الجوار، بعد احتلالها من طرف العصابات والمهربين. وقد علمت بديل بريس أن العديد من مرتكبي جرائم السرقة والسطو أو الاعتداء يفرون إلى داخل الغابة حيث يصعب العثور عليهم. كما أن بعض مروجي الخمور يركنون سياراتهم أو دراجاتهم النارية داخل الغابة بالقرب من المدينة، حيث يستقبلون أفواجا من المستهلكين وخصوصا فترات المساء والليل.

 

 منتزه عين الدخلة الغابوي مفتوح للمنحرفين

 

 

ويكفي الإشارة إلى منتزه عين الدخلة التابع لتراب جماعة عين تيزغة، يستقبل سنويا عشرات الآلاف من السياح المغاربة، معظمهم يحجون في فصل الربيع لقضاء اليوم وسط الأشجار والهضاب والسهول ومياه العين المتدفقة، ويتساءل هؤلاء الزوار ومعهم أصحاب الأرض عن سبب عدم تصنيف منتزه عين الدخلة ضمن خانة المعالم التراثية بالمغرب، وعن مصير الأبحاث التي قامت بها فرقة من الطلبة بالمعهد العالي للزراعة والبيطرة منذ أزيد من عقدين من الزمن، فالمنتزه يضم عدة معالم تاريخية (مغارات وصخور لها قصص غريبة وبها بقايا أواني و رفات )، وسبق  لمجموعة من الطلبة أن حلت بالمنطقة رفقة أحد الباحثين الأجانب، مكثوا في خيام قرب المنتزه حوالي نصف شهر، وجمعوا عدة أواني فخارية تعود لآلاف السنين، كما وجدوا هيكلا كاملا لإنسان قديم. فما إن يطل فصل الربيع، حتى يصبح منتزه عين الدخلة على بعد حوالي 16 كلم من مدينة ابن سليمان، محجا للسياح الأجانب والمحليين. ويتحول منتزه (سيدي ربي) إلى  وكر للشباب المنحرف، ينصبون خياما للتناوب على شرب المخدرات وتناول المخدرات و الشيشا، يقضون النهار تحت ضلال أشجار الفلين. أو يتجولون بمسالك المنتزه حاملين قنينات الخمر الأحمر،همهم الوحيد  التحرش الجنسي بالفتيات دون احترام لأسرهن…. قد تقوم بعملية مسح كاملة لأزيد من ألفي هكتار وهي المساحة التقديرية للمنتزه، ولن تجد بين الأسر والشباب فردا من أفراد القوات المساعدة أو الدرك الملكي أو حتى عون سلطة ، فباستثناء دورية للدرك الملكي تتخذ عادة مكان لها بعيدا من المنتزه لمراقبة مستعملي الطريق بين المنتزه ومدينة ابن سليمان، فإن كل القوافل البشرية والجمعيات والمؤسسات التعليمية وغيرها من الوفود السياحية التي تحج إلى المنتزه تكون تحت رحمة المنحرفين والمتوسلين وبعض الأشخاص الذين يطالبون بمقابل بعض الخدمات يرغمون الناس على طلبها. لم يكن لأحد أو جهة الفضل في وجود منتزه عين الدخلة، قال أحد المخيمين بالمنتزه: إنه منتزه سيدي ربي، ولا أحد فكر في تهيئته ليكون في مستوى السياح الذين يلجون إليه كل فصل ربيع). وأضاف أن اليد البشرية تعبث به وسوف ينقرض مع المدة…المنتزه تابع للمياه والغابات ويقع تحت نفوذ عين تيزغة أغنى جماعة قروية بالإقليم، ومسؤولو الجماعة  يؤكدون أنهم قدموا عدة مشاريع سياحية بهدف تغيير وجهة المنطقة، وأن منتزه عين الدخلة كان من بين ولازال من بين المناطق السياحية المهمة التي يأملون في تنميتها وجعلها منتزه عصري بمقومات طبيعية، لكن المنطقة تابعة لتراب إدارة المياه والغابات فلا الجماعة تنقصها الإمكانيات المالية ولا المديرية قد تعارض على تهيئة المنتزه واعتماد سياحة منظمة وتوفير.

 

 

المياه العادمة  تجهز على آلاف الهكتارات الغابوية

 

بعد  أن كانت من أجمل المنتزهات التي تستهوي أصحاب الأرض قبل الضيوف، لقربه من المدينة، وشساعة مناظره الخلابة، حيث عين السفيرجلة المتدفقة، ومجاري مياه الأمطار  والصخور والطبيعة المنبسطة وسط أشجار الفلين و الأوكاليبتوس… تحولت المنطقة إلى بركات راكدة للمياه العادمة، وانتشرت الروائح الكريهة المنبعثة من مجاري الوادي الحار، وازداد تعفنها بعض أن اختلطت مياه الأمطار بمياه الوادي الحار التي تدفقت فوق جل تراب المنطقة الغابوية. بديل بريس التي عاينت جزء من المجرى على طول حوالي سبعة كلمترات، وقفت على أن محطة التصفية المتواجدة بضواحي المدينة، لا تستقبل كل مياه الوادي الحار، وأن المشرفين عليها أنجزوا قنوات مغلقة قرب حي للة مريم  لإيصال المياه إلى أحواض المحطة، يتم بواسطتها استغلال المياه الكافية لسقي كولف المنزه على أساس أن صاحبه يمتلك وحده حق الاستفادة من المياه المعالجة وفق اتفاقية بين صاحب الكولف وبين بلدية المدينة. فيما تحال أكثر من نصف كميات المياه المتدفقة على المجرى العادي غير المغطى والذي بدأ يحفر له مسارات في اتجاه البحر. وسبق أن أكد مصدر مسؤول بالمكتب الوطني للماء الصالح للشرب بابن سليمان، أن محطة التصفية أصبحت فضاء مجهولا لديهم، بعدما كانوا مكلفين بمراقبتها والإشراف التقني على عملها، وأوضح أن المحطة لا تخضع للتفتيش والتحاليل اللازمة، ولا تخضع لأية صيانة بعد أن غادرها الموظفون المختصون الذين كانوا يشرفون عليها. وأشار إلى أنهم ممنوعون من دخولها إلا بإذن من صاحب كولف المنزه المستفيد الوحيد من مياهها المعالجة. وأضاف أن المحطة صممت لمعالجة صبيب يقدر بحوالي 5600 متر مكعب في اليوم، على أساس أن تتم عملية توسيعها بعد سنة 2010، ما يعني أنها لم تعد صالحة للاستعمال. ونتج عن قصور أداء المحطة التي أنجزت سنة 1997 من أجل معالجة كل مياه المدينة، تدفق المياه في اتجاه أراضي فلاحية مجاورة والغابة. وأوضح المسؤول أن اتفاقية الشراكة وقعت سنة 1995 بين المكتب الوطني وبلدية ابن سليمان وشركة ميلد لصاحب آنذاك هشام البصري، ومنح الإشراف التقني حينها بموجب الاتفاقية للمكتب الوطني، فيما أخذت الشركة على عاتقها التسيير اليومي  والصيانة والاستفادة من المياه المعالجة. وبلغت التكلفة الإجمالية لإنجاز المحطة  96.5 مليون درهم.  موزعة  حسب المساهمين (3075 مليون دولار كندي) أي 23.25 مليون درهم منحة كندية و34.12 مليون درهم مساهمة المكتب الوطن للماء الصالح للشرب و39.12 مليون درهم مساهمة بلدية ابن سليمان. وهو المبلغ الذي قدر كثمن  للأرض التي منحتها البلدية للمشروع، والتي  بنيت حينها خارج تراب البلدية وداخل تراب الجماعة القروية موالين الغابة التي تم حذفها هذه السنة. وعينت الشركة الوصية عند افتتاح المحطة سنة 1997  موظفين بينهم مهندس  وتقنيين وعمال وحراس. وكان على مكتب لونيب المراقبة التقنية ، حيث كانت لجنة تقنية تحل شهريا من أجل إجراء تحاليل للمياه المعالجة والوقوف على مدى عمل المحطة.

لكن أضاف المصدر المسؤول أنهم فوجئوا بأن اتفاق جرى بين رئيس البلدية حينها ومالك كولف المنزه الذي انتهى بعقد الاتفاقية (اللغز) التي مكنت مالك الكولف من الاستمرار في الاستفادة وحده من مياه المعالجة والإشراف على المحطة مقابل صيانتها. وأوضح أنه حسب الدراسات السابقة تم تحديد سنة 2010 كموعد لتوسيعها من أجل أن تستوعب الكميات الكبيرة من المياه العادمة التي تزايد بعض تزايد السكان والأحياء السكنية، وأن معظم المياه العادمة تصرف بدون معالجة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *