اتسعت رقعة الفساد داخل تراب إقليم ابن سليمان لتصل مداها مع تزايد لوبيات العقار الذين قرروا الإجهاز على ما تبقى من أراضي الأملاك المخزنية، باعتماد غطاءات جديدة… تعاونيات ووداديات سكنية، هي في الأصل شركات للاستثمار وأساليب عصرية للثراء الفاحش. وفي الوقت الذي كان السكان ينتظرون أن تنتفض السلطات الإقليمية والمصالح الخارجية لوقف نزيف الأراضي الفلاحية ووقف زحف الاسمنت المسلح. سارع بعض ممثليها إلى تأسيس الوداديات السكنية لجني ما تبقى من أراضي، من أجل تشييد الفيلات، في ضرب صارخ لما تمثله تلك المصالح من حماية ومسؤولية المفروض أن يتسم بها ممثلوها. أراضي داخل مدن ابن سليمان، بوزنيقة والمنصورية، تحولت بين عشية وضحاها إلى مشاريع اسمنتية في غياب تصميم التهيئة المعلق . كما تحولت أراضي أخرى بجماعات سيدي بطاش والطوالع ومليلة والفضالات وأولاد يحيى وأحلاف والشراط و… إلى ممتلكات خاصة لنافذين محليا وجهويا ووطنيا… الكل يسارع من أجل الظفر بأرض في انتظار أن (يذهن السير)، لكي (يسير) … وينسج فوقها ما أراد من بنايات….
إنها بلدتي الصغيرة…التي لم يتفق المسؤولون حتى على كيفية كتابة اسمها… فهي مدينة (ابن سليمان) أو (بن سليمان) أو (بنسليمان). أرادها الملك الراحل الحسن الثاني أن تكون مدينة خضراء. وأمر بحماية بيئتها وهوائها…اختيرت مؤخرا لتكون مدينة بيئية إلى جانب مدينة إيفرن. وهي التي ضلت لمدة عقود تلقب ب(إيفرن الشاوية)، لكن القرار الملكي والتصنيف الحكومي ضل حبيس الورق وأفواه المسؤولين والمنتخبين الذي تعاقبوا على تدبير شؤونها. ضلت الشعارات أقصى ما جادت به كل الجهات المعنية. في الوقت الذي تسللت إلى طبيعتها العذراء، لوبيات الفساد البيئي، واستباحتها أيادي العبث ومحترفي النصب والسطو على المال العام…هنا مقالع للأحجار والحصى دمرت الأراضي، وأتلفت الغابات، ولوثت وعفنت الطبيعة وسممت وأهلكت الإنسان والحيوان … بجماعتي الزيايدة وعين تيزغة…. وهنا عقارات الملك العمومي فوتت بأثمان رمزية باسم الاستثمار والتنمية الاقتصادية داخل المجالين الحضري ببوزنيقة وابن سليمان والمنصورية، وببعض الجماعات القروية المجاورة لهما. في الوقت الذي تم فيه طرد المستثمرين الكبار الذي أرادوا إحداث الشركات والمركبات السياحية (المعقولة). وهناك على طول الشريط الساحلي لمدينتي المنصورية وبوزنيقة والشراط ، البناء العشوائي (ديال بالصح) الخاص بالأثرياء والنافدين سابقا وحاليا مدنيين وعسكريين… شاليات وكابنوات فوق أراضي بحرية، بعضها يهدم ويشيد كل سنة بناء على طلب الزوجة أو (اوليدات الفشوش)… يقابلها صمت رهيب لوزارة النقل والتجهيز. وبالجوار مشاريع غامضة تنبت باسم السياحة، وتنمو زهورها الأولى، فتكتشف أن الواقع شيء آخر. وأنها أراضي اغتصبت لتملأ جيوب النافذين وحاشياتهم فقط…
إنها بلدتي التي تسير نهضتها في الاتجاه المعاكس… تفنن روادها في تطبيق شعار (إنا عكسنا)، ونسجوا خيوطا لنسف كل من يسير عكس خطاهم. قرروا أن تبقى بلدتي في نفس الثياب الرديئة، وأن يبقى شبابها عبيدا للنافذين، وتبقى دواويرهم وأحيائهم السكنية، خزانات انتخابية، يلجئون إليها كل ما حل موسم الاقتراعات الجماعية أو التشريعية. أرادوها أن تضل كما داعبها آباءنا وأجدادنا مكرهين بأسماء الغبن والقهر… كانبولو… القشلة…
إنها بلدتي….(بلاد) بجزم الدال، الزيايدة والمذاكرة والعرب (بجزم العين)، وأولاد زيان، وغيرهم من الأقليات المختلفة عربية وأمازيغية أحرار. (بلاد) القلوب الطيبة البريئة والكادحة، والهمم العالية…تسير بعكس ما أراد لها أصحابها… فلاحة في خبر كان… وصناعة أصبحت في الأحلام… وسياحة بلا مرافق ولا أدنى اهتمام.
…أين نصيب بلدتي من (المغرب الأخضر)… قضاة المجلس الاعلى للحسابات كشفوا المستور … فلاحون كبار همهم الوحيد إحداث التعاونيات من أجل الاستحواذ على دعم الوزارة الوصية، وتعاونيات فلاحية لا تعين إلا روادها… وبالمقابل آلاف الفلاحين بجماعات أحلاف وبئر النصر وأولاد علي الطوالع ومليلة والردادنة أولاد مالك… يعيشون بؤسا لا نظير له.
