لم يكن موضوع تشييع جنازة المرحومة وزارة الاتصال أمرا عاديا، عند تشكيل حكومة آخر فرصة المصغرة، التي عرفت إلغاء 14 حقيبة وزارية. ولم يكن بالإمكان لرواد الإعلام والاتصال أن يشهدوا على تحويل حقيبة وزارتهم إلى مجرد تابوت، وطمر جثمان وزارتهم التي عمرت لأزيد من ستة عقود. ويقفوا صامتين دون إبداء آراءهم. وشرح مواقفهم. علما أن معظم الإعلاميين يرفضون أن تكون مهنتهم ومقاولاتهم الإعلامية تحت رحمة وزارة يقودها سياسي يدار بأجهزة تحكم حزبية. كما يرفضون الخضوع والخنوع لأية أهداف تغرد خارج سرب حرية الرأي واستقلالية التغطية والتشريح والتعليق والتحليل الصحافي المهني. ويؤمنون بقوة وانفراد الضمير المهني، والخطوط الحمراء التي يرسمها دستور البلاد.
تم تشييع جثامين عدة وزارات، وإلحاق مرافقها وإداراتها بوزارات أخرى. إلا أن جثمان وزارة الاتصال شغل الرأي العام، إلى درجة أن البعض رفضوا دفنه، وحاولوا بشتى الوسائل إعادة الروح إلى جسد الوزارة، رأفة بموظفيها الذين يفوق عددهم ال300 موظف.ومسارها الطويل. واعترافا بما تقدمه من خدمات للجسم الصحفي. إضافة الى إشرافها على مجموعة من المؤسسات الحيوية، والمتمثلة في المكتب المغربي لحقوق المؤلفين، ووكالة المغرب العربي للأنباء، والمعهد العالي للإعلام والاتصال وكذا المركز السينمائي المغربي. ويكفي أن المغاربة سيحرمون لفترة من استيراد الكتب الأجنبية. بسبب إلغاء حقيبة الاتصال الجهة المشرفة.
لم نكن يوما نحن معشر الصحافيين والإعلاميين نسعى وراء حذف حقيبة وزارة الاتصال، ولا الدعوة إلى تحويل حقيبتها إلى مديرية تابعة لوزارة ما أو رئاسة الحكومة. فقد كان مطلبنا واحد موحدا لخصناه في ضرورة الإفراج عنا من سجن (الحقيبة السياسية).ورفضنا أن نكون تحت وصاية وزير (منصب سياسي)، ولا تحت رحمة حزب سياسي. وكنا دوما نحمل شعار : الاتصال لكم .. والإعلام لنا.
بمعنى أننا كنا نريد فقط التخلص من وصاية الوزارة. إذ لا يعقل أن يزكي وزير مهنية صحفي، ويوقع أسفل بطاقته المهنية. وغالبا ما يكون ذلك الوزير لا علاقة له بالإعلام والصحافة. وهو ما تم مبدئيا، بإحداث المجلس الوطني للصحافة. والذي لازالت الطريق أمامه طويلة، من أجل تنقيته وتطهيره، وجعله آلية مستقلة جادة وصارمة وحامية لقطاع الإعلام والاتصال.
على سعد الدين العثماني رئيس الحكومة رقم 31، التي فرخت منذ ولايتها أكبر عدد من الوزراء والحقائب، وحطمت الرقم القياسي في عدد الوزراء الذين سيستفيدون من التقاعد المريح.أن يدرك جيدا أن حكومته في حاجة ماسة إلى حقيبة وزارية للاتصال والتواصل. بعيدا عن السلطة الرابعة. وأن سبب قصور أداء الحكومة ووزراءها سواء زاد عددهم أو نقص، يعود بالأساس إلى ضعف خطوط وقنوات الاتصال والتواصل. حيث كل مسؤول أو وزير يغرد داخل سربه الذي أثثه على هواه. وحيث انعدام أقسام ومكاتب الاتصال والتواصل على مستوى الوزارة أو بين الوزارات، أو بين الحكومة والمجتمع المدني وباقي الفاعلين بالمغرب، وفي مقدمتهم ممثلي الإعلام والصحافة.
فلما الإصرار على محاولة المزج بين الاتصال والإعلام. علما أن لكل قطاع مهامه وأهدافه ورواده ؟. ولما لا تكون وزارة الاتصال هي الناطقة الرسمية باسم الحكومة وكل أعضاءها وإداراتها. وهي الجهاز الراعي لشبكة الاتصال والتواصل داخل كل المرافق الإدارية العمومية. فالمفروض أن تحدث كل إدارة أو وزارة مكتب أو قسم للاتصال. مكلف بالتواصل مع باقي المرافق الإدارية داخل وخارج الوزارة. ومع فعاليات المجتمع وممثلي الصحافة والإعلام. من أجل مدهم بالمعلومات والبلاغات والتوضيحات والإعلانات والمستجدات… وترتيب اللقاءات و..
والمفروض أن تحدث مديريات إقليمية وجهوية لوزارة الاتصال، مهمتها التنسيق مع مكاتب وأقسام الاتصال بكل المصالح الداخلية والخارجية للعمالات والأقاليم والجهات. وأن تنكب على تجميع المعلومات وتحليلها. وجعلها رهن إشارة الصحافيين والباحثين والمهتمين. وتدخل بذلك في إطار تقريب المعلومة، والتخفيف من معاناة الصحافيين، الذين يقضون الأيام بين رفوف مكاتب ومصالح الأقسام الخارجية والداخلية من أجل الظفر بالمعلومة. كما تمكن تلك المديرية الإقليمية و الجهوية من معرفة برامج ومخططات كل القطاعات، ومدى توافقها وتلاؤمها. عوض أن نجد أن قطاع ما يبرمج على هواه مشاريع تنموية. تصعب أجرأتها لتعارضها مع برامج ومشاريع قطاعات أخرى.
مع الأسف فإن من حضر تشييع جنازة وزارة الاتصال، قدم التعازي لرواد الإعلام والاتصال. على اعتبار أنهم فقدوا (الأم الحاضنة)، ونسوا أو تناسوا أن تلك الأم لا تقربهم في شيء. وأنهم عاشوا في كنفها برغم أنوفهم. كما عاشوا سابقا تحت وصاية أم الوزارات (الداخلية). ولم يدركوا أنه بفقدان وزارة الاتصال تم الإفراج عنهم. وأن موتها هو خسارة للحكومة التي فتحت حقيبة لمدة 60 سنة. ولم تستوعب قيمة خدماتها الحقيقية. وأن هاجس التحكم في الإعلام والصحافة شغلها إلى درجة أنها صبت كل اهتمامات تلك الوزارة نحو رواده. وغفلت عن مهمة الاتصال والتواصل التي تعتبر بمثابة التيار الكهربائي الذي يزرع الحياة، وبدونه تبقى الإدارات وخدماتها في عزلة تامة.
لو كانت لدينا وزارة الاتصال بالمفهوم الحقيقي للاتصال، ومديريات إقليمية، لتم الحسم في قرار وزير الداخلية القاضي بفرض إحداث مكاتب للاتصال داخل الجماعات الترابية، والذي لازال عالقا منذ شهر مارس الأخير. حيث لم يتم العمل بقانون الحق في الحصول على المعلومات، المفروض أنه انطلق يوم الثلاثاء 12مارس 2019، وكان من المفترض أن يتمكن المواطنين والإعلاميين والحقوقيين وكل الأشخاص الذاتيين والمعنويين، من التقدم إلى مقرات الهيئات والمؤسسات العمومية المدنية، من أجل الحصول على معلومات عامة أو خاصة لا تتعارض مع القانون والسر المهني. وراسلت وزارة الداخلية العمال والولاة، تطالبهم بفرض تعيين موظف أو موظفين داخل مجالس الجماعات الترابية للتكفل بمهمة جمع المعلومات، واستقبال الطلبات والرد عليها. مكلفين بتلقي طلبات الحصول على المعلومات تنفيذا للقانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات. ودعت إلى وضع برنامج عمل سنوي لتدبير المعلومات التي في حوزتها وتحيينها وترتيبها وحفظها وكذا تحديد ونشر المعلومات المشمولة بالنشر الاستباقي مع مراعاة المعلومات المستثناة بمقتضى القانون. لكن لاشيء تم .. فمعظم الجماعات الترابية ومجالس العمالات والأقاليم والجهات والغرف المهنية. بلا مكاتب للاتصال. ولا أدنى تجاوب مع الإعلام والفاعلين.