الرئيسية / بديل تربوي / حوار مع رئيس منظمة التضامن الجامعي .. الحضن القضائي الوحيد للشغيلة التعليمية .. عبد الجليل باحدو: طول مساطر رد الاعتبار و تحقير الوزارة للأحكام القضائية

حوار مع رئيس منظمة التضامن الجامعي .. الحضن القضائي الوحيد للشغيلة التعليمية .. عبد الجليل باحدو: طول مساطر رد الاعتبار و تحقير الوزارة للأحكام القضائية

 أكد رئيس منظمة التضامن الجامعي أن أطر التعليم الابتدائي أكثر تعرضا للاعتداءات وأن من أهم أسباب العنف المدرسي، استقالة الأسرة كشريك مفترض لترسيخ السلوك المدني وقيم المواطنة بسبب الأوضاع الاقتصادية للأسر وارتفاع نسبة الأمية وانفلات زمام المراقبة منها بفعل التطورات التكنولوجية ( التلفزة، الهاتف، الانترنيت…)، يضاف إليها الأوضاع الإجتماعية. وكشف عن عنف الإدارة الممارس ضد الأطر التربوية والمتمثل في القرارات الإدارية المتسمة بالشطط في استعمال السلطة، والحرمان من الترقية والإعفاء من المهام والاقتطاعات من الأجرة غير القانونية ورفض الوزارة تنفيذ الأحكام القضائية المنصفة لضحاياها

 

حاوره: بوشعيب حمراوي  

 

ما هي أنواع العنف التي يتعرض لها أعضاء الهيأة التعليمية وهل هي وليدة العصر ؟

بداية، لابد من الاعتراف بأن العنف ظاهرة تاريخية، رافقت الإنسان منذ نشأته وهي تضرب بجذورها في عمق التاريخ البشري، وتناولت الدراسات بالبحث والتحليل أسبابها الاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية، ويسجل التاريخ الحضور المتواصل للعنف بين المجموعات البشرية من قتل قابيل لأخيه هابيل مرورا بالحروب المدمرة التي لا يزال أوارها مشتعلا في أكثر من منطقة من العالم، ولم يتم التغلب على هذه النزعة العدوانية، عند بعض الشعوب التي ذاقت مرارة الحروب، إلا بالتربية والتعليم وإقرار الحقوق والعدالة الاقتصادية والاجتماعية، أي إقامة توازن بين مصالح الفئات المشكلة للمجتمع. ولم يشذ المغرب،بتاريخه العريق، عن باقي الشعوب، وقواعد الاقتصاد والاجتماع والسياسة، حيث كان العنف، ولا يزال، حاضرا بكل أشكاله المتعددة وتداخلها في الحياة اليومية للمجتمع. ثم لابد من التذكير بأن التعليم في المغرب كان على عهود طويلة تقليديا في مضامينه وأهدافه وكان العنف سمة بارزة فيه بغاية إعادة البنى الاجتماعية القائمة على القهر والتسلط، حيث كان يمارس العنف في التعليم في ظل منظومة القمع الشامل التي تسود داخل المجتمع المغربي وقد تغيرت هذه الوضعية مع إنشاء المدرسة الحديثة على عهد الاستعمار الفرنسي، ومع أن السلطة الفرنسية منعت العقوبات البدنية في التعليم سنة 1986 فإن العقاب البدني ظل يمارس في المؤسسات التعليمية بالمغرب من طرف بعض المدرسين الفرنسيين، فضلا عن المغاربة، دون خوف من احتجاج الأسر أو متابعتهم قضائيا. أما على عهد الاستقلال فلم تبرز حالات العنف في المدرسة المغربية إلا في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، كما رصدتها الملفات المعروضة على التضامن الجامعي المغربي، وهي قضايا تتعلق بالعنف واعتداءات على أعضاء الهيأة التعليمية وليس على التلاميذ ، فقد انقلبت الآية وأصبح التلاميذ هم المعتدين والمدرسون معتدى عليهم. ويكفي أن نذكر بأن جمعيتنا عالجت سنة 1960 سبع قضايا اعتداء مدرسين على تلاميذ، ثم أصبح متوسط هذه القضايا في الثمانينات 97 قضية.

 

هل من إحصائية حديثة بخصوص العنف المدرسي ؟ 

بحسب إحصائيات الملفات المعروضة على التضامن الجامعي المغربي برسم السنة الدراسية  2016-2017 نجد أن من بين 152 قضية هناك 21 تتعلق بالضرب والجرح و65 بالسب والشتم والتهديد والإهانة، وأكثر الاعتداءات تقع في الابتدائي بنسبة 43% في حين تم تسجيل 13 حالة عنف ضد قاصر. ويمثل السب والشتم: 45 % من القضايا المعروضة والضرب والجرح: 11 %. ونسجل أن أكثر الفئات تعرضا للاعتداءات هم  أساتذة ومديرو التعليم الابتدائي بنسبة 47 % ، 26.3 % إناث و 73.7 % ذكور. يليهم أساتذة التعليم الثانوي الإعدادي بنسبة 15.3 % ، 30 % إناث و 70 % ذكور. وأساتذة التعليم الثانوي التأهيلي بنسبة 13 % ، 12.5 % إناث و 87.5 % ذكور. وبطبيعة الحال فإن الاعتداءات تطال مديري الابتدائي والإعدادي والثانوي والحراس العاملين والإداريين والأعوان في مختلف مناطق المغرب،  بل إنها طالت حتى نائب وزارة التربية الوطنية، كما أن هناك قضايا يتم حلها بالوسائل الودية من خلال لجن الصلح التي تتوفر عليها التضامن الجامعي المغربي في كل الأقاليم والجهات، فضلا عن قضايا يتنازل عنها أصحابها لأسباب متعددة. أما بخصوص هذه السنة فقد بلغ عدد القضايا المعروضة على الجمعية 47 قضية شبيهة، في معظمها، بقضايا السنة الماضية، من اعتداءات على المدرسات والمدرسين بالضرب المؤدي إلى الجرح من طرف التلاميذ والتلميذات أو أوليائهم والعنف ضد قاصر والسب والقذف عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهذه ظاهرة جديدة. إن هذه الإحصائيات تهم فقط نسبة 30% من أعضاء الهيأة الذين هم منخرطون في التضامن الجامعي المغربي، فضلا عن أن الكثير من القضايا يتم فيها الصلح والتنازل. وقد قامت الجمعية السنة الماضية بإجراء بحث ميداني، على نطاق واسع، حول العنف في المؤسسات التعليمية، سيتم الإعلان عن نتائجه قريبا. يجدر التذكير بأن المجتمع المدرسي يضم حسب إحصائيات (2016-2017)،  6.903.647 تلميذا/ة و246.836 أستاذا/ة 26.11 إداريا و7493 من هيأة الخدمات. ومجتمع بهذا العدد من المواطنات والمواطنين وبتنوع مشاربه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وما يحمله من اختلالات مجتمعية في أبعادها القيمية والتربوية والمعرفية والثقافية بفعل تأثيرات العولمة وتطور تكنولوجيات الإعلام والتواصل، لابد أن يحمل إلى وسطه بعض الظواهر التي يعرفها المجتمع العام، ومن بينها العنف، فباعتبار أن المؤسسة التعليمية توجد في قلب المجتمع فإنها لا تنجو أن تكون غير بعيدة عن العنف. ومن تم، فإنه لا يمكن الحديث عن "ظاهرة" العنف في الوسط المدرسي، من الناحية العلمية.

