هكذا تحولت من فضالة الشامخة بسواعدها وبنيانها المعماري الأصيل ومواردها الطبيعية، إلى مدينة حاضنة للتلوث والفساد السياسي والبناء العشوائي والتسيب. فاقدة للزهور والرياضات الأنيقة.. فقدت كل ما يمكن أن يرقي حضارتها، ويحيي عمرانها وينعش مواردها البشرية، ودخلت في سبات لا يفرق بين فصول السنة.. سبات الموت البطيء بطعم الاحتضار.. فيما برز حاضرها بهويات غريبة ومجهولة.. تهوى وتعشق المحظور ومصابة بهوس النوم والفتور.. هكذا هي العاصمة.. فماذا عن دولة المحمدية الممتدة على مدى تراب خمسة جماعات ترابية، اثنين منها حضرية ؟؟..
إن الجماعات الترابية لإقليم المحمدية، وأعني بها الجماعات القروية (الشلالات، بني يخلف، سيدي موسى المجذوب، سيدي موسى بن علي)، والجماعتين الحضريتين (المحمدية، عين حرودة). تعيش على وقع البناء العشوائي، والتراخيص بالاستثناء التي أتت على كل عقاراتها بدون وجه حق. وفي غياب أية استفادة لسكان تلك الجماعات… ويبقى الشعار المرفوع من طرف لوبي الفساد داخلها هو (الاحتلالات للملك العمومي البري والبحري والغابوي)، وتزايد عدد المخازن والمستودعات السرية والضيعات، التي لا يعرف ما يصنع وما ينتج داخلها. ويعيش فقراء تلك الجماعات صعوبات في تدبير السكن اللائق، ومشاكل في البنية التحتية لعدة أحياء سكنية ودواوير… حيث الحفر ومجاري الوادي الحار … والأزبال، وحيث ضعف التزود بالماء والكهرباء.. والانقطاعات المتكررة لها. وضبابية الفاتورات التي تثقل كاهلهم. كما تعاني الجماعات القروية ومعها بلدية عين حرودة من أزمة النقل والاستشفاء وقلة أو انعدام مرافق للثقافة والفن ، وتدهور مجموعة من المدارس الابتدائية والفرعيات المدرسية. وتدهور الطرق والمسالك. كما تعاني تلك الجماعات من ضعف التغطية الأمنية. بسبب قلة الموارد البشرية لعناصر الدرك الملكي. وبات من الضروري أن تبادروا إلى طلب إحداث مفوضية للشرطة بمدينة عين حرودة، التي تفشت داخلها السرقة والعنف وترويج المخدرات والأقراص المهلوسة. وإعادة النظر في كل المشاريع الجارية أو العالقة التي دعمتها الجهة، أو ساهمت في غلافها المالي. بالوقوف على أسباب التعثر.
ولعل أبرز ما ينتظره ساكنة مدينة المحمدية العمل على أن يتم توفير السكن اللائق لكل الفضاليين الأزواج، لا يهم متى تم الزواج ولا أين تم. وأن يعود بريق الرياضة وتنتعش بكل أنواعها الفردية والجماعية بالدعم والتجهيزات الرياضية. وأن يتم إنعاش القطاع الثقافي والفني بكل ألوانه (شعر، زجل، قصة، رواية، مسرح، تمثيل، كوميديا،موسيقى، تشكيل، نحت،..)، بالمدينة والإقليم يعجان بالطاقات الواعدة والمحترفة. وأن تحظى الجمعيات والأندية نصيبها من الدعم الجهوي، والاهتمام في التكوين والتدريب والمشاركة في الملتقيات والأيام الدراسية و…
لابد أن تسترجع الأرض الفضالية جماليتها وهواءها النقي الطاهر. وأن تتم محاربة التلوث الذي أهلك الأرض والعباد… تلوث مياه البحر بسبب مجاري النفايات السائلة التي تصب يوميا داخله. وتلوث الهواء بسبب الأدخنة والغبار المتطاير من بعض المصانع. بالإضافة إلى وقف الزحف الاسمنتي العشوائي، الذي قلص من المساحات الخضراء والضيعات الفلاحية (العرصات)، والبرك المائية (الضايات)، وحولتها إلى فيلات وعمارات شاهقة على شكل صناديق أو بيوت الحمام. زادت من اختناق سكان الجوار. ولعل إطلالة بسيطة على أرشيف المنطقة الرطبة التي كانت من بين أكبر الثروات الطبيعية بالمدينة. قد يحثم العمل سريعا من أجل حماية ما تبقى منها. علما أن تلك المنطقة الرطبة كانت مصنفة دوليا كمحمية للطيور… أين هي تلك الطيور ؟ …ولعل إطلالة ثانية على أرشيف ما تختزله الأسر الزناتية والمجذبة… ستكتشفون أن المحمدية (فضالة) كانت فعلا مدينة للزهور والخضر والفواكه والحبوب. وأنها كانت كلها (عراصي)، وكانت المياه العذبة تجري هنا وهناك بين وادي المالح والنفيفيخ. وستعرفون أن القصبة التي لازالت شامخة إلى حدود الآن بسكانها. كانت تمثل الحضارة المغربية بكل ألوانها، ويكفي أن مسجدها (الجامع الأبيض) يمتاز بصومعة أصيلة ناذرة، ومعروفة على الصعيد العربي والإسلامي. ويكفي أن تعرفوا أن ميناء المحمدية، لم يكن ميناء للنفط، ولكنه كان ميناء لتصدير الحبوب.