بقلم : عزيز لعويسي
التاريخ 24 يناير 2014 ، والمكان “القاعة الزرقاء” بالمركز الجهوي لمهن التربية و التكوين بالجديدة ،
والحصة حصة “علوم التربية “(مجزوءة التدبير) وجماعة القسم تكونت من أستاذ مكون وأساتذة متدربين… تمحورت الحصة الإفتتاحية حول موضوع “التمثل” كعملية ذهنية يتولى من خلالهــا الأساتذة المتدربين رصد تمثلاهم بخصوص تجاربهم السابقــة كتلاميذ ونوعيــة علاقاتهم مع أساتذتهـــم الذين تركوا بصمات إيجابيــة أو سلبيــة في مسارهم الدراسي ، بهـدف ” التموقـع في التدبيــر” عبـر تجـــاوز مواطن ومكامن الضعف والقصــور في التجارب السلبيــة في أفق وضع تصورات عن “الأستاذ/النموذج” ، وهكذا واشتغــالا على الموضوع، طلب الأستاذ المكون من الأساتذة المتدربين رصد تجاربهم السابقة كتلاميذ في علاقاتهم مع مدرسيهم ، وقد تقرر في هذا الإطار الإشتغال على الموضوع في شكل مجموعات ،بأن يقوم كل أستاذ(ة) متـدرب(ة) بتدوين تجربـته الخاصة على أساس أن يعرض عضو من كل مجموعة تجربته نيابــة عن المجموعة التي ينتمي إليهــا، و بعد مضي حوالي نصف ساعة من الزمن ، قدمت التجارب تباعا في أجواء تقاطعت فيها الحماسة وحسن التتبع و الإصغاء ، وبخصوص تجربـة “سليم” – كما دونهــا في حينــــــه – فقد كانت على النحو التالــي :
” يصعب علي اللحظة وأنا في موقــع الأستاذ المتدرب أن ألبس وزرة التلميذ .. أن أختزل الزمن وأعود كما كنت .. تلميذا في الإبتدائي والإعدادي والثانوي وحتى الجامعي .. يصعب علي اللحظة وأنا في موقع الأستاذ المتدرب .. أن أنبــــــش في ذاكرتي الدراسية التي تمتد لسنوات طوال .. ورصد جزئيات وتفاصيــل أساتذة حظيت بشرف التتلمــذ على أيديهم .. يصعــب علي اليوم .. الحكم على أساتذة علمونــي .. وغدا سيصبحـون زملاء لي .. إذا كان لا بد من الحكم .. إذا كان لا بد من التقييــم .. فأنا أقـــول أن كل هؤلاء الأساتذة والأستاذات .. أثروا في شخصي وفي مساري وتوجهاتي .. منهم من أثار إنتباهي من حيث الهنــدام .. منهم من نال إعجابي من حيث الطريقــة والأداء .. منهــم من كسب ثقتي بالجديـــة والإنضباط .. ومنهم أيضـــا من ترك بصمات وإنطباعات سلبيــة .. وهنا أستحضر صورة الأستاذ “العنيف” ، “السلطوي” ، ” الإنتهازي” ، “النمطي” … إلخ ، وأمام هاتين الصورتين الإيجابيـــة والسلبية .. ومادام الوقت لا يسمح برصد كل التمثلات .. فأنا أكتفي برصد نموذجين وصورتين : الصورة الأولى لأستاذ التعليم الإبتدائي الذي كان يفرض علينا كتلاميذ صغـار أن نحضر له وجبة الفطور بالتناوب كل صبــاح ، كما كان يفرض علينا أن نأتيه من حين لآخــر بكمية من الخضر ،إلى درجة أنه كان يحمل معه في نهاية الحصة كيسا من سعة مائة كيلوغرام مشحونا بالخضر والفواكه ، وتارة أخرى كان يطالبنا بإحضار بيضتين لكل واحد ، وكان يدرس وقتها فوجين ، ويمكن أن نتصور كم بيضة يمكن أن يحصل عليها ( 160 بيضة على الأقل ) ولنتصور أيضــا .. كم بيضة سيحصل عليها في الموسم الدراسي .. أما التجربة الثانية ، فقد كانت أستـــــــــــــاذة مــــادة ” الآثــار” بالكلية .. وهي أستاذة متواصلة جدا ..كانت مندمجة مع الطلبة إلى أقصى حد .. وأعطت بطريقتها الخاصة نكهة خاصة للمــــادة ..ولعل من ثمار عملها أن ساندت وشجعت طلبة الفصل على تنظيم معرض للصور الأثريـــة برحاب الكلية .. وقد تحققت هذه المبادرة على أرض الواقع وكان لها صدى واسع بين أوساط الطلبة والأساتذة على حد سواء ..”.