    ما هي أسباب العنف في الوسط المدرسي ؟

من خلال التجربة وتحليل آلاف الملفات التي عالجتها الجمعية منذ سنة 1960 إلى الآن، يمكن أن نزعم أن أسباب بروز العنف وتناميه في الوسط المدرسي تعود إلى جملة من العوامل نلخصها في ما يلي. مشاكل المجتمع والمتمثلة في انتشار البطالة والفقر والجهل، إذ أن إحساس الطبقة الفقيرة بالظلم الواقع عليها يولد لديها نزعة إلى ممارسة العنف. وضعية بعض الأحياء السكنية الهامشية المكتظة والشروط التعليمية غير الملائمة. غير أنه لا يمكن ربط العنف آليا بالوسط الاجتماعي المهمش الذي ينتمي إليه التلميذ. فالعديد من تلاميذ هذه الأحياء نجباء، جادون ومنضبطون. هناك كذلك تغيير القيم التقليدية للأخلاق الفردية والجماعية، ومن المفارقات أن الأساتذة الذين هم في الحقيقة الزراع الأساسيين للقيم أصبحوا، وباستمرار، ضحية لانهيار القيم والمثل في المجتمع. بالإضافة إلى عدم التسامح واحترام الغير، وانتشار المخدرات في محيط المؤسسات وأوساط المراهقين/ات. هناك كذلك مشاكل عائلية، متمثلة في  استقالة الأسرة كشريك مفترض لترسيخ السلوك المدني وقيم المواطنة بسبب الأوضاع الاقتصادية للأسر وارتفاع نسبة الأمية، وانفلات زمام المراقبة منها بفعل التطورات التكنولوجية ( التلفزة، الهاتف، الانترنيت…)، كما أن العديد من الأسر ترى أن جوهر العلاقة مع المدرسة مرتبط بالجانب النفعي المادي وليس الجانب التثقيفي التربوي. وضعف الروابط الأسرية، ومشكل الأبناء المدللين. ولا ننسى أن هناك عوامل ترتبط بالمؤسسة التعليمية، كضعف المصداقية في المدرسة وفي وظيفة التعليم، وأجواء اكتظاظ الأقسام، بحيث لا يزال بعضها، في هذه السنة، يضم أكثر من أربعين تلميذا، بما فيها أقسام علمية بدون تفويج،وتضخم عدد التلاميذ بالمؤسسات التعليمية، وخاصة التعليم الثانوي (3000 تلميذ) مع ما يرافق ذلك من ضعف التأطير الإداري والتربوي، وإرهاق الأطر العاملة بسبب نقص الموارد البشرية. وكذا التدريس الغير فعال والغير ممتع الذي يعتمد على التلقين والحفظ والطرق التقليدية، وهو خلل في النظام التربوي يؤدي إلى ظاهرة الغش في الامتحانات. وعدم توفر المدرسة على مجالات تتيح للتلاميذ التعبير عن مشاعرهم وتفريغ طاقاتهم بطرق سليمة (المسرح، الغناء، الرسم، الرياضة، التكوين على الإسعافات الأولية…الخ). وصعوبة التواصل بين المدرس والتلميذ وبين المدرس وآباء التلاميذ، إذ أن هناك علاقة غير متوازنة بين الأسرة والمدرسة، وكثيرا ما يتم إرجاع فشل الطفل في الدراسة للمدرسين. يضاف إليها رفض الانضباط، وأسبابه متعددة من بينها عدم وضوح القوانين وقواعد المدرسة. فلا يعرف التلميذ حقوقه وواجباته، كما أن عدم إشراك التلاميذ في وضع القانون الداخلي يجعلهم ينظرون إليه كقرارات فوقية يجب تحديها وخرقها. وسوء تصرف ونقص تكوين بعض أفراد الهيأة التعليمية، وخاصة أولئك الذين لا يزالون يؤمنون بفاعلية العنف في التربية و"بخصوصية" التلاميذ المغاربة.و غض طرف الإدارة، بسبب إكراهات الموارد البشرية، عن اشتغال مدرسين مصابين بأمراض نفسية. وعدم تقدير التلميذ كإنسان له كيانه واحترامه. و تعرض التلميذ في بعض الأحيان للإذلال أمام زملائه والتركيز على جوانب ضعفه والاستهزاء بأفكاره ووصفه بالكسل أو الغباء. ووجود مسافة بين التلميذ والأستاذ، حيث ينعدم الحوار والنقاش، خاصة في قضايا التنقيط، إذ المطلوب توضيح القواعد والمعايير التي على أساسها يُقَوِّمُ الأستاذ عمل التلميذ. والعنف داخل المؤسسة، بين التلاميذ أنفسهم، و بعض أعضاء الأسرة التعليمية في حالات نادرة. والتخريب المتعمد للممتلكات، ويكون إما بشكل فردي أو جماعي.ولا نغفل عن العنف خارج المؤسسة وفي محيطها، يقوم به عدد من الشبان، وحتى الكهول، قبل أوقات الدخول والخروج لمعاكسة أو التحرش بالتلميذات. ونقص الحراس في المؤسسات التعليمية وغياب الأمن لحمايتها.