أين نصيب بلدتي من (المغرب الأزرق)… الصيادون أصحاب قوارب الصيد ينتظرون منذ أزيد من عشر سنوات، افتتاح السوق الحضري للسمك الذي أنجز بشاطئ بوزنيقة. مشروع يحتضر بفعل التغيرات المناخية، وبجانبه صيادون ضائعون، ينتظرون دون جدوى منحهم الغرف، وتزويدهم بالثلاجات والوقود المدعم.
… أين نصيب بلدتي من السكن اللائق، كل المدن استفادت من مشاريع تلو المشاريع لإعادة إيواء الساكنة. وبمدن وجماعات بوزنيقة وابن سليمان والمنصورية و الفضالات. لازال السكان ينتظرون الإفراج على (قبر الحياة) دون جدوى. فبعد جهد جهيد وفرت الدولة مشاريع صغيرة للسكن العشوائي لبعض السكان. (قبر الحياة) هذا… لا يفي بالمطلوب.. حيث الرطوبة وتصدع الجدران بتجزئة (لوازيز) مثلا، التي يعاني سكانها من العزلة وتدهور الطريق المؤدية إليها، ويرغمون على ركوب (التريبورتور) كوسيلة للتنقل إلى وسط المدينة. وبالمقابل هناك مشروع السكن الاقتصادي المنتظر إنجازه فوق أرض السوق الأسبوعي القديم بابن سليمان من طرف شركة العمران. الغموض يلف المشروع الذي وقع تحت إشراف ملكي. وبعض النافذين رفضوا إنجازه واشترطوا تعديله. وهو الآن عالق. وتعاني داخله فئة باعة سوق الجملة المفروض أن تحدث لهم سوقا نموذجية داخل المدينة أو بمحيطها، لأنه لا توجد مدينة بلا سوق الجملة للخضر والفواكه. كما يعاني الحرفيين بمحيط أرض السوق،بسبب عدم الإنصات إليهم. فشرطهم واضح ومعقول. هم يريدون الانتقال إلى حيث يمكن ان يحدث لهم مركب حرفي للحدادة والمطالة. لكن بشرط (وهذا من حقهم)، أن يتم إجلاء كل الحرفيين الذين يؤدون نفس خدماتهم داخل المدينة. إلى نفس المركب، حفاظا على تكافؤ الفرص.
…أين نصيب بلدتي من الشغل والوظيفة، وما مصير منطقة الأنشطة الصناعية التي أجمع العديد من المنتخبين أنها خضعت للزبونية والمحسوبية، وأن أعضاء مستشارين استفادوا منها دون احترام للشروط والمعايير، في الوقت الذي تم فيه إقصاء شباب المدينة. وكيف أنها لم توفر منذ إحداثها أي منصب شغل، باستثناء بعض العمال والعاملات اللذين يشتغلون بدون احترام لمدونة الشغل و برواتب مهينة. وما مصير الشطر الثاني من هذه المنطقة؟ … وما مصير المنطقة الصناعية ببوزنيقة، بعد إغلاق شركة ليوني. وما مصير عمال الإنعاش الوطني وعمال شركات النظافة والحراسة الليلية اللذين يتلقون فتاة المال، مقابل أعمال شاقة وإهانات مستمرة من طرف مشغليهم. كتب عليهم أن يستنشقوا روائح العبودية في أشغالهم، وأن يعيشوا نصيبهم من الحياة بلا حد أدنى للأجور، ولا تغطية صحية ولا حمية جسدية ولا تقاعد مريح…
أينكم يا (وليدات وبنيات لبلاد) الذين انشغلوا بزيارة الأبناك من أجل تكديس الأموال، وتحالفوا حتى مع الشياطين من أجل مصالح مادية، أفقدتهم وطنيتهم وانتماءاتهم الأسرية… أين المثقفون والمبدعون والسياسيون والحقوقيون الخارقون الذين يتقنون فن المراوغة ويبرعون في إيجاد التبريرات الضرورية لكل تجاوزاتهم… أين العيون التي كانت متدفقة بالمدينة… أين عين السفيرجلة التي عفنتها المياه العادمة، بعد أن رفض المسؤولون عن محطة التصفية معالجة كل مياه الوادي الحار، ورفضوا حتى فتح باب المحطة التي انتهت صلاحيتها سنة 2010، في وجه المسؤولين والمراقبين… أين عين الدخلة التي بدأت لوبيات المقالع تزحف اتجاهها. بعد أن أهملت… أين عين الناس وعين الشعرة وعين الفيلاج وعيون كثيرة، أهدرت مياهها، وتحولت مناطقها إلى (عين علي مومن)، ما إن يقربها الإنسان حتى يحس وكأنه معتقل في طريقه إلى الهلاك بسبب التلوث…
أين هي ثراوتكم الطبيعية ومواردكم المائية والبيئية وأراضيكم الفلاحية ؟؟؟ …إن انتظرتم أكثر فربما قد لا تجدون أرصفة للمرور ولا أزقة للعبور ولا فضاء لحفر القبور … إن بطون هؤلاء لا تشبع، وهم مصممون على (لحس القصعة كاملة).