وعلى ضوء التجارب المعروضة ، فقد تمكن سليم من رصد الملاحظات التاليــة :
– أن التجارب رصدت الأستاذ ” الإيجابي” مقابل الأستاذ ” السلبي ” ، فالإيجابي هو أستاذ محفز ، ودود ، محتــرم واسع المعرفة ، متواصل ، منهجي ، أما السلبــي فهو أستــاذ مفلــس ذو أخلاق رديئــــــة ، محتقر ، عنيف ، غير ديمقراطي لايملك آليــات التدبير والتخطيط ، متواضع الهندام ، عديم القدرة على ضبط القسم ..
– أن التجارب المعروضة موقعت المدرس في زاويتين اثنتين متقابلتين : الزاوية الأولى تحيل على الأستاذ” الإيجابي والثانية يتموقع فيها الأستاد “السلبي” ، وهذا ما سمـــح بطرح جملة من التساؤلات من قبيل ما المقصود ب”الايجابي” و”السلبي” ؟وماهي الحدود الفاصلة بينهما ؟ ما هي مؤشرات ومعايير “الأستاذ الايجابي” و”الأستاذ السلبي” ؟ لماذا صار ” الأستاذ إيجابيا” ولماذا تحول الآخر إلى نموذج “سلبي” ؟ هل الإيجابي السلبي” مرتبط بانطبــاع “شخصي” أم هو موقف جماعي ؟ و هل تمت محاكمة الأستاذ بعقلية التلميذ المتعلم ؟ أم بعقلية الأستاذ المتدرب بكل ما يحمله من مستوى إدراكي ؟
– الملاحظ أن كل التجارب المعروضة موقعت الأستاذ إنطلاقا من مستوى إدراك الأستاذ المتدرب وليس بعقلية التلميذ المتعلم ، بدليل إسقـــاط مجموعة من المفاهيم التي لا يمكن للتلميذ المتعلم أن يستحضر كنهها بل والوعي بها ، من قبيــل ” التخطيط ” ، “التدبير”، “التواصل” … إلخ ، كما أن التجارب لامست مواضيع كبـرى من قبيل الأستاذ المتخلق والمتسلط والمحتقر وغير الديمقراطي والعنيــف … الخ ، وهذا يحيل على تساؤلات كبـــرى تلامس مفاهيم ” الأخلاق” و”التسلط”و”الاحتقار”و”الديمقراطية”والعنف وغيرهــا .
– على المستوى الإدراكي ، لا يمكن لتلميذ في الإبتدائي أو الإعدادي أو حتى الثانوي ، أن يصدر أحكاما من هذا القبيل عن وعي وإدراك ، وبالتالي فإن سؤال “الأستاذ الإيجابي و”الأستاذ السلبي” لم يكن سؤالا خالصا نابعا من ذهنية التلميذ المتعلم ، بل تحكمت فيه عقلية الأستاذ المتدرب بكل ما تحمله من مستويات إدراكية معرفيــة وسلوكية وغيرهـــا .