ماذا عن العنف الإداري الممارس على بعض الأطر التربوية ؟

هناك نوع آخر من العنف يمارس على أعضاء الهيأة التعليمية، وهو عنف الإدارة، والمتمثل في القرارات الإدارية المتسمة بالشطط في استعمال السلطة، والحرمان من الترقية والإعفاء من المهام والاقتطاعات من الأجرة غير القانونية، وأبرز هذه الملفات، عرفتها السنة الماضية في الحركة الانتقالية، وبالنظر إلى أن التضامن الجامعي المغربي  يؤازر منخرطيه أمام المحاكم الإدارية، فإنه عرض على القضاء 264 ملفا، يتعلق بالحركة الانتقالية، وكنا قد لجأنا إلى تقديم دعاوى استعجالية بشأن هذه الملفات، إلا أن القضاء أصدر أحكاما بكون القضايا لا تكتسي صبغة الاستعجال، مع العلم أنه إذا لم يتم إنصاف من تعرض للحرمان من حقه في الانتقال في آجال معقولة، فإن أي حكم سيصدر في شأنه سيكون متجاوزا، لأن الحركة الانتقالية يتم إجراؤها من جديد والملفات لا تزال معروضة على القضاء! ..

ما هو دور المنظمة في حماية المدرسين والإدارية من العنف ؟

من مهام التضامن الجامعي المغربي دعم ومساندة أعضاء الهيأة التعليمية المنخرطين الذين يتعرضون للاعتداء والإهانة والقذف وهي تؤازر منخرطيها في حالات التعرض للعنف المادي أو المعنوي أو التهديد من طرف أولياء وآباء التلاميذ أو التلاميذ أنفسهم أو عناصر أجنبية عن المؤسسة التعليمية. والتعرض للوشاية الكاذبة. وتقديم شكاية ضد المنخرط. و إدخال المنخرط  في دعوى من أجل أفعال نسبت إليه في إطار قيامه بمهامه. كما أن الجمعية تقدم خدمات المحاكم الإدارية، حيث تحيل على القضاء وهي ملفات تتناول التأديب والنقل والإلحاق والترقية والحركة الانتقالية والإعفاء من المهام الإدارية والنقطة الإدارية والعزل وغير من النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية.هذا، وتتوفر التضامن الجامعي المغربي على شبكة من 107 محامي موزعين على سائر أقاليم ومدن المغرب يقومون بمؤازرة المنخرطات والمنخرطين والدفاع عن مصالحهم أمام القضاء وعلى جميع مستوياته.

ما هي المساطر المتبعة لدى المنظمة من أجل دعم ضحايا العنف المدرسي؟

تعد خدمة مؤازرة المنخرط/ة ومساعدته قضائيا جوهرية وأساسية في التضامن الجامعي المغربي لذلك سعت الجمعية لإنشاء وحدات للمؤازرة على صعيد الأقاليم وتقوية شبكة المحامين، حيث تقوم وحدات المؤازرة بمصاحبة المنخرط/ة المعتدى عليه في كل المراحل التي تعرفها القضية، سواء بعرضها على القضاء أو إجراء الصلح، و تؤدي الجمعية أتعاب الملفات القضائية كما أنها تؤدي مصاريف كل تسوية تصالحية، ثم لابد من التذكير بأن التضامن الجامعي يبذل كثير من الجهود من أجل تجنب المخاطر المحتملة والوقاية منها، وهذه المبادرات الاستباقية تتجسد في ما ننشره من دراسات وتوجيهات في "المرشد التضامني" و"الجريدة التربوية" وموقع الجمعية على الانترنيت والندوات والأيام الدراسية التي ننظمها مع شركائنا من أجل التنبيه إلى ضرورة تجنب القيام بأي عمل من شأنه أن يستغل ضد المدرس/ة وإلحاق الضرر المعنوي والمادي بوضعيته، وكذلك من أجل الحرص على التمسك بأخلاقيات المهنة، كما أننا نركز على جعل المدرسة الفضاء الأول والأرضية الأساسية في زرع بذور الفكر الديمقراطي فهما ووعيا وممارسة، ليس عن طريق تدريس مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المواطنة نظريا فحسب، بل بجعل المجتمع المدرسي يمارس الديمقراطية في حياته اليومية في جميع ما تحفل به المؤسسة التعليمية من أشغال وبرامج ونشاطات وفعاليات… فالتحسيس والتوعية والوقاية من العنف في الوسط المدرسي يتطلب دمقرطة الحياة المدرسية وتأسيسها للسلوك المدني والتربية على المواطنة وهذه المبادئ هي ما نعمل على ترسيخه لدى أعضائنا.

