يعتبر العمل الجمعوي مجالا خصبا للمساهمة القوية في التغيير الاجتماعي، وميدانا يمكن من خلاله تعلم وممارسة الديموقراطية، واكتساب التجربة والمبادئ في الحياة، ومعالجة الشباب من الحالات النفسية المرضية كالخجل والإنطواء على الذات، وتعلم مجموعة من المهارات في الحياة وطرق الإندماج في المجتمع، وحل المشاكل ومواجهة الصعوبات التي تعترض حياتهم. وقدعرفت جمعيات المجتمع المدني في المغرب تطورا ملموسا ( من حيث الكم على الاقل ) في تكاثر عددها وتنوع مجالات عملها على الرغم من اختلاف أهدافها وأنشطتها خاصة بعد ميلاد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية – التي تعتبر بقرة حلوبا لأكثر من جهة -، وايضا نتيجة ما أحيطت به هذه الجمعيات من تأطير قانوني محكم وما أنيطت به من أدوار لم يسبق لها نظير في تاريخ المجتمع المدني المغربي على ضوء دستور 2011م، أدوار تجعل منها (نظريا الى الآن ) شريكا أساسيا في عملية الاصلاح الشامل والوقوف ضد الفساد والاستبداد. وحسب الاحصائيات الرسمية فقد بلغ عدد جمعيات المجتمع المدني في المغرب سنة 2016 اكثر من 130 الف جمعية .وكل هذه الجمعيات (من خلال ادبياتها ) مرتبطة أساسا ( على الاقل نظريا ) بقيم الديمقراطية والمواطنة والمساهمة في التنمية المستدامة . كيف يمكن تفسير هذا الزخم المدوي في عدد الجمعيات وفي تنوعها ؟ ألا يمكن تفسير ذلك بوعي الدولة بمدى أهمية اقتسام بعض وظائفها، من أجل أن تتفرغ هي – وحدها- لما قد يعتبر أكثر أهمية، أي للسياسة والإستراتيجية العامة ؟ ألا يمكن أن يكون هذا المجتمع المدني- الا القليل – هيئة وظيفية تخدم اجندة الدولة ، وليس مؤسسة لمحاسبة الدولة او مراقبتها كما يظن البعض ؟خصوصا وان الكثير من الجمعيات أعادت اجترار ما اعتدناه من سياسة الدولة التي كانت بارعة في إعطاء إحصائيات غير حقيقية وشعار( العام زين )،وان الدولة اعادت استنبات جمعيات تستمد قوتها منها وترفع نفس القيم التي ترفعها الجمعيات الجادة بغرض تقزيمها ، وما كان يسمى بجمعيات السهول والجبال والوديان خير دليل على ما ذهبنا اليه، هذه الجمعيات التي أشرف عليها أعيان وعائلات مخزنية ، كما أننا اليوم ,نجد (إطارات جمعوية ) تربط بين صانعي القرار فيها رابطة القرابة والمصاهرة أكثر من أي روابط أخرى لها علاقة بالعمل الجمعوي الحقيقي ,
هذا يقود الى طرح سؤال جوهري في المجال وهو : ما هي رؤية الدولة لدور القطاع الجمعوي في التنمية وما هي وظيفته ؟
لقد سبق وصرح وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني بأن أقل من 10% من الجمعيات يحصل على أكثر من 80% من أصل تسعة مليارات سنتيم تمنح للجمعيات سنويا, وأن أزيد من 97% من هذه الجمعيات لا يقدم أية وثيقة رسمية عن مصاريفه, أو أعماله, أو ما نفذه من مبادرات وأنشطة وبرامج وما سواها ، ويضيف الوزير أن هناك "مجتمعا مدنيا مرتزقا, لا يقدم الخدمات التي تنص عليها أوراقه الرسمية. يستفاد من تصريح الوزير ان توزيع ما يخصص من المال العام لدعم هذه الجمعيات, لا يتم وفق معايير موضوعية , بل يتم وفق معايير أخرى, كالزبونية والمحسوبية والريع والولاء للسلطات, اضافة الى ان هذه الجمعيات في مأمن عن كل مراقبة, وأن ما تحصل عليه هذه الجمعية أو تلك, هو في المحصلة بمثابة مال عام تحول إلى مال خاص يتصرف فيه التاوين وراء اسم الجمعية كما يشاؤون , كل هذا يجعلنا نقول بدون تحفظ : إن هذه الجمعيات هي جمعيات أعيان وشخصيات نافذة تستفيد من الريع والفساد مقابل تطبيلهم لما يريده اولياء نعمتهم ، ومقابل عملهم على ترسيخ ثقافة الموالاة والتبعية والخضوع ، وأيضا التشويش عن الجادين بل والتصدي لهم بالقوة اذا دعت الضرورة . فالمال العام كما يفهم من تصريح الوزير يوزع بطريقة عشوائية وغير شفافة، والجمعيات الجادة التي تشتغل بشكل دائم مع المواطن تهمش وتتعرض للإقصاء. بالمقابل خلقت عشرات الجمعيات الوهمية في السنوات الأخيرة، وأصبحت في ظرف قصير تحظى بدعم سخي، لكنها على أرض الواقع لا تشتغل، وأغلبها ولد على يد منتخبين بغرض الاستفادة من هذا الريع، أو من طرف أشخاص همهم الاستفادة المادية . بالمقابل تعاني العديد من جمعيات المجتمع المدني الجادة من التهميش وفي غالب الأحيان من الإقصاء الممنهج والمقصود من الدعم المالي الذي تمنحه المجالس الجماعية والجهات المانحة الاخرى ، بل يتجاوز ذلك ليتم التعامل مع اغلبها حسب الانتماء السياسي أو ما يسمى بالتبعية المطلقة لرؤساء المجالس او للسلطات المحلية او الاقليمية مما يخرجها عن الأهداف التي أسست لأجلها وبالتالي إبعادها عن تحقيق التنمية المنشودة ،ويحيد باغلب الجمعيات عن اطارها الصحيح فاصبحت لا تؤسس انطلاقا من قناعات واهداف نبيلة بل اصبح ميلادها او تسييرها تتحكم فيه اعتبارات عديدة تضرب في العمق جوهر العمل الجمعوي كالسعي لتصفية حسابات شخصية و ذاتية ضيقة مع رؤساء أو أعضاء جمعيات أخرى لهم نفس الاهتمام, أو التضييق على إطارات جادة في الميدان. وغالبا ما يكون التأسيس بإيعاز من جهات تتحكم في توزيع منح أو تخصص في توظيف الإطارات الثقافية لأهداف ذاتية تحت شعار خدمة المجتمع وأصبحت مجموعة من الجمعيات عبارة عن مقاولات تبحث عن الربح المادي للقائمين عليها ومن وراءهم عن طريق إغداق المنح على الأتباع ، وتمييع وخنق أي ممارسة جادة وهو ما عكسته "مبادرة التنمية البشرية" بشكل واضح وفاضح فصارت الأمور عكس المأمول ،مما يجعل الجمعيات غير المحظوظة او الجمعيات الجادة تجمد نفسها او تسلك سبلا غير قانونية لإرضاء اصحاب القرار او لتوفير موارد مالية تمكنها من الإعلان عن تواجدها.