– من الناحية الواقعية يصعب النفــاذ إلى “تمثـــــل” التلميذ دون حضور عقلية “الأستاذ المتدرب” ، ويصعب بل ويستحيل إيجاد حدود فاصلة بين ” عقلية التلميذ المتعلم” و”عقلية الأستاذ المتدرب” ،بل لا مناص من القول بأن هذا الأستاذ المتدرب ما هو إلا “إبن” لذلك التلميذ المتعلم ” بكل سيروراتــه ، وعليه وتأسيسا على ما سلف ، يبقى السؤال العريـــض على النحو التالي : ما مصداقية الشهادات التي عبر عنها الأساتذة المتدربـــون ؟ هل يمكن إقصاؤها وتجاوزهـا ؟ هل يمكن القبول بهــا رغم إنطباعيتها والتأسيس عليها ؟
-الواقع أن صورة “التلميذ” حاضرة بقوة في ذاكرة وذهنية “الأستاذ المتدرب وهدا الأخيــر ما هو إلا نتاج لسيرورة تلك الصــورة بكل ما حملته من معارف ومكتسبات ، من نجاحات وإخفاقات ، من إنفعالات وتأثيرات وغيرها ، وإذا كانت التمثلات المعروضة تبقى حاضرة ولا يمكن تجاوزها أو نسيانها رغم طابعها النسبي والإنطباعي ، فكيف يمكن للأستاذ المتدرب إستثمار تجاربه السابقــة كتلميــذ ، من أجــل رسم صورة ” الأستاذ النموذج” أو على الأقل “الأستاذ الإيجابي” ؟ فإدانة التلاميذ ” شر لا مفر منــه ” إن جاز القول ، لذلك فإن كل أستاذ متدرب ، مدعــو إلى الإجتهـاد والإنفتاح على المقاربات وطرق التنشيط الحديثة والتسلح بالتكوين الذاتي ، ومدعــو أيضــا للتحلي بقيمــة ” العدل” والإنصاف بين التلاميذ .. من أجل تموقــع أفضل ورسم معالم صورة أستاذ” أرقى” بأسلوب جديد ومتجدد ، مهما كانت الإكراهات والمعوقــات .
– من جهة أخرى ، الملاحظ من خلال التجارب المعروضة ، وإن اختلفــت تقاطعاتهـا واتجاهاتهـا ، فإنها تمركزت جميعها حول ” الأستاذ ” ووضعته على كرسي الإذانة ، بينما غاب أو تم تغييــب صورة التلميذ ، وفي ظل هذا الوضع غابت بعض ملامح الحقيقــة الضائعـــة ، فقد كان من الإنصاف أن ترصد الشهادات المعروضـــة معطيات عن هذا التلميذ الذي يبقــى طرفــا أساسيــــا في العملية التعليمية التعلمية، فمثابرتـــه وإجتهاده ، إنضباطه وتخلقــــه ، لامبـــالاته وتهـوره ، شغبه وإنحرافاتـه ، كلهــا مؤثـرات تتحكم في أداء وسلـــوك وردود أفعـــــال الأستاذ إيجابـا وسلبا ، فالأستاذ قبل أن يكون كذلك ، فهو كائن إنساني سيكولوجي وسوسيولوجـي ينفعل ويتفاعل ، يؤثــر ويتأثـــر ، والمفترض بل والمطلوب في هذا الأستاذ أن يكون إيجابيا آداءا وسلوكــا ، لكن هذه الإيجابية لا بد لها من مجال إيجابي (جماعة القسم ) لتنمــو وترقى وتتطــــور وتتجــدد ، وهنــا يتدخل التلميذ أو التلاميذ لصون إيجابيـــــة الأستاذ وتجويدهــا ، أو على الأقل الحفاظ على توازنهــا وإستقــرارها ، بــل بإمكان هؤلاء التلاميذ أن يكسروا طوق “السلبي” في الأستاذ ، ويحولوه إلى أستاذ إيجابي مجدد ومتجـدد ، ويمكن أن نتصور صورة ” أستاذ إيجابي وســــط تلاميذ ” أشقيــاء” سلبييــن ، ويمكن أيضــا أن نستحضر الصورة في بعدها السلبي ، أي صورة ” أستاذ سلبـي” مقابل تلاميذ “إيجابيين” ، بين الصورتيــن قد تتناسل مجموعــــة من التساؤلات والمعطيات ، لكن الأكيــــد أن نجاح أو إخفاق الأستاذ ، يبقــى من جهــة رهينـا بمدى قدرته على التجديد والتجدد والإنفتـــاح على المقاربات وطرق التنشيط الحديثـة ، ومن جهـــة ثانيـة رهيـن بنوعيـة أداء وتأثيـــر التلاميذ ، فالعلاقــــــة إذن هي علاقـــة تأثيــر وتأثــر ، فكما أن الأستـاذ يؤثر في التلميذ إيجابا وسلبـــا ، فإن هذا الأخيــر بدوره يؤثـــر على الأستاذ سواء من خلال سلوكاته الإيجابيــــة أو من خــلال إنحرافاتـــه وشقــاوتــه داخل فضاء القسـم ..
مقتبس من “يوميات أستاذ من درجة ضابط .”.
-أستاذ التاريخ و الجغرافيا بالسلك التأهيلي (المحمدية)، باحث في القانون وقضايا التربية و التكوين.
[email protected]