ماهي في نظركم الحلول الكفيلة بالحد من العنف في الوسط المدرسي؟

يجب رد الاعتبار للمدرسة العمومية. بخصوص القضاء على العنف في الوسط المدرسي فإن الأمر مرتبط ارتباطا وثيقا وعضويا بإصلاح المنظومة التعليمية انطلاقا من أسئلة جديدة تراعي مقتضيات العصر وحاجات الاقتصاد والقيم الضرورية للمواطنة وترسيخ مجتمع الحداثة والمعرفة والعدالة. كما أن ما يجري في المدرسة جد حاسم بالنسبة للأطفال والمجتمع نفسه، خاصة في مجال تشكيل الهوية والقيم المشتركة التي تصنع الوحدة الوطنية وتخلق قاعدة ثقافية واسعة تهيئ للعيش المشترك وتعزز مفهوم المواطنة والاعتزاز بها والالتفاف حولها.

اعتبار قضية إصلاح المدرسة وإنقاذها قضية مجتمعية لا تهم الدولة، بقدر ما تهم مكونات المجتمع ولذلك لابد من إشراك الفاعلين الأساسيين من أساتذة ومفتشين ومديرين ونقابات والمجتمع المدني والأسر والتلاميذ وفتح المجال للاستماع لآرائهم ومقترحاتهم، وإشراكهم في التخطيط والتنفيذ حتى تتم التعبئة لانخراط الجميع في إنجاح إصلاح المنظومة.إعادة النظر في البرامج والمقررات الدراسية بما يتوافق مع التطورات العالمية و مواثيق حقوق الإنسان، فنحن في حاجة إلى مدرسة تملك القدرة على ترسيخ الفكر النقدي الخلاق، وخلق مساحات الحوار والاهتمام بقضايا الإنسان وتطوير الوعي بالمواطنة تربويا. دمقرطة الحياة المدرسية، ذلك أن الديمقراطية كثقافة وممارسة ينبغي أن تنطبق من المنظومة التعليمية، باعتبارها المعنية الأساسية والمباشرة بإنتاج الموارد البشرية المشكلة، في آن واحد، لوسيلة التنمية وهدفها، بحيث تكون هذه المنظومة الفضاء الأول والأرضية الأساسية لزرع بذور الفكر الديمقراطي فهما ووعيا وممارسة، ليس عن طريق تدريس مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المواطنة نظريا فحسب، بل بجعل المجتمع المدرسي يفعل الديمقراطية في ممارسته وحياته اليومية في جميع ما تحفل به المؤسسة التعليمية من أشغال وبرامج ونشاطات وفعاليات دون استثناء. إن نجاح المدرسة يتوقف إلى حد كبير على مقدار فعلها في سيرورة التحولات الاجتماعية وحضورها كفاعل أساس في إنتاج وحماية العقل والثقافة والهوية والقيم والخصوصيات المميزة للمجتمع بأسره. وفي اعتقادنا أن العمل البيداغوجي يشكل أهم وقاية من العنف المدرسي إذا كان المدرسون/ات يساهمون من خلال المواد التي يدرسونها في تكوين مواطني الغد علميا وعمليا، وتربيتهم على الحرية والتعايش واحترام الرأي الآخر والمساهمة في بناء مجتمع ديمقراطي حداثي متماسك يعتز فيه المواطن بانتمائه لوطنه.إنه لمن البديهيات المتعارف عليها، عالميا، اليوم، أن مستقبل البلدان تحددها أنظمتها التعليمية وقدرتها على الإعداد الجيد للأجيال المقبلة لمواجهة تحديات الغد، ومن تم، فإن مستقبل المغرب يتحدد في مدرسته، فهي المؤهلة لصنع الاستقلال الحقيقي للمغرب، الاستقلال العلمي والاقتصادي والثقافي، إذ التعليم الجيد هو الشرط الأول لتحقيق التنمية المستدامة ومواجهة التحديات التي تطرحها العولمة الاقتصادية التي تتزايد فيها أهمية اقتصاد المعرفة في عملية التنمية، لذلك لا ينبغي النظر إلى المدرسة على أنها عبء، مكلف، بل كاستثمار ضروري للأمة. ولذلك يجب وضع أي إصلاح للمنظومة ضمن تصور استراتيجي عام لمعالجة الاختلالات الهيكلية التي يعرفها المغرب ضمن إطار حكامة جيدة شاملة تحكم كافة مناحي الحياة العامة تسندها إرادة سياسية جادة، وإدارة كفأة تعتمد مبادئ المشاركة والمساءلة والشفافية. إن قضية العنف في الوسط المدرسي لا يمكن مواجهتها بالزجر والاعتقال ولكن بالعمل على إرساء مدرسة عمومية ديمقراطية، حداثية، قادرة على إتاحة الفرص وفتح آفاق الأمل للترقي الاجتماعي والإسهام في النمو الاقتصادي وخلق مناخ يساهم في إحاطة رسالة التربية والتعليم بما تستحق من التقدير والتكريم. إنه إذا كانت المدرسة اليوم هي صورة للمجتمع الذي نعيش فيه، فإنها في ذات الوقت نقطة انطلاق المجتمع الذي نتطلع إليه ونتمنى رؤيته غدا فمستقبل الشعوب بما تعد من أجيال قادرة على العطاء والابتكار والإبداع والحلم والأمل.

