الرئيسية / السياسية / حكاية مناضل اتحادي أهدى إرثه العقاري لإيواء حي الوحدة بالمحمدية ومات ورصيده البنكي 59 درهم

حكاية مناضل اتحادي أهدى إرثه العقاري لإيواء حي الوحدة بالمحمدية ومات ورصيده البنكي 59 درهم

بقلم : عزي بلبودالي

 

كل الشهادات،حوله وفيه  وكل يومياته وسلوكاته تؤكد ذلك أن الراحل السي محمد اشركي كان قيد حياته رجلا قل نظيره.

التجرد الاخلاص والنزاهة وأسبقية العام علي الخاص نظافة اليدالجرأة مع الواقعية النظيفة… نكران الذات..كل أوسمة الشرف وضعت على صدره،… تلكم شخصية والد الاتحاديين والفضاليين الفقيد السي محمد اشركي…

ما كان للسي محمد اشركي ان يكون الا ما كان عليه، وهو يحمل في دمه وعروقه، في لحه وعظمه، دماد وطنية شريفة.. فهو ينتمي الى عائلة وطنية،كبيرة.
والده ، كان من أوائل المقاومين، محكوم بالإعدام مرتين، في الدفاع عن الحرية والاستقلال، وخاله الذي ظل يعيش معه في نفس البيت محكوم بدوره بالإعدام…
: ازداد سي محمد رحمه الله (حسب عقد ازدياده) : 31 دحنبر 1943.. وكان مكان  ازدياده ، بالمحمدية ، بالقطعة الأرضية التي كان يملكها والده الحاج احماد بورحيم رحمه الله، والتي تحولت إلى حي الوحدة الآن.. وهي قصة لوحدها عنوان يعجز اللسان عن وصف سموها!
درس الابتدائي في مدرسة عبد الكريم لحلو. الدار البيضاء. (داخلي) إلى مستوى البروفي آنذاك.. التحق بثانوية مولاي يوسف الرباط، إلى ان حاز على باكالوريا ، ثم بعدها التحق بكلية الحقوق.
و من الرباط عاد إلى المحمدية بدرب مراكش منذ 1960سنة … ليلتحق بثانوية الخوارزمي، وبعدها جابر ابن حيان بالدار البيضاء، كأستاذ للرياضيات..
لقد التحق الشاب محمد اشركي باكرا بالنضال الوطني، في منتصف الستينيات من القرن الماضي، التحق في تزامن قوي الإشارة، مع اغتيال الشهيد المهدي بن بركة
****
سينخرط مستقبلا، في كل الواجهات
وينخرط بحب كبير في مستقبل الحزب، بعد المؤتمر الاستثنائي
الجندي الذي يصنع بمجد المناضلين بدون أن يطمع في ترقية أو نياشين..
الأستاذ النقابي والمسوول الترابي  والأخ .. المناضل الوطني
يعرفه طلبته بأنه الأستاذ الشريف، الذي يجتهد في تربيتهم وتعليمهم، وفي القوت نفسه، يحاب من أجلهم ومن اجل الشغيلة التعليمية ..
عمل مرة أخرى كأستاذ بثانوية ابن ياسين، الرياضيات، سنة  1979
لما غادرنا السي محمد اشركي، فقدنا فيه، وهو في السادسة والسبعين من عمره، حياة سياسية رفيعة، وفقدنا فيه نموذجا لا يضاهي من النقاء النضالي.
فقد تلخص نبل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالمحمدية في شخص السي محمد اشركي.
تحمل مسوولية لم يسع إليها على رأس الجماعة المحمدية ومجلسها البلدي، سنة 1983، أعطي المثال والنموذج للمواطن الغيور إلي أن غادر المسؤولية سنة 1992.
وجمع اسمه كل مناقب المناضل الزاهد، المحب لبلاده، المترفع عن منافع السياسة، لهذا يشعر الذين يعرفونه بأن المدينة ، ومعه كل سكانها، والنضال السياسي ومعه كل المتجردين والمخلصين أنهم فقدوا رافعة إنسانية عالية، لا نظير لها ، في التفاني وحب الناس والسمو الأخلاقي..
لقد غادرنا، وهو لم يستكمل بعد غيابه الكلي، وها هو قد صار بالفعل تمثالا ، ونموذجا حيا للمناضل العابر للتصنيفات.
كانت حياته أسطورة وصار غيابه نحتا علي كتاب الخلود..
لم يكن محمد اشركي ليقبل منا كل هذا الإطراء، ولا أن نقدس روحه في كلمات غير عاديات، كان سيبتسم ثم يطلب منا ان نكتم عواطفنا، كما كان هو زاهدا في هذه الحياة، التي احبها بعمق كبير.…

تعرفه المدينة من خلال المنجزات التي حققها لها، مع مجموعة من اخوانه ، ، والتي غيرت المدنية.. ولا زال لها دورها في الحياة الحيوية
السي محمد، الذي كان الرئيس الوحيد في تاريخ المغرب، الذي وقع بنفسه علي نزع ملكية أراضي عائلته لحل معضلة السكن وإعادة الإيواء..في تلك البقعة الطيبة التي ولد فيها بالقطعة الأرضية التي كان يملكها والده الحاج احماد بورحيم رحمه الله، والتي تحولت إلى حي الوحدة الآن، إذ كان أول رئيس بلدية في الغرب ينزع أرضا في ملكية عائلته، لكي يهبها للناس، وللتاريخ ولله!
هو الذي كان أيضا لا يعرف التراجع عن قرار سليم ويفسح المجال للإخوان من أجل تحمل المسؤولية
***
مر محمد اشركي بكل ما يمر به المناضل، لكنه استطاع أن يعيش ويتخطى كل الإغراءات والمخاوف، وأعطته الحياة فرصة لكي يكون قريبا من مركز السلطة، لكنه تعمل معها بعقلية أستاذ الرياضيات التي تحصنه أخلاق النضال، ولم يسقط لا في إغراء السلطة ولا في خوفها، لا في ذهبها ولا في طاعتها، لا في مركزها ولا في حبالها…

***
نحن الذين كنا محظوظين بالعيش بقربه، وأحيانا معه،نشعر بالعزاء في فقدانه، في التيار الرباني الذي يتركه في حياتنا، وفي تهدئه خواطرنا، وهو يرحل عنا ، بعد أن عيانا كيف استطاع أن يفرض احترام الحياة، والموت معا، له.
ونحن الذي منحنا القدر فرصة لا تعوض بالعيش معه، أبناء وتلامذة وإخوان وأصدقاء أيضا، بنينا معه علاقات كل حب و احترام و تقدير ، وإعجاب صامت،. كان يتعفف كثيرا ولا يطلب بأن نتحدث عن جوهره اللامع في الأعمال وإنجازاته، ولا عن أخلاقه النادرة ولا عن مثاليته، وثقته في الإنسانية…
أعجب الكل بقدرته علي التفاني، وأعجبوا بالأسباب والدوافع التي كانت تكمن وراء أفعاله المتميزه والفريدة، والتي لا يمكن مقارنتها مع ما يحرك باقي السياسيين الآخرين،،،
كل فصل في حياته، يكفي لوحده بأن يخلده في ذاكرة الناس وقلوب المناضلين وأعماق المواطنين..

في اليوم الأخير قبل وفاته، كان السي محمد اشرقي ممددا فوق سرير الإسعاف، وداخل المصحة التي كان يعالج بها، علي ساحل الدار البيضاء.اهتز السرير قليلا، وكان هو ممددا يتحدث إلى إخوة له…
الممرض المرافق لنا في سيارة الإسعاف، اعتذر ، بخجل:
– ما تخافش السي الحاج.
رد عليه السي محمد،
– انا ما خايفش اولدي، انت اللي ما زال صغير يجب ان تحتاط لعمرك، أما انا فبين الوفاة والحياة..
لم يبد عليه ادني جزع، مما يحدث في نهاية العمر، لم يبد أنه يعير اهتماما لحياته، ولم يفقد لحظة بسيطة وعابرة ، لكي يقدم نصيحة، ممزوجة بغير قليل من التفكه لرجل لا يعرفه.
كانت الكلمات قاسية علينا نحن الذي أحببناه، وكان فيها نوع من الوداع، لم نعرفه جيدا سوي بعد أن رحل في صبيحة يوم السبت الموالي..
ظل يقط الذهن، منتبها إلي ما ظل يشكل مركز اهتمامه.
يسألنا عن أوضاع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي أعطاه أجمل أيام حياته. رصع تاريخه وطنيا ومحليا بالأساس بأجمل نماذج النبل النضالي.
لم يكن يعرف اليأس، حتي وهو غاضب أو منتقدا لأوضاع السياسية في البلاد.
**
كان يؤمن بأن المستقبل يصنعه الأمل، والإصرار والتجرد، والانخراط اللامشروط في المبادئ النبيلة.
وعندما ودع الحياة، ، كان قد عاش الحياة بفارع الحياة.
وترك خلفه، ما لم يتسني لآخرين في أعمار عديدة بأن يتركوه: ترك اسما ناصعا، ورونقا إنسانيا يبرزه الخلود والذكرى النظيفة..

هذا الرجل ، بالرغم من كل ما مر بين يديه من ماليات، لم يأخذ مالا لم ينله بعرق جبينه الناصع، بعد تقاعده، عمل محاسبا في شركة بالمحمدية
دون ان ننسي تجربته القصيرة في جريد حزبه..
سيشهد العالم علي رفعته
وسيشهد العالم نفسه علي من نسوا مبادئهم
سيحفظ له العالم مكانا نظيفا في قلوب الناس وذاكراتهم
وسيحفظ له إخوانه أنه كان تاجا فوق رؤوسهم
رحم الله السي محمد وإننا على العهد لباقون…

 

لم أنجح في منع دموعي وأنا أتابع شهادات رفاق الفقيد محمد أشركي..هل كان فعلا بيننا رجلا بقيمته الأخلاقية وصدقية نضاله وعشقه لشعب المحمدية؟هل يمنحنا القدر في هذا الزمن الصعب رجلا محترما مثله أو هو ٱخر الرجال المحترمين؟
موقف واحد اتفق الجميع في ليلة الوفاء لروحه التي احتضنها مساء يومه الجمعة مسرح ألسي عبد الرحيم بوعبيد يقول كل شيء..في زمن التهافت على البقع الأرضية والمتاجرة فيها؛ تنازل السي أشركي عن ملكيته بٱلاف الأمتار ليهبها للمجلس البلدي والذي كان يرأسه…بقعته الأرضية التي تعرف اليوم بحي الوحدة..
مرت السنوات وتوفي الرجل وفي حسابه البنكي 59 درهما فقط !!!!!!

عزيز بلبودالي

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *