حراك الريف كما يسميه البعض جعل أغلبية المواطنين خصوصا الشباب منهم يفقدون الثقة في الأحزاب السياسية ، لكن ( فاقد الشيء لا يعطيه ) كما يقول المثل ، فأغلب الأحزاب المغربية لا حول لها ولا قوة ، فهي مسيرة من طرف النظام ، وتستعمل من طرفه للمقاربة الأمنية ، إذ يفرض على كل الأحزاب التي لها رغبة في تولي المسؤوليات أن تلعب الدور المحدد لها وألا تتجاوز الحدود المرسومة لها ، وطبعا هذا ما يجعل النظام يشدد المراقبة على كل التنظيمات السياسية وكل مكونات الأحزاب وتنظيماته سواء كانت محلية أو جهوية أو وطنية وبالتالي يتحكم في تعيين أجهزتها التقريرية وفي ترشيحاتها الانتخابية ، فالمخزن لا يريد أنظمة سياسية مستقلة في قراراتها ،والمقابل هو تعيين قادتها في مناصب المسؤولية أو ضمهم إلى لائحة خدام الدولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، وكل حزب يتشبث باستقلاليته فهو محكوم عليه بالتهميش والمضايقات وربما تلفيق التهم كما هو حال (أحزاب فدرالية اليسار والنهج الديمقراطي . وجماعة العدل والإحسان )، بل حتى الجمعيات الجادة ( الجمعية المغربية لحقوق الإنسان – أطاك .حماية المستهلك ..) والنتيجة الطبيعية لهذا هو نفور المواطن من السياسة كما تأكد في الانتخابات التشريعية الأخيرة والتي كانت نسبة المشاركة فيها مضحكة ، لكن هذا النوع من العلاقة بين الأحزاب والنظام ليست حديثة ، فتاريخ العلاقة بين النظام والأحزاب والنقابات والجمعيات منذ الاستقلال إلى اليوم يؤكد تجدر هذه العلاقة وهو تاريخ من الصراعات المعلنة والخفية، بعضها اتخذ أحيانا طابعا مسلحا، رهانها الحقيقي هو الحفاظ على السلطة مركزة في يد القصر. الذي لا يريد شريكا له في السلطة حتى لو كان هذا الشريك مواليا له أو من أولياء نعمته. فإستراتيجية النظام منذ استقلال المغرب إلى اليوم قامت على إضعاف الأحزاب السياسية والنقابات العمالية، والقضاء على الحركات الاجتماعية الجادة في مهدها. وقد استعمل القصر عدة آليات في تنفيذ هذه ألإستراتيجية فعمد إلى تقسيم الأحزاب والنقابات، وزرع الانشقاقات داخل صفوفها، وشراء ولاءات زعمائها وقمع العناصر التي لا تستجيب للإغراء أولا تقبل التنازل عن مبادئها. وبالمقابل يعمد إلى خلق كيانات حزبية ونقابية و جمعوية موالية له لخلط الأوراق وحتى لا يٌترك الفراغ للطبيعة تفعل فيه ما تشاء. ولأن مغرباً بدون مؤسسات لا يمكن أن يكون مغربا طبيعيا، لذا تحرص كل الدساتير التي عرفها المغرب من بداية الستينات إلى الدستور الحالي على الاعتراف للأحزاب السياسية بدورها الأساسي في الدولة والمتمثل في تأطير المواطنين والتعبير عن همومهم وتمثيلهم في المؤسسات المنتخبة ،وفي إطار إضعاف قوة الخريطة السياسية الحقيقية في المغرب، أصبح في المغرب أكثر من ثلاثيين حزبا منها ما يوصف بالتقليدية والصغيرة والضعيفة. وتلعب برمجة تقطيع الدوائر الانتخابية دوراً نسبياً في التأثير على نتائج الانتخابات منذ عهد وزير الداخلية السابق إدريس البصري إلى اليوم إضافة إلى أن رهانات الأحزاب تتمحور فقط حول السلطة وسبل الوصول إليها، بغض النظر عن الوسائل والأهداف والإمكانات الذاتية المرتبطة بقدراتها الفكرية والسياسية كتنظيمات وأحزاب.، وقد تكون المواجهات بينها من الوسائل المثلى لديها من أجل إثبات الذات واستمالة المواطن أو إلهائه عن مشاكله الحقيقية ، وكلنا نتذكر الصراعات المارطونية التي خاضها حزب العدالة والتنمية في شخص أمينه العام ضد التجمع الوطني للأحرار ورئيسه مزوار ، ليليه في المعركة حزب الاستقلال في شخص أمينه العام شباط لينهي الأستاذ بنكيران في معركته ضد الاتحاد الاشتراكي في شخص كاتبه العام إدريس لشكر ، وهكذا رأينا الصراعات تحظى باهتمام كبير من طرف الأحزاب ،هذه الصراعات التي تتخذ الأشخاص موضوعا للصراع وليس التنظيمات أو المواقف أو المرجعيات التي ذهب ريحها بشكل كلي في قناعات الأحزاب المغربية ، وأظن أن حكومة (سبع خضاري) القائمة اليوم لا يجمع بين مكوناتها السبعة ( ستة أحزاب + التقنوقراط ) أي مرجعية أو قناعات فهي تجمع بين البيروقراطية والليبرالية المتوحشة والاشتراكية والشيوعية و…. والفضل لكعكعة السلطة التي حولت عداءهم إلى حميمية ،والنتيجة هي أن الحياة الحزبية تعاني ضعف التمثيل ومحدودية التأثير في النسيج الاجتماعي، إن لم نقل بأنها ( أفلست ) لأنها لم تسطع ( أو منعت ) من القيام بالدور الدستوري المنوط بها والمتمثل في تأطير المواطنين والدفاع عن قضاياهم وتمثيلهم في المؤسسات المنتخبة .