ما هي الإكراهات التي تعرق المسار القضائي للأحكام الصادرة ضد الإدارة ؟

 

من الإشكالات التي تواجهنا، في التضامن الجامعي المغربي، مع بعض منخرطينا الذين نساندهم أمام القضاء الإداري في مواجهة الإدارة، بسبب قضايا التعويض أو تصحيح الوضعية، بما فيها العزل أو الاقتطاعات من الأجرة …الخ هي عدم تنفيذ الإدارة للأحكام والقرارات القضائية الصادرة في مواجهتها، بعد أن تكون تلك القضايا قطعت مسارات ومراحل التقاضي في كل درجاته وأصبحت الأحكام حائزة على قوة الشيء المقضي به.

وفي اعتقادنا أن الإدارة المغربية لازالت تتعامل مع الموظفين بمنطق مخزني وليس بروح دولة الحق والقانون التي تخضع الأفراد والسلطات، على حد سواء، لمبدإ سيادة القانون والمشروعية، وذلك امتثالا للدستور الذي ينص على أن "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة يجب على الجميع الامتثال له". وما يمكن استنتاجه من عدم تنفيذ الأحكام القضائية من لدن الإدارة، هو أن هناك بعض الموظفين يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن أخطاء الإدارة وبالتالي يعرقلون تنفيذ الأحكام اعتقادا منهم أن ذلك ستكون له انعكاسات على مركزهم الإداري، أو يتحايلون بعدم تنفيذ الأحكام وهو ما يبطلها ويلغيها، وهذا نوع من التدليس الذي يجب فضحه ومواجهته والمطالبة بايجاد الحلول القانونية لسد الفراغ التشريعي الكمي والكيفي الذي تعرفه الإجراءات والنصوص التي تتعلق بمسطرة تنفيذ الأحكام الإدارية. من جهة أخرى، هناك أحكام التعويض التي تتطلب ميزانية ومبالغ مالية، لا تمتنع الإدارة عن تنفيذها ولكنها تتماطل في دفعها لفترات قد تمتد لعدة سنوات، بدعوى عدم توفرها على ميزانية معتمدة لها، الأمر الذي يعرض مصالح الموظف للضياع وفقدانه الثقة في القضاء فضلا عن الإدارة.

ماذا هي الإجراءات المتخذة من طرف المنظمة في ضل استمرار عصيان الإدارة وتحقيرها لأحكام قضائية؟

 

لقد سبق لنا في التضامن الجامعي المغربي أن لجأنا إلى القضاء الإداري في العديد من قضايا التعويض وتم الحكم فيها لصالح المنخرطين إلا أن التنفيذ ظل معلقا بشأنها لأكثر من خمسة عشر سنة بالرغم من أن الأحكام مذيلة بالصيغة التنفيذية.

لقد فتحت المحكمة الإدارية بالرباط في الملف رقم 102/01/2012 أمر استعجالي رقم 255 بتاريخ 22 /01/2012 ، الباب لسابقة في الاجتهاد القضائي المغربي وذلك بفرض غرامة تهديدية في مواجهة وزارة التربية الوطنية والبحث العلمي وتكوين الأطر لامتناعها عن تنفيذ حكم مذيل بالصيغة التنفيذية، وجاء في الحكم : (حيث يهدف الطلب استصدار أمر بتحديد الغرامة في 1000 درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ من 2006/01/23 إلى الآن مع النفاذ المعجل. وحيث يختص رئيس المحكمة الإدارية أو من ينيبه عنه بصفته هاته ومشرفا على مؤسسة التنفيذ بتحرير الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة الممتنعة بدون مبرر عن تنفيذ الأحكام الحائزة لقوة الشيء  المقضي به المذيلة بالصيغة التنفيذية، سواء صدرت في إطار قضاء الإلغاء أو القضاء الشامل استنادا إلى مقتضيات الفصل 488 من ق م م المحال عليه بموجب المادة 7 من القانون رقم 90-41 مادام مناط تحديدها هو عدم إمكانية اللجوء إلى قواعد التنفيذ الجبري في مواجهة الممتنع عن التنفيذ. وحيث يؤخذ من محضر التنفيذ المضاف للملف امتناع الإدارة المطلوب ضدها عن تنفيذ الحكم الصادر في الملف رقم 299/03غ، والحال أنه مذيل بالصيغة التنفيذية بدون مبرر قانوني مما يشكل امتناعا غير مبرر عن التنفيذ، ويبرر بالتالي تحديد الغرامة التهديدية في حقها.وحيث إنه بما لنا من سلطة تقديرية في تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الممتنع عن التنفيذ، وأخذا بعين الاعتبار طبيعة الحكم المعني بالتنفيذ ودرجة التعنت في التنفيذ، نرى تحديدها في ضوء الطلب في مبلغ 1000.00 درهم عن كل يوم تأخير.

وجاء في منطوق الحكم : ( .. وتطبيقا لمقتضيات القانون رقم 90-41 وقانون المسطرة المدنية لهذه الأسباب نأمر علنيا ابتدائيا حضوريا :بتحديد الغرامة التهديدية في مواجهة وزارة التربية الوطنية والبحث العلمي وتكوين  الأطر من حساب 1000.00 درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ  ابتداء من تاريخ الامتناع وهو  2006/01/23  إلى غاية يوم التنفيذ مع الصائر.بهذا صدر الأمر في اليوم والسنة أعلاه). إن هذا الحكم يشكل سابقة لإجبار الإدارة عن طريق الغرامة التهديدية لتنفيذ الأحكام القضائية، إلا أنه لا يغني عن ضرورة  صدور نصوص تشريعية صريحة وواضحة لحل إشكالية التنفيذ في مواجهة أشخاص القانون العام بما يمنح المحاكم الإدارية السلطات القانونية اللازمة والاختصاصات الواسعة لتنفيذ أحكامها القضائية من أجل حماية حقوق الأفراد من تعسف الإدارة وإخضاعها للقانون. نحن في التضامن الجامعي المغربي نساند منخرطينا المتهمين حتى نهاية المساطر القضائية، وثقتنا كبيرة في الفضاء الذي وقف على حقيقة كثير من الإسهامات الباطلة التي وجهت للمدرسين والمدرسات لأسباب مختلفة، كما أنه لا يمكننا إلا أن ندين ونتبرأ من كل من ثبت عليه بالقطع استغلال سطلته الإدارية أو التربوية لخيانة رسالته وثقة الآباء والأطفال والهيأة التي ينتسب إليها.

 

 

 

نبذة عن منظمة التضامن الجامعي

 تم تأسيس جمعية التضامن الجامعي المغربي سنة 1934 من طرف المدرسين الفرنسيين العاملين بالمغرب، كامتداد للمنظمة المركزية القائمة في فرنسا Fédération des Autonomes de Solidarité. وانطلقت فكرة تأسيس الجمعيات الفرنسية إثر حوادث مدرسية توبع فيها مدرسون ومديرون قضائيا، نظرا لكون القوانين الجاري العمل بها آنذاك تحملهم المسؤولية المدنية والجنائية عما يحدث للتلاميذ الذين في عهدتهم. فانطلقت حملات لجمع التبرعات وتم تشكيل لجان لمؤازرة المتابعين ماديا ومعنويا، وسرعان ما تحولت هذه المبادرات إلى حركة تأسيس جمعيات ضد الحوادث المدرسية تمت هيكلتها سنة 1909. وهي تضم الآن حوالي 850.000 منخرط.تسلم المدرسون المغاربة الجمعية سنة 1960، وتستمد الجمعية روحها من فكرة تضامن الهيأة لجعلها أكثر قوة وفاعلية من أجل القيام برسالتها النبيلة، والتضامن الجامعي المغربي منظمة غير حكومية مستقلة عن جميع الهيئات السياسية والعقائدية التي من حق أعضاء هيأة التعليم الانتماء إليها بصفتهم الفردية.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *